عنوان الفتوى : الحكمة من خلق الخلق مع كون الله غنيا عنهم
لماذا خلقنا الله أو بالأحرى لماذا خلق الله الكون والدنيا، علماً بأنه الغني عن كل شيء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجواب هذا السؤال قد بينه الله عز و جل بما يكفي ويشفي ويغني عن قول كل قائل، قال جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {الذاريات:56-57-58}، واعلم هدانا الله وإياك أن الله تعالى حكيم، لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا يقدر شيئاً سدى وأن عقول البشر عاجزة، قاصرة عن إدراك حكمة الله عز وجل في كل فعل من أفعاله، فإذا أعيتك معرفة حكمته تعالى في أمر من الأمور فعليك بالقاعدة العامة التي بينها الله لخلقه، وهي قوله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}، فترد إليها ما أشكل عليك من هذا الجنس.
وربنا عز وجل له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وهو تعالى يحب أن يظهر آثار أسمائه وصفاته، فهو يحب أن يجيب دعوة الداعين، ويكشف كرب المكروبين، ويثيب الطائعين، ويعاقب العاصين، فاسمه الرحمن الرحيم ترى ظهور آثاره بادية في ذرات هذا الكون: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {الروم:50}، واسمه العزيز ظهرت آثاره وتظهر في إهلاكه للمكذبين وقهره للمعاندين، واسمه التواب تظهر آثاره في إقالته العثرات، وعفوه عن الزلات، وهكذا في جميع أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فهو تعالى يحب أن يدعوه الخلق فيجيبهم، ويعبدوه فيثيبهم، ومن أسمائه تعالى الخالق البارئ المصور، ومن أسمائه تعالى الخلاق العليم.. فهذا القول كله أثر من آثار هذه الأسماء، وهو تعالى غني عن خلقه وعن عبادتهم ومع ذلك فقد رحمهم بأن بعث إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب وهداهم النجدين ووعدهم على الطاعات اليسيرة الأجور الكثيرة.. وقد أبدع العلامة ابن القيم في تصانيفه المختلفة في بيان هذا المعنى، فإن شئت الزيادة فعليك بطريق الهجرتين، ومفتاح دار السعادة، وغيرهما من كتبه النافعة، وانظر كذلك الفتوى رقم: 7565.
والله أعلم.