عنوان الفتوى : قصة خرافة عن كوكب " الزهرة " ونجم " سهيل "
ما هي حقية كوكب الزهرة أنها كانت امرأة ، ونجم سهيل أنه كان رجلا ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد لعنهما .
الحمد لله
أولا :
القصة التي تُروى عن كوكب الزُّهرة ، جاءت في سياق قصة أخرى تحكي أمر هاروت وماروت
، حاصلها أن الملائكة تعجبوا مِن عصيان بني آدم في الأرض ، فأمرهم الله أن يختاروا
منهم مَن ينزل إلى الأرض وتركب فيه الشهوة ، كي ينظروا أيطعيون أم يعصون ، فاختاروا
هاروت وماروت ، فجاءت الزهرة – امرأة حسناء – فتعرضت لهما حتى أغوتهما ، ثم مسخها
الله كوكبا في السماء ، وأدرك الملائكةُ الأمر فاستغفروا للمؤمنين .
جاءت هذه الرواية من حديث ابن عمر على وجهين :
1- من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار .
وذلك من طرق عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار به .
رواه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/73-74) وعنه
الطبري في "تفسيره" (2/429-430) ، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/306) ، وهذا سند
صحيح متصل رجاله ثقات .
2- من قول النبي صلى الله عليه وسلم :
وذلك من طريق نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به ، وقد رواه عن نافع
ثلاثة :
- فرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
به .
عند الطبري في تفسيره (2/432) . وفرج بن فضالة : له أحاديث مناكير . انظر ترجمته في
"تهذيب التهذيب" (8/262)
، ومعاوية بن صالح : له أوهام . انظر:
"تهذيب التهذيب" (10/211)
- زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا .
رواه أحمد في المسند (2/134) ، وعبد بن حميد
(787) ، وابن حبان في صحيحه (14/63) ، والبزار (2938) – كشف الأستار- ، والبيهقي في
"السنن" (10/4-5) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (662)
. وموسى بن جبير : قال فيه ابن حبان : يخطئ ويخالف . وقال ابن القطان : لا يعرف
حاله . كذا في "تهذيب التهذيب" (10/339)
، وزهير بن محمد فيه كلام أيضا ، خلاصة حكم الحافظ ابن حجر عليه أنه ثقة يغرب ويأتي
بما ينكر . انظره في "تهذيب التهذيب"
(3/350)
- موسى بن سرجس عن نافع :
كما عند ابن مردويه - كذا نقله ابن كثير في
تفسيره (1/354) - ، وموسى بن سرجس
لم يُنقل عن أحد فيه حكم ، فهو مجهول الحال ، وقد ضعف الترمذي حديثا له رواه في
سننه . انظر "تهذيب التهذيب" (10/307)
وبذلك يتبين أن الرواية الصحيحة هي من كلام كعب الأحبار ، وليست المنسوبة إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، وأن رفعه [ أي نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ] منكر
ظاهر من خطأ بعض الرواة ، دلنا على ذلك اجتماع قرائن نكارة المتن وضعف السند ،
ومخالفة الصحيح .
لذلك قال أبو حاتم - كما في "العلل" (2/69)
– عن واحدة من روايات الرفع :
"هذا حديث منكر" انتهى
.
وقال البزار : " وإنما أتى الرفع هذا عندي من زهير ؛ لأنه لم يكن بالحافظ "
انتهى
.
وقال البيهقي عن روايته عن كعب الأحبار : " وهذا أشبه "
انتهى
.
ويقول ابن كثير رحمه الله بعد أن وصف الروايات عن نافع بالغرابة :
" وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار ، لا عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع ، فدار الحديث ورجع إلى نقل
كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل " انتهى .
"تفسير القرآن العظيم" (1/354)
وقد مال الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" إلى تصحيح أصل القصة فقال (ص/39) :
" له طرق كثيرة جمعتها في جزء مفرد يكاد الواقف عليه أن يقطع بوقوع هذه القصة ،
لكثرة الطرق الواردة فيها وقوة مخارج أكثرها "
انتهى
.
