عنوان الفتوى : حكم من فعلت محظورات الإحرام وهي جاهلة
كنت قد تشاجرت مع أمي في مكة وأرسلت اليكم ونصحتموني بأن أبادر بمصالحتها ابتغاء مرضاة الله واتقاءعذابه في الدنيا والآخرة واتقاء غضبه علي وقد صالحتها والحمد لله... ولكنني عدت من مكة ولم أؤد العمرة وقلتم إني لا بد أن أعود إلى مكة لإتمام العمرة، ولكنني الآن حامل في شهرين...ومن خلال مراجعتي لأجوبتكم على من كانوا في مثل مشكلتي ....أنه لا بد من فدية إذا حصل جماع أو قص الأظافر أو حلق العانة....وقد فعلت كل ذلك...وقلتم إنه على كل محظور فدية..هل يكون مثلا على الجماع فدية..وعلى قص الأظافر فدية..وعلى حلق العانة فدية...فكم فدية أؤدى؟ وما نوعها وأين أؤديها مع العلم أني كنت لا أعلم بهذه المحظورات..فهل تشرحون لي باستفاضة ما العمل أنا في حيرة كبيرة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكرَ الله لكِ مبادرتكِ بمصالحةِ أمك ونسأله تعالى أن يوفقكِ للمزيدِ من الخير، ثمّ اعلمي أيتها الأختُ الفاضلة أنه تجبُ الفدية على كلِ من ارتكبَ محظوراً من محظوراتِ الإحرام قبل التحلل من نُسكه، وهي واجبةٌ في كلِ محظورٍ على حدة، وأما الجماعُ قبل الفراغُ من سعي العمرة فإنه يُفسدها ويلزمُ إتمامها ثم قضاؤها صحيحةً مع لزوم الدم.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: فإن كنت جامعت زوجتك فسدت العمرة وعليك إتمامها ثم قضاؤها مرة أخرى من محل إحرامك بالأولى، وعليك دم وهو رأس من الغنم جذع ضأن أو ثني معز يذبح في مكة للفقراء، ويجزئ عن ذلك سُبع بدنة أو سُبع بقرة. انتهى من فتاوى إسلامية.
وأما إذا كان المُكلفُ جاهلاً بالحكمِ الشرعي فإنه لا يلزمه شيء حتى في الجماع، لا الإثم ولا الفدية وهذا هو ترجيحُ شيخ الإسلامُ ابن تيمية رحمه الله، ويدلُ له قوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب 5 }.
وأما إذا كانَ جهله بالعقوبة لا بالحكم الشرعي فهذا لا أثرَ له، قال الشيخ ابن عثيمين في فتاويه رحمه الله:
هذا ليس بعذر ؛ لأن العذر أن يكون الإنسان جاهلا بالحكم، لا يدري أن هذا الشيء حرام، وأما الجهل بما يترتب على الفعل، فليس بعذر، ولذلك لو أن رجلا محصنا يعلم أن الزنا حرام، وهو بالغ عاقل، وقد تمت شروط الإحصان في حقه، لوجب عليه الرجم، ولو قال: أنا لم أعلم أن الحد هو الرجم، ولو علمت أن الحد هو الرجم ما فعلت، قلنا له هذا ليس بعذر، فعليك الرجم، وإن كنت لا تدري ما عقوبة الزنى، ولهذا لما جاء الرجل الذي جامع في نهار رمضان يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا يجب عليه، ألزمه النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، مع أنه كان حين جماعه جاهلا بما يجب عليه، فدل ذلك على أن الإنسان إذا تجرأ على المعصية، وانتهك حرمات الله، عز وجل، ترتب عليه آثار تلك المعصية، وإن كان لا يعلم بآثارها حين فعلها.
وعلى هذا فإذا كنتِ جاهلةً بالحكم الشرعي أصلا، تظنين أنه لا يلزمك المضي في العمرة فلا شيء عليكِ وإنما تلزمكِ الفدية في المحظورات التي ارتكبتها بعد العلم، وأما إذا كنتِ عالمةً بالحرمة جاهلةً بالعقوبة أو كنتِ جومعتِ بعد العلم بالحكم فالواجب عليكِ هو ما ذكرناه من المضي في العمرة الفاسدة وقضائها وذبح دمٍ مع التوبة والاستغفار، ويلزمكِ كذلك فديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسك عن كلِ محظورٍ ارتكبته بعد العلم، والصيام هو ثلاثة أيام، والصدقة ثلاثة آصعٍ من طعام تقسم على ستة مساكين، والنسك شاةٌ تذبح وتوزع على فقراء الحرم كما دل له حديثُ كعب ابن عجرة الثابت في الصحيح؛ هذا والواجبُ عليكِ أن تجتهدي في تعلم الأحكام الشرعية لكي لا تقعي في الحرج.
وأما حج من عليه دين فصحيح لا حرج فيه إذا كان يرجو الوفاء, لكن نحذرك من التعامل مع البنوك الربوية؛ فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه كما ثبت في صحيح مسلم.
والله أعلم.