عنوان الفتوى : غريب بين أهله وأقربائه العصاة ، يريد النصح والتوجيه

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا مسلم ، أعيش في بنجلاديش ، والدي توفي عندما كنت في الثامنة من عمري ، أمي ، وكل أفراد العائلة ، وقريباتي لا يلتزمون بالحجاب الإسلامي ، هذا هو سبب أنني لم أزر أبدا أيّاً من قريباتي عندما يدعونني إلى منازلهم ، أغلب أقاربي صغار السن مثلي لا يصلون الصلوات اليومية ، يقولون : إن الله قسم رحمته إلى مائة جزء ، واحتفظ بتسعة وتسعين جزءا منها عنده ، مشيرين إلى أنهم إذا صلوا صلاة العيد فقط : الله سيغفر لهم ، أعرف بنفسي الأحاديث عن الصلاة ، وحاولت أن أخبرهم أنهم غير منطقيين جدّاً ، ويتبعون شهوات نفوسهم فقط ، كيف ينبغي عليَّ التصرف مع مثل هؤلاء الأقارب ؛ لأن كل أقاربي مثل هؤلاء ؟ وبسبب توقفي عن الذهاب إلى بيوتهم عندما يدعونني : بدؤوا ينادونني بأنني غير اجتماعي ، كيف ينبغي أن أرد على هؤلاء الأشخاص عديمي المنطق والعقل ، الذين يتبعون شهواتهم فقط ؟ كيف أتصرف مع أمي وأخي الأصغر لأنهما يشاهدان الأفلام الهندية على التلفزيون ، ويستمعان إلى الأغاني ؟ . أخي يصلي وقتما يشاء ، أحياناً خمس مرات ، وأحياناً أخرى لا شيء .

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الجواب :

الحمد لله

أولاً:

شعورك بالغربة في بيئتك يشاركك فيه ألوف من الناس ، يعيشون بين ظهراني أهليهم ، ولا يجدون منهم نصرة وتأييداً ، بل يجدون كل شرٍّ وسوء ، من التثبيط عن الطاعة ، والتخذيل عن إقامة شرع الله في نفسه وحياته ، وتزداد الغربة أكثر عندما يكون ذلك الغريب " أنثى " مكسورة الجناح ، مهضومة الحقوق ، ونبشرك أن هؤلاء الغرباء كان لهم من العمل لدين الله تعالى الشيء الكثير ، وكانت نتائج دعوتهم عظيمة ، وكل ذلك كان بفضل الله ورحمته ، عندما صبروا واحتسبوا ما لا يلاقونه في سبيل الله تعالى .

وفي الوقت ذاته نقول : إنَّ ما عانى منه أوائل هذه الأمة من القهر والأذى والضرر يهون معه ما يصيبنا من أهلينا وأقربائنا ، فأين ما أصابك – مثلاً – من طعنهم بك أنك " غير اجتماعي " مع ما طعنوا به نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ، حيث قالوا عنه : ساحر ، وكذاب ، ومجنون ، ثم إن المنافقين طعنوا في عرضه ، فاتهموا زوجته عائشة بالفاحشة! وليس هذا فحسب ، بل أيضاً رفعوا السلاح في وجوه أشقائهم ، وآبائهم ، وأقربائهم ، واستباحوا دماءهم ، وقاتلوهم ، فضلاً عما قام به بعضهم من السجن ، والتعذيب، والقهر.

فالصبر الصبر ، والاحتساب الاحتساب ، ولا تكن في ضيق مما يمكرون ، وكن مع الله ولا تبالِ ، واحرص على نفسك أن تنقذها من النار أولاً ، ثم اسعَ في دعوة غيرك .

 

ثانياً:

مما نوصيك به في باب دعوتهم ونصحهم :

1. أن تخلص نيتك في الدعوة ، وأن لا تبتغي بذلك إلا وجه الله .

2. أن تكون قدوة حسنة عند أهلك وأقربائك ، ومن ذلك : أن تلتزم بشرع الله تعالى في خاصة نفسك ، وأن تلتزم بأخلاق الإسلام في كل أمورك .

3. أن لا تتنازل عن شيء من شرع الله من أجلهم ، فإن هذا من شأنه أن يقلل من مهابة التزامك بالشرع عندهم .

4. أن تنتقي من أهلك وأقربائك العقلاء منهم ، وأن تحاول أن تضم إلى صفك من يقوِّي جانبك ، ويشد من أزرك ، ولا تنتبه للسفهاء والحمقى ، فتضيع منك أوقات أنت أولى بها.

5. أن تستمر على مقاطعتك لمجالس أقربائك إن كان فيها ما يمكن أن يؤثر على دينك سلباً ، وأما إن رأيت فائدة من زياراتك لهم : فاحرص عليها ، ولا تتخل عنهم ، فهم مرضى وأنت طبيبهم ، فاسلك الطريق المناسبة لتقديم العلاج لهم مع رفضهم ذاك ، شريطة أن تكون ماهرا في طبك وعلاجك ، آخذا بالحيطة لدينك ، ألا يصيبك من عدوى الذنب ، وشؤم المعصية ، وبلاء المنكر مثل ما أصابهم ، كما قال ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه : ( فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ ) رواه البخاري (695) .

6. نوِّع وسائل دعوتهم وترغيبهم بالخير ، بين الكتيبات الصغيرة ، والأشرطة المؤثرة ، للدعاة الموثوق في علمهم ودينهم ، من أهل السنة .

7. احرص على الدعاء ، فرب دعوة صادقة تنطلق منك في جوف الليل الآخر تجد قبولاً عند رب العالمين ، فترى آثارها الحميدة أمامك ، فيسعد قلبك ، وينشرح صدرك .

سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله : لي أقارب وأرحام ، ومنهم خال لي ، ووالداي في بعض الأيام يسهران عندهم ، ويريداني أن أذهب معهم لزيارتهم ، ولكني أرفض ؛ لأن مجلسهم لا يخلو من المنكرات ، ويقولون لي : الله غفور رحيم ، وأنَّ علي أن أصل رحمي ، فهل أذهب معهم وأتحمل الصبر على منكراتهم كي أصل الرحم أم أقطعهم ؟ .

فأجاب : " أما إذا كان في ذهابك إليهم رجاء أن تؤثر عليهم ، وأن توعظهم إلى ترك المنكر ، وتقوم بواجب إنكار المنكر : فإنه يجب عليك الذهاب إليهم من ناحيتين :

الناحية الأولى : صلة الرحم .

الناحية الثانية : إنكار المنكر الذي تقوم به إذا ذهبت .

أما إذا لم يحصل منك إنكار المنكر ، أو كان الإنكار لا يجدي ، وهم يستمرون على منكرهم على الرغم مما تنكر عليهم ، فإنك لا تذهب إليهم ؛ لأنك إذا ذهبت إليهم : فإنك تجلس في مجلس يكون فيه منكر ، وأنت لا تغيره ، أو لا تقدر على تغييره ، فعليك أن تبتعد عنهم ؛ لعل الله سبحانه وتعالى يهديهم " انتهى من " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (2/245) .

 

ثالثاً:

لستَ بحاجة للتنبيه على ضلال من استدل منهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ؛ والاستدلال بهذا الحديث على ترك ما أمر الله تعالى به من أوامر ضرب من السخرية والاستهزاء ، فرحمة الله تعالى لا تكتب للأشقياء الذين يتعمدون فعل المنكرات التي حذرت منها الشريعة ، بل إن بعض تلك المخالفات كفر يخرج من الملة مثل ترك الصلاة ، قال تعالى : ( إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف/ من الآية 56 ، قال سبحانه : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/ من الآية 156 ، وقال تعالى : ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ) غافر/ 7 .

قال ابن كثير رحمه الله : " ( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أي : إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين ، الذين يتبعون أوامره ، ويتركون زواجره " انتهى . " تفسير ابن كثير " ( 3 / 429 ) .

وكما أن الله تعالى واسع المغفرة : فهو أيضاً شديد العقاب ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ) الرعد/ 32 ، وقال : ( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ) غافر/ 3 ، وقال تعالى : ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ) إبراهيم/49 ،50 ، فأين العصاة عن هذه الصفة للرب تعالى، حتى يرتدعوا عن فعل ما يغضبه ، ويوجب لهم الوعيد ؟! .

وانظر جوابي السؤالين : ( 47425 ) ، و ( 11266 ) .

 

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...