عنوان الفتوى: هل يعرف الميت من يزوره من الأحياء ؟
هل صحيح أن الميت تكون روحه في قبره يوم الجمعة فيعرف من يأتي إليه زائرا ويستأنس به ؟
الحمد لله
عالم البرزخ من عالم الغيب الذي لا سبيل إلى العلم بتفاصيله إلا من جهة الخبر
الصادق : الكتاب والسنة الصحيحة ، وقد جاء فيهما كثير من التفاصيل التي تتحدث عن ما
يواجهه الإنسان بعد الموت .
ومن التفاصيل التي وردت في ذلك : أن الميت يتعرف إلى من يزوره من الأحياء إذا كان
يعرفهم في الدنيا ، روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي الله صلى الله عليه
وسلم :
( ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا ، فسلم عليه ، إلا عرفه ورد
عليه السلام )
رواه ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/185) قال :
أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد ، قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع
الأول ، قال : أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي ، في دارها بمصر في شوال سنة
اثنتين وأربعين وثلاثمائة ، قالت : حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ،
قال حدثنا : بشر بن بكير ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس
به .
وهذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات معروفون ، إلا شيخ ابن عبد البر ، وفاطمة بنت الريان
، لم أقف لهما على ترجمة ، غير أن توثيقهما مستفاد من تصحيح ابن عبد البر نفسه لهذا
الحديث ، إذ لا يمكن أن يصحح حديثا وهو لا يعرف من حدثه بها بالتوثيق ، وما زال
علماء الحديث يوثقون الرواة إذا رأوا من يصحح الأسانيد التي ورد ذكرهم فيها . كما
نقل ابن تيمية عن عبد الله بن المبارك ثبوت هذا الحديث ، فقال : " قال ابن المبارك
: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "مجموع الفتاوى" (24/331)
وكذلك صحح الحديث من المتأخرين : الحافظ عبد الحق الإشبيلي ، والقرطبي في "المفهم"
(1/500) ، وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (24/173) ، والعراقي في تخريج "إحياء علوم
الدين" (4/491)، والزبيدي في "شرح الإحياء" (10/365)، والسيوطي في "الحاوي" (2/302)
، والعظيم أبادي في "عون المعبود" (3/261) ، والشوكاني في "نيل الأوطار" (3/304)
وغيرهم .
وللحديث شاهدان آخران عن أبي هريرة ، وعن عائشة رضي الله عنهما ، لكن في أسانيدهما
ضعف لا يصلحان معه للاعتبار . انظر "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألباني
(رقم/4493)
ومما يقوي هذا الحديث أيضا الآثار المتكاثرة الواردة عن السلف في هذا الباب ، حتى
قال ابن القيم رحمه الله : " والسلف مجمعون على هذا ، وقد تواترت الآثار عنهم بأن
الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به " انتهى. "الروح" (ص/5)، ومثله يقول ابن كثير
في "تفسير القرآن العظيم" (6/325)
وقد جمع هذه الآثار الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور" ، تحت باب " معرفة
الموتى بزيارة الأحياء " ، والقرطبي في "التذكرة" ، كما جمعها الحافظ السيوطي في
"شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور"
وأما العلماء المتأخرون ، فأكثرهم على تقرير هذا الوارد في كتب الأثر .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه :
" الروح تشرف على القبر ، وتعاد إلى اللحد أحيانا ، كما قال النبي صلى الله عليه
وسلم :
( ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه
حتى يرد عليه السلام ) ، والميت قد يعرف من يزوره ، ولهذا كانت السنة أن يقال : (
السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ويرحم الله
المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ) " انتهى.
"مجموع الفتاوى" (24/303-304)
أما تخصيص الزيارة التي يتعرف بها الميت إلى الحي في يوم الجمعة فلا يثبت بدليل
صحيح.
جاء في "حاشية نهاية المحتاج" (3/36) :
" قوله : ( فيسلم عليه ) أي في جميع أيام الأسبوع , ولا يختص ذلك بالأوقات التي
اعتيدت الزيارة فيها .
وقوله : ( إلا عرفه ورد عليه السلام ) : فيه إشارة إلى أنه يؤدي إلى المسلم حقه ولو
بعد الموت , وأن الله تعالى يعطيه قوة بحيث يعلم المسلم عليه ويرد عليه , ومع ذلك
لا ثواب فيه للميت على الرد ; لأن تكليفه انقطع بالموت " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" تخصيص ذلك بيوم الجمعة لا وجه له ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( زوروا
القبور فإنها تذكر الموت ) ، وثبت عنه أنه زار البقيع ليلا كما في حديث عائشة
الطويل المشهور ، وعلى هذا فتخصيص معرفته للزائر بيوم الجمعة لا وجه له ، كذلك روى
أصحاب السنن بسند صححه ابن عبد البر وأقره ابن القيم في كتاب الروح ، أنه : ( ما من
رجل يسلم على مسلم يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد عليه السلام ) في أي
وقت " انتهى.
"لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم/9، سؤال رقم/37)
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |