عنوان الفتوى : رب البيت يسب الله ودينه ! فماذا يصنع أهله وأولاده ؟
رجل يكفر بالله ، وعندما يكفر يخرج للحديقة ، ويقول : أنا أريد أن أرى السماء عندما أكفر , يعتقد أن العرب شعوب لا تستحق الحياة ، والغرب أفضل منهم , ويعتبر الحج تبذيراً للمال ، والكعبة كومة أحجار ، الناس يدورون حولها ، وغيرها من ألفاظ الكفر التي أخاف ترديدها . إذا زجره أولاده : ازداد كفره ، وإذا انتظروا هدوؤه : فإنه لا يقول استغفر الله ، بل يقول : أنتم أغضبتموني ، لكنه يصلي ويصوم ! . أهله أناس يخافون الله ، ويخافون أن يشملهم الله بعذاب من عنده بسبب ألفاظ الكفر التي يقولها أبوهم ، الزوجة هل تطلق منه إن كان يكفر لكنه يصوم ويصلي ؟ وأولاده كيف يتصرفون معه إن كان مصرّاً على الكفر عند حصول أي مشكلة بالبيت ؟
الحمد لله
أولاً:
صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال : ( لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى
سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا ، وَإِنَّهُ
لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ ) رواه البخاري برقم (6099) .
ولولا حلم الله على من سبَّه وشتمه لعاجلهم بالعقوبة ، كأن يمسخهم قردة وخنازير ،
أو يحرق ألسنتهم ، أو يسلبهم عقولهم فيسيرون في الطرقات لا يدرون ما يفعلون ، وكل
هذه نعم من الله تعالى أنعمها على عبيده ، ولو شاء لعطلها عنهم ، ولكن الله تعالى
يمهلهم ، ويؤخرهم ، فلعل أحداً منهم أن يتوب ويرجع لربه تعالى .
وليُعلم أن حكم ذلك الساب البغيض هو الخروج من الملة ، وأنه بسبِّه ذاك صار مرتداً
، حبطت أعماله الصالحة كلها ، وفُسخ عقد زواجه ، فحرمت عليه امرأته المسلمة ، وأنه
إن مات على تلك الحال ولم يدخل في الإسلام : فلا يُغسَّل ، ولا يكفَّن ، ولا
يُصلَّى عليه ، ولا يُدفن في مقابر المسلمين ، كما أنه لا يرث ، ولا يورث ، وأما
كونه يصلِّي : فإن هذا ليس بشافع ولا بنافع ، ولا بمانع ، فلا تشفع له صلاته عند
ربه تعالى ، ولا في عدم ترتب أحكام الردة عليه ، ولا تنفعه صلاته عند ربه ؛ لأن
الله تعالى سيحبطها ، ويحبط أعماله الصالحة جميعها ، ولن تمنعه صلاته من أن يكون مع
المرتدين ، ومنهم .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "فتاوى الشيخ ابن باز" ( 28 / 216 , 217
) : " لو أن إنساناً يسبُّ الله ورسوله ، أو يسبُّ دين الله ، أو يستهزئ بدين الله
، أو بالجنَّة ، أو بالنَّار : فإنه لا ينفعه كونه يصلي ، ويصوم ، إذا وجد منه
الناقض من نواقض الإسلام : بطلت الأعمال ، حتى يتوب إلى الله من ذلك .
هذه قاعدة مهمة ، قال تعالى : ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ ) الأنعام/ 88 ، وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ
أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ ) الزمر/ 65 , 66 " انتهى .
وسئل رحمه الله : لقد سمعت من بعض العلماء المسلمين أن الرجل إذا سب الدين طلقت
عليه امرأته ، ويلزم له التوبة والاستغفار وعقد قران جديد ، وكثيراً ما يحدث هذا
الأمر، خاصة وقت الغضب الشديد ، فما مدى صحة هذا الكلام ؟ .