غير أن كلام المتقدمين الذين ضعفوا الرواية أولى وأقرب ، فالطرق الكثيرة مخالفةٌ
للطريق الصحيحة ، وضعف رواتها يرجح رجوعها إلى كعب الأحبار وليس إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ، وقد علق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيق المسند (2/143) على كلام
الحافظ بقوله :
" أما هذا الذي جزم به الحافظ بصحة وقوع هذه القصة لكثرة طرقها وقوة مخارج أكثرها ،
فلا ، فإنها كلها طرق معلولة أو واهية ، إلى مخالفتها الواضحة للعقل ، لا من جهة
عصمة الملائكة القطعية فقط ، بل من ناحية أن الكوكب الذي تراه صغيرا في عين الناظر
قد يكون حجمه أضعاف حجم الكرة الأرضية بالآلاف المؤلفة من الأضعاف ، فأنَّى يكون
جسم المرأة الصغير إلى هذه الأجرام الفلكية الهائلة "
انتهى
.
ومن أظهر علامات نكارة القصة التفاوت الكبير في ألفاظ رواياتها ، فمنها المختصر
ومنها المطول ، ومنها الزائد ومنها الناقص ، وبعضها فيها لعن النبي صلى الله عليه
وسلم كوكب الزهرة وبعضها يسكت عن ذلك ، بل ومنها ما يذكر مسخ الزهرة إلى كوكب ،
ومنها ما يسكت عنه ، أما الرواية عن كعب الأحبار فقد جاءت بلفظ واحد مختصر ، ليس
فيه ذكر قصة الزهرة ومسخها إلى كوكب ، وإنما تقتصر على قصة الملكين هاروت وماروت .
وقد وردت القصة عن ابن مسعود وابن عباس من الصحابة رضوان الله عليهم ، وعن جماعة من
التابعين ، ساق مروياتهم الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ثم قال (1/360) :
" وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين ، كمجاهد والسدي والحسن وقتادة
وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم ، وقصها خلق من
المفسرين من المتقدمين والمتأخرين ، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل
، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا
ينطق عن الهوى ، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها ، فنحن
نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى ، والله أعلم بحقيقة الحال "
انتهى
.
ثانيا :
أما ما يُحكى عن النجم " سُهيل " ، أنه كان رجلا من بني آدم ، ثم مُسخ إلى نجمٍ
مُعلق في السماء ، فكل ما ورد فيه مكذوب موضوع ، وقصة خرافة يتناقلها الناس والرواة
، وهذا تفصيله :
1- عن عمرو بن دينار أنه صحب ابن عمر في السفر ، فكان إذا طلع سُهيلٌ قال : لعن
الله سهيلا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كان عشَّارا – يأخذ
عشر الأموال ضريبة - يظلمهم ويغصبهم أموالهم ، فمسخه الله شهابا ، فجعله حيث ترون )
رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7/147)
وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم/651) ، والبزار – كما في "كشف الأستار"
(1902 و903) جميعهم من طريق
إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار به
قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن دينار إلا إبراهيم بن يزيد .
لكن عند البزار متابعة مبشر عن عمرو بن دينار ، إلا أنها متابعة ساقطة ، فقد قال
البزار بعد إخراجه لهما :
" لا نعلم أحدا رواه عن عمرو بن دينار عن ابن عمر إلا إبراهيم : وهو لين الحديث ,
وإنما ذكرناه على ما فيه من العلة لأنا لم نحفظه إلا من هذين الوجهين "
انتهى
.
وذكره الذهبي في "الميزان" (3433) في ترجمة مُبَشِّر ، وعده من مناكيره .
وقال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/187) :
" هذا الحديث لا يصح موقوفا ولا مرفوعا "
انتهى .
