عنوان الفتوى : زوجته تريد الانفصال عنه تبعاً لقوانين بريطانيا المدنية! فماذا يصنع؟
زوجة صديقي بـ " إنجلترا " طالبته مؤخراً بالانفصال ، تبعاً لقانون الطلاق بـ " إنجلترا " ، ولارتفاع تكاليف ذلك : عرض عليها الطلاق الإسلامي من غير رجعة ، لم تقبل هذا الخيار ، مع العلم أنها طالبت بالانفصال لأسباب معقدة على حد قولها . هل يجبرها على الطلاق الإسلامي ؟
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمرأة المسلمة طلب الطلاق من زوجها من غير سبب يبيح لها ذلك ، فإن فعلت :
فقد استحقت الوعيد الشديد .
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ
بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه الترمذي (1187) وأبو
داود (2226) وابن ماجه (2055) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
ثانياً :
من كرهت البقاء مع زوجها بسببٍ منه ، كفعله للمنكرات ، أو ضربه لها ضرباً مبرحاً :
فلها طلب الطلاق ، وتستحق كامل حقوقها المالية .
ومن كرهت البقاء مع زوجها لا بسببٍ منه ، ولم تعد تطيقه ، وتخشى على نفسها الإثم في
عدم طاعته : فلا بأس بطلب الفراق ، لكن بالمخالعة ، لا بالطلاق ، فتدفع له ما يطلبه
– مهرها ، أو أكثر ، أو أقل – ثم يفارقها بعد ذلك .
قال الله تعالى : (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً
إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/ 229 .
ففي هذه الآية تحريم أخذ شيء من مهر الزوجة في حال أن يكون الزوج هو الراغب في
تطليقها ، وفيها : جواز المخالعة ، وافتداء نفسها منه بما يتفقان عليه .
وينظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم : (104534)
.
ثالثاً :
لا يجوز للزوجة ولا لغيرها استغلال القوانين الوضعية التي تخالف الشريعة الإلهية ،
لتأخذ ما لا تستحقه ، والواجب على المسلم أن يُحَكِّم شرعَ الله تعالى في جميع
أحواله ، وما يحصِّله من مال ، أو منفعة خلافاً لما شرعه الله تعالى فهو سحت ،
وحرام ، لا يكون ملكاً له ، ولا يحل له الانتفاع به .
قال الله عز وجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ
يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) النساء/ 60
، وقال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/ 65 ، وقال تعالى : (أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ) المائدة/ 50 .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم تحكيم القضاء الأمريكي في النزاع بين المسلمين ، أمور الطلاق ، والتجارة ،
وغيرها من الأمور ؟ .
فأجابوا :
"لا يجوز للمسلم التحاكم إلى المحاكم الوضعية ، إلا عند الضرورة ، إذا لم توجد
محاكم شرعية ، وإذا قضي له بغير حق له : فلا يحل له أخذه" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد العزيز آل الشيخ , الشيخ صالح الفوزان , الشيخ
بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/502) .
وينظر جواب السؤال رقم : (4044)
ففيه نقل مهم عن الشيخ العثيمين رحمه الله حول حكم التحاكم إلى القاضي الكافر ، أو
إلى إمام عاقل وليس بعالم .
فعلى هذا الزوج أن ينصح زوجته بالتحاكم إلى الشرع ، ويعطيها كامل حقوقها ، فإن أبت
إلا التحاكم لتلك القوانين ، فليس أمامه إلا أن يطلق هو طلاقاً شرعياً ، ثم إن
ظُلِمَ وغرم بسبب ذلك أموالاً فإنه يصبر ، وإن لم يأخذ حقه في الدنيا ، فإنه
سيستوفيه كاملاً يوم القيامة مِن حسنات مَن ظلمه .
والله أعلم