عنوان الفتوى : الصلاة على الجنين بين الوجوب وعدمه
أرجو إفتائي في هذه المشكلة التي تقلقني ليلا ونهارا منذ حوالي 4سنوات طلقت زوجتي الثانية بسبب معاملتها لأولادي قد حملت وأسقطت في الشهر الرابع تقريبا، الإسقاط حصل في البيت ولم يكن في المستشفى، الوقت تحديدا في العصر وكنت مستعجلا وعندي عمل قامت الزوجة بلفه في قماش أبيض وقالت لي خذه للمقبرة وأخذته وذهبت إلى المقبرة التي على طريقي ولم أجد أحدا في المقبرة، وكان جوار المقبرة مخطط وكوم من التراب والرمال أكوام وقمت بدفنه وذهبت مسرعا مستعجلا إلى عملي ولم أصل عليه علما أن المولود قطعة من اللحم ولم يكن يتبين منه شيء، أرجو من فضيلتكم إفتائي هل علي إثم أو شيء أقوم به وجزاكم الله عني خيرا .
خلاصة الفتوى: ليس على الحامل ذنب في إسقاطها بلا قصد ولا يشرع عقابها بسبب ذلك، فإن تسببت في ذلك فقد عصت الله سبحانه وتعالى ولزمتها الغرة وهي دية الجنين مع الكفارة، وإذا كان السقط لم يكمل أربعة أشهر فلا إثم عليك في دفنه من غير صلاة، وإن كان قد أكمل أربعة أشهر فعلى القول بوجوب الصلاة عليه في هذه المرحلة فقد أخطأت لأن بإمكانك أن تسأل أهل العلم، وعليك أن تتوب إلى الله تعالى، أما على القول بعدم وجوب الصلاة عليه في هذه المرحلة فلا إثم عليك في ذلك.
فإذا كان الجنين قد سقط بلا سبب من أمه فإنه لا ذنب عليها في ذلك ولا يشرع عقابها ولا لومها على ما لا كسب لها فيه، أما إن كان بسبب منها فقد عصت الله سبحانه وتعالى حيث أقدمت على إسقاط جنين وصل إلى هذه المرحلة ولزمتها الكفارة ودية السقط، فقد نص أهل العلم على أن الحامل إذا عملت عملاً يسبب عادة إسقاط جنينها، ثم سقط نتيجة لذلك العمل، كأن تشرب دواء فتسقط منه، فإنها تضمنه، فتجب عليها الغرة وقيمتها عشر دية أم الجنين، كما تلزمها الكفارة.
قال ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي: وإذا شربت دواء فألقت جنينها ميتاً فعليها غرة، ولا ترث منه شيئاً، وتعتق رقبة، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه، إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة. انتهى.
وتسقط الغرة بعفو الورثة، بخلاف الكفارة، والكفارة هي: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لقوله تعالى: فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء:92} .
أما ما قمت أنت به من دفنه من غير صلاة.. فإذا لم يكمل أربعة أشهر -كما هو الظاهر- فلا إثم عليك في ذلك لأنه في هذه المرحلة لا يصلى عليه باتفاق الفقهاء.
قال النووي في المجموع: قال العبدري: إن كان له دون أربعة أشهر لم يصل عليه بلا خلاف، وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك لم يصل عليه عند جمهور العلماء، وقال أحمد وداود رحمهما الله: يصلى عليه.
فإن كان قد أكمل أربعة أشهر فعلى القول بوجوب الصلاة على السقط إذا مضى عليه أربعة أشهر -وهو قول الإمام أحمد ومن وافقه- فقد كان عليك أن لا تقدم على هذا الأمر حتى تسأل عنه أهل العلم، فإن تجرأت على ذلك مع إمكان الرجوع إلى أهل العلم فقد أخطأت وعليك أن تتوب إلى الله تعالى، وعلى قول الجمهور لا إثم عليك فيما فعلت لعدم وجوب الصلاة على السقط في هذه المرحلة.
قال ابن قدامة في المغني أيضا: السقط الولد تضعه المرأة ميتاً، أو لغير تمام، فأما إن خرج حيّاً واستهل، فإنه يغسل ويصلى عليه بغير خلاف.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته، واستهل صُلي عليه. وإن لم يستهل، فقال أحمد: إذا أتى له أربعة أشهر غسل وصُلي عليه. انتهى.
والله أعلم.