عنوان الفتوى : ضرب التأديب مقيد بوصف السلامة
سادتي الأفاضل بارك الله فيكم أرجو أن يتسع صدركم لي (أختي تضرب بنتيها ضربا مبرحا شديداً جداً لأتفه الأسباب عمرهما 8 و6 سنوات، وأن إحداهما كسرت شيء مثلا قامت الدنيا ولا تقعد وقد يكون شيئا تافها مع الدعاء عليهن بأبشع الميتات أضف إلى ذلك السب والشتم وكم نصحتها بالترفق والتلطف ولكن بدون فائدة وأنا لدي ولدان تقريبا في نفس السن لا أشتم أحداً منهم وإن فعل أحدهما شيئاً أو كسره أقول له قدر الله وما شاء فعل وأهدئ من روعه وأحاول أن أعاملهم بالحسنى والرحمة واللين ولا أشد عليهما إلا نادراً)، فهل لي من أجر على ذلك؟ شكراً جزيلاً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أهل العلم يقولون بجواز ضرب الأب أو الأم أولادهما للتأديب، ولهم على ذلك أدلة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. رواه أبو داود. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربهم لترك الصلاة، وفي هذا الضرب تأديب لهم، ولكن أهل العلم يقولون: إن ضرب التأديب مقيد بوصف السلامة، فلا يجوز الضرب الذي يؤدي للضرر والتلف.
وينبغي للأب أو الأم عند ضرب الأولاد مراعاة الأمور الآتية:
أولاً: أن لا يضرب الوجه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، ولا يقل: قبح الله وجهك. رواه أحمد، وهو في الصحيحين بألفاظ أخرى.
ثانياً: أن لا يضرب في مكان مهلك أو متلف كالرأس والمذاكير، والبطن، أو ما شابه ذلك.
ثالثاً: أن لا يؤدب وهو غضبان، لأن الغضب قد يخرج صاحبه عن السيطرة على نفسه، فمن ضرب أولاده لتأديبهم ملتزماً بالضوابط المذكورة، فلا إثم عليه.
فتبين بهذا أن ما تفعله أختك من ضرب مبرح لأولادها غير جائز شرعا، مع ما يسببه ذلك للأولاد من أذى نفسي ومعنوي قد يطول أثره، فهذا يؤثر بلا شك على شخصياتهم واتزانهم النفسي، وما تفعله أختك من دعاء على أولادها الصغار بأبشع الميتات ونحو ذلك فهو حرام لا يجوز، فقد أخرج مسلم وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم.
وأما ما تفعله أنت من رحمة بأطفالك وشفقة عليهم، فأنت مأجور عليه إن شاء الله، فهذه هي أخلاق الإسلام وهذا هو هدي الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الصغار، ففي الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة.
ولكن ينبغي أن تراعي التوازن في الأمور فلا تغلب جانب الحزم على اللين، ولا جانب اللين على الحزم، مع المحافظة على أن يكون الأصل في التعامل هو الرحمة واللين.
وليعلم الآباء والأمهات أن الأبناء أمانة في أعناقهم، وأنهم مسئولون عن هذه الأمانة أمام الله سبحانه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.... الحديث رواه البخاري ومسلم. ولقد حذرنا نبينا من تضييع هذه الأمانة، فقال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه البخاري ومسلم، وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 98417، 53765، 17078، 68992.
والله أعلم.