فأجاب : " سبَّ الدين : ردة عن الإسلام ، وكذلك سبُّ القرآن ، وسب الرسول : ردة عن
الإسلام ، وكفر بعد الإيمان ، نعوذ بالله ، لكن لا يكون طلاقاً للمرأة ، بل يفرق
بينهما من دون طلاق ، فلا يكون طلاقاً ، بل تحرم عليه ؛ لأنها مسلمة ، وهو كافر ،
وتحرم عليه حتى يتوب ، فإن تاب وهي في العدة : رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء ، أي
: إذا تاب ، وأناب إلى الله : رجعت إليه ، وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب : فإنها
تنكح من شاءت ، ويكون ذلك بمثابة الطلاق ، لا أنه طلاق ، لكن بمثابة الطلاق ؛ لأن
الله حرَّم المسلمة على الكافر ، فإن تاب بعد العدة ، وأراد أن يتزوجها : فلا بأس ،
ويكون بعقٍد جديدٍ أحوط ؛ خروجاً من خلاف العلماء ، وإلا فإنَّ بعض أهل العلم يرى
أنها تحل له بدون عقدٍ جديدٍ ، إذا كانت تختاره ، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على
حالها ، ولكن إذا عقد عقداً جديداً فهو أولى ؛ خروجاً من خلاف جمهور أهل العلم ،
فإن الأكثرين يقولون: متى خرجت من العدة : بانت منه ، وصارت أجنبية لا تحل إلا
بعقدٍ جديدٍ ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقداً جديداً ، هذا إذا كانت قد خرجت من
العدة قبل أن يتوب ، فأما إذا تاب وهي في العدة : فهي زوجته ؛ لأن النبي صلى الله
عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من
العدة " انتهى . " فتاوى نور على الدرب " ( 1 / 106 ، 107 ) ط دار الوطن .
وحكم الاستهزاء بشيء من شعائر دين الله تعالى هو ردة أيضاً ، ولا خلاف بين العلماء
من أهل السنَّة في حكم سبِّ الله تعالى ورسوله ودينه ، ولا في حكم الاستهزاء بشيء
من شعائر دين الله تعالى .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله – :
الحكم فيمن سبَّ الدين الإسلامي : أنه يكفر ؛ فإن سبَّ الدين ، والاستهزاء به : ردة
عن الإسلام ، وكفر بالله عز وجل ، وبدينه ، ... .
انتهى
وانظر تتمة الفتوى في جواب السؤال رقم : (
42505 ) .
وانظر - في حكم سب الله تعالى - أجوبة الأسئلة : (
71174 ) و (
79067 ) و (
14305 ) و (
65551 ) .
وانظر - في حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم - جواب السؤال رقم : (
22809 ) .
ثانياً:
هذا ، وليُعلم أن زعمه أن أولاده أغضبوه : ليس بعذرٍ شرعي له ، بل هو يدل على غاية
الاستهانة بالله تعالى ، ودليل ذلك أن الذي يغضب ، ويغلق عليه بسبب الغضب : لا
يتذكر إلا ربَّه تعالى ليسبه ويشتمه ! فلماذا لم يتذكر أمه ليسبها ؟! لم يتذكر
حاكمه ليسبه ؟! إنه لما كان محبَّاً ، أو معظِّماً ، أو خائفاً لهؤلاء : لم يخطروا
بباله عند غضبه ليسبهم ، وهو يدل على ما قلناه ، وهو أن هؤلاء قد سبُّوا ربهم تعالى
تنفيساً عما في قلوبهم من زيغ ودخن ، واستهانة برب العالمين .
ويجب عليكِ هجره حتى يعود لدينه وإسلامه ، ولا يحل لك تمكينه منك ، فهو ليس زوجاً
لك ، إلا أن يعود لدينه ، وعلى الأولاد معاملته معاملة المرتد ، لا يُبدأ بالسلام ،
ولا يود ، ولا يُحب ، ومع ذلك فعليهم الترفق في دعوته ، وإظهار الخلق الحسن له ،
لعله يتوب ، أو يئوب إلى رشده .
وانظري جواب السؤال رقم : (
96576 ) .