عنوان الفتوى : حكم أكل لحم القط والغراب للعلاج
منذ فترة كانت توجد جارةلأحد أصدقائي أولادها مصابون بمرض وهو صعوبة الكلام من ( زغوته ) لا تفارقهم طوال الوقت وذهبت بهم إلى جميع المستشفيات ولا يوجد حل لهذا المرض حتى تجاوز عمرهم من بين 10 إلى 18 سنة وهم أربعة: بنت وثلاثة أولاد.. فقالت لها سيدة عجوز جداً بذبح قط وتقديمه طعاما لهم.. ففعلت هذا وحصل شيء مدهش أمام صديقي هذا وهو الشفاء التام.. فأرجو توضيح هذا الأمر من حيث الشرع، وهل يجوز أكل القطط.. وسمعت عن حالة شبيهة لذلك لكن كان غرابا وتم الشفاء أيضا.. مع العلم بأن صديقي هذا ثقة ومعلوم؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن الأصل في التداوي بالمحرمات والنجاسات الحرمة، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح الجامع: تداووا عباد الله، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم. رواه أحمد والحاكم. وفي رواية: لا تداووا بحرام. والقطط مما يحرم أكلها فقد روى الترمذي وأبو داود من حديث جابر وغيره قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الهر وثمنه. قال صاحب عون المعبود: فيه أن الهر حرام وظاهره عدم الفرق بين الوحشي والأهلي، ويؤيد التحريم أنه من ذوات الأنياب.اهـ
وأما الغراب فعامة الفقهاء على تحريم ما يأكل الجيف وهو الأبقع، وكذلك الغداف عند الأكثر وهو العقعق وأباحوا غراب الزرع.. قال في المبسوط في ذكر الغراب المحرم أكله: والمراد به ما يأكل الجيف، وأما الغراب الزرعي الذي يلتقط الحب فهو طيب مباح، لأنه غير مستخبث طبعاً، وقد يألف الآدمي كالحمام. انتهى.
وفي فتح الباري لابن حجر: وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقاً بالأبقع.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: وحجة من استثنى إباحة بعض الأنواع من الغربان أن الأحاديث التي ورد فيها وصف الغراب بالأبقع أشعرت أن الغراب المذكور هو المتصف بصفة توجب خبثه، وقد لوحظ أن هذه الصفة هي كونه لا يأكل إلا الجيفة غالباً، فحملت الأحاديث المطلقة عليه، ثم ألحق بالأبقع ما ماثله وهو الغداف الكبير. واختلفوا في العقعق تبعاً لاختلاف أنظارهم في كونه يكثر من أكل الجيفة أو لا يكثر. انتهى.
هذا وقد أجاز كثير من الفقهاء عند الضرورة التداوي بالمحرم غير المسكر، وذلك لقوله سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}، قال العز بن عبد السلام رحمه الله: جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة. انتهى.
وقال النووي في المجموع: (وأما) التداوي بالنجاسات غير الخمر فهو جائز سواء فيه جميع النجاسات غير المسكر هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور وفيه وجه أنه لا يجوز لحديث أم سلمة... إلى أن قال: وإنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهراً يقوم مقامها، فإن وجده حرمت النجاسة بلا خلاف، وعليه يحمل حديث: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. فهو حرام عند وجود غيره، وليس حراماً إذا لم يجد غيره، وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفاً بالطب يعرف أنه لا يقوم غير هذا مقامه، أو أخبره بذلك طبيب مسلم عدل ويكفى طبيب واحد. انتهى.
وبناء على هذا فإذا ثبت طبياً أن في أكل لحم القط أو الغراب المحرم أكله علاجاً لهذا المرض أو غيره ولم يكن هنالك ما يغني عن ذلك فلا حرج في التداوي بهما إن شاء الله، وأما الغراب غير المحرم فلا إشكال في التداوي بالأكل منه، وتجدر ملاحظة أن القطط مكروهة عند المالكية وليست محرمة، وأما الغراب فهو مباح عندهم وقيل بكراهة الجلالة منه، ورغم أن هذا المذهب مرجوح فإن الأخذ به للضرورة سائغ وهو أولى من الأخذ بقول التحريم.
والله أعلم.