عنوان الفتوى : طلاق الموسوس.. رؤية شرعية
سيدى الكريم.. أرجو أن يتسع صدرك لسماع مشكلتي فأنا منذ أربعة أشهر أعيش فى ضيق وكدر شديدين ولا أعرف ما السبيل إلى الخلاص من هذه المحنة، أنا متزوج منذ أربعه أعوام وأعيش في سعادة مع زوجتي ورزقني الله بطفل جميل عمره ثلاث سنوات، بدأت مشكلتي عندما قرأت فى كتاب فقه السنه للشيخ سيد سابق أن الطلاق يقع بمجرد التلفظ به ولا يحتاج إلى نيه وأن لفظ الطلاق بالكناية هو الذى يسأل فيه عن نيه الزوجومنذ ذلك الحين والوساوس تعترينى فأقول فى نفسى "أنت ..." أو "زوجتي ..." وأنت تفهم الباقي لأني لا أريد أن أكمل الجملة ثم أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى أني أستعيذ أكثر من مائة مرة فى اليوم وبدأت المشكلة تزداد عندما أتحدث مع نفسي أو مع أي شخص فأشك هل أنا تلفظت بهذا القول وأن الطلاق قد وقع أم لا وبدأت فى عذاب لا ينتهى وكذا عندما أتحدث مع زوجتي أو أي شخص وأقول أي جملة أشك أنها من كنايات الطلاق أم لا، بل وبدأت أشك فى نيتي ناحيتها وأبدأ من جديد فى تثبيت نيتي بأني لا أريد الطلاق حتى أني قبل الحديث معها أجدد نيتي ثانيه حتى لا تحدث الوساوس، وقرأت كثيراً من الفتاوى أنه يجب الإعراض عن هذه الوساوس حتى لا تزداد المشكلة، وسؤالي: هل إذا أعرضت عن هذه الوساوس بأن لا أستعيذ من الشيطان فى كل مرة هل هذا الخطأ لأنني أستعيذ كثيراً وأكرر الاستعاذة لأني أشك أنني لم أستعذ بشكل صحيح مما أصبح يشكل عبئاً علي ويركز الموضوع فى ذهني أكثر، وما السبيل إلى تثبيت نيتي وعدم الشك في النية، وكيف أعرف اليقين إذا كنت أشك في كثير من الأقوال أو الألفاظ التي قلتها، حتى أنني اليوم وبعد أن غسلت وجهي في الحمام وردت هذه الوساوس فى ذهني وبعد الخروج من الحمام فبدأت في الشك هل تلفظت بها أم لا، ورغم غلبة ظني أني لم أتلفظ بها بل أظن أني استعذت فى سري بعد ورود هذا الخاطر علي إلا أنني لا أستطيع أن أتوقف عن الشك أنا أخاف من الله أن أفضح يوم القيامة أو تكون أعمالي حسرات علي يوم القيامة إذا كان الطلاق قد وقع وعيشتي معها حرام، فافتوني وأرشدوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأعلم أن ما قرأته في كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق لا يعنيك أنت ولا أمثالك من الموسوسين، فقد استثنى أهل العلم طلاق الموسوس وقالوا إنه لا يقع.
قال صاحب التاج والإكليل: سمع عيسى في رجل توسوسه نفسه فيقول: قد طلقت امرأتي، أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال: يُضرِب عن ذلك يقول للخبيث صدقت ولا شيء عليه. ابن رشد: هذا مثل ما في المدونة أن الموسوس لا يلزمه طلاق وهو مما لا طلاق فيه، لأن ذلك إنما هو من الشيطان فينبغي أن يلهى عنه ولا يلتفت إليه. انتهى.
وقال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: وعن الليث لا يجوز {أي لا يمضي} طلاق الموسوس، يعني المغلوب في عقله، عن الحاكم: هو المصاب في عقله إذا تكلم تكلم بغير نظام. انتهى.
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم: ... ومن غلب على عقله بفطرة خلقة أو حادث علة لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية لم يلزمه الطلاق ولا الصلاة ولا الحدود، وذلك مثل المعتوه والمجنون والموسوس والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوباً على عقله. انتهى.
فهذه نصوص صريحة في أن الموسوس غير مؤاخذ بطلاقه، فخذ بها وأرح قلبك، واعلم أن زوجتك ليست مطلقة، وأنك لا تعيش في الحرام.
والله أعلم.