ومن دلائل نكارة الحديث وتخليط إبراهيم بن يزيد أنه يرويه مرة عن عمرو بن دينار عن
ابن عمر ، ومرة عن عمرو عن عبد الرحمن بن السايب عن ابن عمر . = كما أسنده ابن
الجوزي في "الموضوعات" من طريق الدارقطني -
2- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لعن الله سهيلا - ثلاث مرات - , فإنه كان يعشر الناس في الأرض , فمسخه الله شهابا
)
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/108)
, وكذا أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (649،650) في باب : ما يقول إذا رأى
سهيلا . والخطيب البغدادي في "السابق واللاحق" (ص/78) والدارقطني في "العلل الواردة
في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187)
من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه .
يقول ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/188) :
" وقد رواه وكيع عن الثوري موقوفا وهو الصحيح . وهذا لا يصح لأن مداره على جابر
الجعفي . قال جرير : لا أستحل أن أروي عنه . وقال أبو حنيفة : ما رأيت أكذب منه .
وقال يحيى بن معين : لا نكتب حديثه " انتهى
.
وجاء في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" للدارقطني (4/187) :
" وسئل عن حديث أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان إذا رأى
سهيلا لعنه وقال : كان رجلا ينحس الناس بالظلم فمسخه الله شهابا .
فقال : يرويه جابر الجعفي ، واختلف عنه :
فرواه الثوري عن جابر : فقال إبراهيم بن خالد وأبو حذيفة عن الثوري عن جابر عن أبي
الطفيل عن علي ولا أراه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وخالفهما وكيع ومحمد بن عبد الوهاب القناد فروياه عن الثوري موقوفا بغير شك .
ورواه عيسى بن يونس عن أخيه إسرائيل عن جابر مرفوعا أيضا ، ورفعه أبو شيبة إبراهيم
بن عثمان عن جابر .
والصحيح موقوفا " انتهى
.
3- وفي رواية أخرى عن علي بن أبي طالب بسياقٍ مختلفٍ جاء فيها :
" أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن المُسوخ ؟ فقال : هم ثلاثة عشر...فذكرها ثم
قال :
وأما سهيل فكان عشَّارًا باليمن ، وأما الزهرة فكانت بنتا لبعض ملوك بني إسرائيل
افتتن بها هاروت وماروت " انتهى
.
عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/249) للزبير بن البكار في "الموفقيات" ، و"ابن
مردويه" و"الديلمي" ولم أقف على إسناد منها .
ورواه ابن الجوزي في "الموضوعات" في " باب ذكر المسوخ " (1/185) بسنده ثم قال :
" هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما وضعه إلا ملحد يقصد وهن
الشريعة بنسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو مستهين بالدين لا يبالي
ما فعل ، والمتهم به مغيث – مولى جعفر بن محمد عنه عن أبيه عن جده عن علي - .
قال أبو الفتح الازدي : خبيث كذاب لا يساوي شيئا ، روى حديث المسوخ ، وهو حديثٌ
منكر .
قال المصنف – ابن الجوزي - : وحديث ابن حبيبة الصحيح : ( فإنه ما مسخ الله عز وجل
شيئا فجعل له نسلا ) يرد هذا " انتهى
.
فالحاصل أنه لم تثبت الحكاية عن مسخ رجل إلى النجم " سهيل " بسند مرفوع صحيح ، وكل
ما ورد في ذلك من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فهي أحاديث منكرة ضعيفة ، حكم
عليها أهل العلم بالوضع والترك ، منهم الشيخ الألباني في
"السلسلة الضعيفة" (4196) .
وغاية ما هنالك أنه قد تصح فيها بعض الآثار الموقوفة عن بعض الصحابة ، غير أن هذه
الآثار ليس لها حكم الرفع ، والأخذ بما فيها موضع شك ، لاحتمال تلقيها عن بني
إسرائيل احتمالا قويا ظاهرا ، كما هو الأمر في قصة مسخ الزهرة إلى الكوكب المعروف ،
والخرافات التي ترويها الإسرائيليات تأتي بهذا القبيل من القصص والأحداث .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |