عنوان الفتوى : التي تفطر بسبب العذر الشرعي فهي مطيعة مثابة لا عاصية
أنا امرأة في الخامسة والعشرين من عمري، حامل في الشهر السادس ولي طفل عمره عامان. كنت متحمسة كثيراً لقدوم شهر رمضان المبارك حتى أصومه كاملا، لكن كانت عندي مسبقا متاعب في القولون وقرحة في الاثني عشر قبل الحمل، وقد أخذت علاجاً طويلاً للمعدة لمدة خمسة أشهر ولكن الأوجاع استمرت بعدها ثم استشرت طبيبة اختصاصية في الجهاز الهضمي قالت إن هذه أعراض اكتئاب وأعطتني أدوية لم أستخدمها حتى لا أدمن، وحاولت بنفسي الخروج من هذه الحالة ونجحت بالفعل فلم أعد أشعر بالألم، بعد شهر تقريبا عرفت بأني حامل فأصابني حزن شديد وهم كبير فلم أكن أريد الحمل في هذه الفترة نظراً لأنني لم أستعد صحتي النفسية والجسدية بعد، ولاحظت أن جهازي الهضمي بدأ يسوء وخصوصا في الليل، فكنت أقلل كثيراً من كميات الطعام (وأنا أخصائية تغذية) ولا أتناول في اليوم الواحد طعاما يزيد في سعراته عن 1800 سعر حراري، وأتجنب الأكل بعد المغرب تماما لأن الآلام لا تأتي إلا في الليل بحيث تحرمني من النوم بل وتجعلني في حالة ألم شديد لا ينفع معه إلا إبر مسكنة (فولتارين) ثم تذهب، أقول كنت متحمسة للصيام في هذا الشهر الفضيل، ولم يخطر ببالي أن الآلام ستذبحني لأنني لن آكل بطبيعة الحال إلا في الليل.. أستهلك سعرات حرارية قليلة للغاية فلا أتجاوز 1200 سعراً حراريا في السحور والفطور، والآن نحن في اليوم الثالث عشر من رمضان وقد جاءني الألم الشديد في حوالي سبع ليال منها حرمني النوم ولا يهدأ إلا بعد أن آخذ حبتين أو أكثر من الريفانين -طبعا بعد شرب أطنان من المريمية والشومر والينسون بغير فائدة- أو إبرة الفولتارين. وأفطرت يومين لأني لم أستطع السحور لشدة الألم، الألم يأتيني بعد الطعام بحوالي 5 -7 ساعات، يمتد من جانب أعلى البطن تحت القفص الصدري مباشرة من الناحيتين وأحيانا من ناحية واحدة ليشمل الظهر كله، وكأنني أرتدي (جاكيتا) من الألم، ويستمر ثلاث ساعات على الأقل قبل أن يخف -ولا يزول- بفعل المهدئ، ويبقى هناك ألم خفيف طوال اليوم التالي، عملت صورة للمرارة فكانت النتيجة سلبية، وعملت تحليلا للبول فظهر لدي التهاب شديد (عدد كريات الدم البيضاء 60 والطبيعي 10) وحاليا أعالج منه بمضاد حيوي لمدة سبعة أيام، مر منهم أربعة، وهكذا لدي سؤال متشعب فأرجو من حضرتكم التكرم بالإجابة عليه لأني لا أجد من يصغي إلي من الطبيبات فهمهن الوحيد صرف أكبر عدد من المرضى: أولا: هل هذه أعراض قولون عصبي بالفعل، لا يوجد أي دم بالبراز إلا أن قوامه أقرب إلى الإسهال رغم أن ذهابي للحمام قليل مرة يوميا أو أقل، أم هي أعراض نفسية أو روحانية لأن كثيرين من حولي ينصحونني بالذهاب لمن يقرأ علي. ثانيا: ما حكم صيامي في هذه الحالة؟ فأنا أكون حزينة جدا عندما أفطر والناس من حولي صائمون، ولولا خوفي على الجنين من المسكنات لما اهتممت. ثالثا: ما الذي أستطيع فعله لتخفيف هذه الأعراض أو للعلاج؟ وجزاكم الله خيراً وجعل خدمتكم للمسلمين في ميزان حسناتكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك العافية التامة، ونوصيك بالإقبال على الله تعالى والالتجاء إليه بالدعاء، فإن أعرض عنك الأطباء ولم يستمعوا إليك ولم يرفعوا شكاتك فإن الله تعالى سميع الدعاء رافع الشكوى مجيب دعوة المضطر كاشف الضر، ما رفع إليه عبد كف الضراعة فرده خائباً سبحانه وتعالى، فارفعي حاجتك إلى ربك وأنت موقنة بالإجابة، واسألية الشفاء فهو الشافي لا شفاء إلا شفاؤه، ولن تحزني على ما فاتك من الناس إذا اقبلت على الله تعالى بصدق وإخلاص.
أما الشقان الأول والثالث من سؤالك فالجواب عليهما ما ذكرناه في هذه المقدمة فإذا تأملت ذلك وعملت بما أرشدناك إليه فسيتحقق لك بإذن الله تعالى من طمأنينة النفس وراحة القلب ما يذهب عنك كل ما تجدينه.. واعلمي أن الأطباء متفقون على أن القولون العصبي ليس مرضاً عضوياً، وإنما يثور بسبب التوترات النفسية، ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات الطبية في موقعنا.
وأما الشق الثاني من السؤال فجوابه أن الله تعالى رحمة منه بعباده لا يكلفهم ما لا يطيقون: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا {البقرة:286}، وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا {التغابن:16}، وعليه فإن كان الصوم يشق عليك فقد أباح الله لك الفطر، يقول الله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ {البقرة:184}، وإذا أفطرت للعذر الشرعي فأنت في تلك الحالة مطيعة غير عاصية فلا تقلقي، وقد يكتب الله لك أجر ما كنت تعملين وأنت صحيحة، ففي صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً. فاستبشري بهذا الخير ولا تحزني.
والله أعلم.