عنوان الفتوى : لا يليق بحق الإله أن يقال في حقه (هل هو ذكر أو أنثى)!
كنت أنا وصديقي نتحاور في أحد المواضيع وسألني: هل الله ذكر أم أنثى؟ فقلت له: إنه لا يجوز هذا القول أو الحديث عنه، فقال لي: أنا أريد أن أعرف عن ربي، فقلت له: إذا الملائكة لا يجوز وصفهم بالذكور أو بالإناث فكيف برب العالمين، فقال لي إنه يمكننا الاستدلال من أسماء الله الحسنى، ويمكن القول بأن الله ذكر كما نقول العزيز وليس العزيزة وأتاني بآيات يقول لي إنه أيضا يصح الاستدلال منها، فانا سكت وقلت له: لا يجوز القول في مثل هذه الأشياء؟
خلاصة الفتوى: هذا النوع من الأسئلة جهل بحقيقة الإنسان وبعقله ومدركاته، ومن وساوس الشيطان التي يصرف بها الإنسان عن ما خلق له ويستطيع فهمه ليجره إلى الانشغال بما لم يخلق له ولا يستطيع عقله المحدود إدراكه وتصوره وهو التفكير في ذات الله، فالله تعالى لا يصح عقلا ولا شرعا أن يوصف إلا بما وصف به نفسه في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كل شيء عند هذا الإنسان الضعيف محدود وقاصر؛ فطاقاته العقلية والحسية قاصرة ومحدودة وضئيلة لا تستطيع الإحاطة ولا الإدراك لأكثر المخلوقات التي بين يديه ومن حوله في هذا الكون، فما بالك برب العزة جل جلاله العزيز الجبار المتكبر الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد..
فالذي يفكر في ذات الله تعالى ويسأل هذه الأسئلة لم يفكر في نفسه هو ولم يعرف حقيقة أمره ولم يتأمل في قول الله تعالى: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ {الروم:8}.
وفي قول الله تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:21}.
ثم إن طرق المعرفة التي يتوصل بها الإنسان إلى معرفة الشيء إما أن تكون بمعاينة هذا الشيء وإدراكه بالحواس، وهذه مستحيلة في حق الله تعالى ؛ لقوله تعالى: لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{الأنعام:103}.
أو تكون برؤية أو إدراك مماثل لهذا الشيء المراد معرفته، وهذه مستحيلة أيضا في حق الله تعالى، لأنه ليس له مماثل و لا شبيه ولا نظير.. حتى يقال: هو مثل كذا أو كذا، وقد قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {الشورى:11}.
أو تكون بالاستدلال بآثار هذا الشيء على معرفته ومعرفة صفاته ؛ فإذا لاحظ الإنسان دقة هذا الكون وبديع صنعه من ذراته إلى مجراته وتأمل في ذلك علم أن خالقه عظيم وحكيم وقادر.. ومتصف بكل كمال يليق به ومنزه عن كل نقص ؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا يشبه أحدا من خلقه ولا يشبهه أحد من خلقه ؛ فكل ما يخطر بالقلب من التصورات.. فإن الله عز وجل بخلافها، ولا يمكن لعقل الإنسان الكليل أن يحيط بالخالق العظيم الجليل كما قال سبحانه وتعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا {طـه:110}.
أو تكون عن طريق الوحي المنزل من عند الله تعالى، وهذا الوحي أخبرنا بأن الله تعالى واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، ويعتبر المتفكرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته أو صفاته؛ لأن عقل الإنسان وجميع حواسه وإدراكاته لها حدود وطاقة معينة ومحدودة ليس باستطاعتها تجاوزها، ولذلك فإن هذا النوع من الأسئلة جهل بحقيقة الإنسان ومن وساوس الشيطان التي يلقيها على الإنسان عندما يعجز عن صرفه عن عبادة الله تعالى التي من أجلها خلق، يحاول أن يجره إلى الانشغال بما لم يخلق له أصلا ولا يستطيع عقله المحدود الضعيف إدراكه وتصوره وهو التفكير في ذات الله تعالى.
وعلاج ذلك بالانصراف عن هذه الوساوس والاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم, وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.
ولذلك فإن الضمائر التي ترد في نصوص الوحي من القرآن والسنة وتعود إلى اسم الجلالة الله يجب أن تبقى كما هي من غير تفسير ولا تأويل فلا يصح عقلا ولا شرعا أن يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه في محكم كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وللمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 52270، 12300، 29135، 19691 .
والله أعلم.