عنوان الفتوى : تدافع عوامل الخير والشر في النفس البشرية... الأسباب والعلاج
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته أما بعد : إن النفس أمارة بالسوء ولوامة وغير ذلك،
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن بني آدم خلقوا من نفس واحدة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) [النساء:1].
وفي نفس الإنسان عموماً نزوع إلى الهوى والشهوة، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعـات:40-41].
وقال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) [آل عمران:14].
ولكن نسبة الهوى والشهوة عند الناس تتفاوت بسبب عوامل من الإنسان، وعوامل من البيئة.
فمن أهم عوامل الإنسان في نفسه علمه بربه، وخوفه من عقابه، قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) [الإنسان:9-10].
فالذي دفعهم إلى فعل الخير والبر هو خوفهم من الله سبحانه ومن عقابه ورجاؤهم لثوابه.
ومن ذلك مجاهدة الإنسان لنفسه ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].
وأما العوامل المؤثرة في الإنسان من البيئة، فهي كثيرة، من أهمها:
1/ الرفقة: فالمرء على دين خليله، وجاء في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح كمثل العطار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه".
2/ مقدار الصلاح العام، أو الفساد العام في المجتمع، فقد رود في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب. فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً. فهل له من توبةٍ؟ فقال: لا. فقتله. فكمل به مائة. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالمٍ. فقال: إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا. فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم. ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوءٍ". فدله على البيئة الصالحة التي تعينه على الخير.
ولما كانت منابع الخير والشر موجودة لدى النفس، ولديها الدوافع لفعل كل منهما، كان من صفاتها الأساسية الفطرية أنها لوامة لذاتها على ما تكسب من شر، ما لم يمت حس الخير لديها أو يتخدر، وكان من صفاتها أيضا أن تشعر بالطمأنينة عند فعل الخير.
وحينما تتجه إلى فعل الشر تدفعها إليه وساوس الاستمتاع بلذته، وتسويلات حب العاجلة، والرغبة بزينة الحياة الدنيا، فهي بالنظر إلى هذا الجانب موسوسة مسولة، وتعتمد في وسواسها وتسويلاتها على الأوهام والظنون، وينتهي الأمر بها إلى أن تكون أمارة بالسوء، فإما أن تستجيب بعد ذلك لنداء هذا الجانب، وإما أن ترفض.
وحينما تتجه إلى فعل الخير تدفعها إليه دوافع الخير الراقية فيها، والرغبة في رضوان الله، والجزاء الكريم الذي أعده للمتقين، وهذه الدوافع يقترن بها واعظ يعظ بالخير في داخل كيان الإنسان، كما ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذي والنسائي عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى حنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه! فإنك أن تفتحه تلجه، فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله تعالى، والأبواب المفتحة: محارم الله تعالى، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق: واعظ الله في قلب كل مسلم".
والله أعلم.