أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : توجيهات ونصائح لإتمام بحث متعلق بمسألة الاجتهاد مع وجود النص

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيراً على هذا الموقع المتميز الذي يغني بمادته الغزيرة وتصميمه البديع عن غيره.
إنني بصدد إعداد رسالة الدكتوراه في موضوع (قاعدة: لا اجتهاد مع النص بين التنظير الأصولي والتطبيق الفقهي)، ولأن الموضوع محل نقاش حاد في هذه الأيام بين أهل الفقه وأهل الفكر المنتسبين إلى تيار العلمانية، ولأنني لا أريد أن أجعل من بحثي أجموعة تهتم بحشر الأقوال دونما سبر لدقائق الأمور وتطرق لجزئياتها، فقد جعلت من أولويات المنهج استرشاد أهل العلم لتوجيهي إلى ما ينبغي التركيز عليه والتطرق إليه بالمناقشة والتمحيص حتى يأتي البحث نافعاً لقارئه إن شاء الله، وعليه فالمأمول أن تحيلوا طلبي على السادة العلماء المتخصصين لينيروا لي الطريق، وجزاكم الله خير الجزاء.


مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسْأل الله أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح، وأن ينفع بك بلاده وعباده، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

فلا يخفى على أمثالكم أن البحوث العلمية الناجحة هي التي تلامس الواقع فتضيف جديداً أو توضح مبهماً أو تختصر مطولاً أو تجمع مفرقاً أو تحل مشكلة، والباحث الناجح هو الذي يظهر شخصيته العلمية من ثنايا بحثه، ونسأل الله أن ينفع بك بلاده والعباد.

وأحسب أنك -بإذن الله- قد وفقت في اختيار هذا الموضوع، وأرجو أن لا يكون هدفك نيل الدرجة العلمية فقط؛ لأن الدراسات التجارية -إن صحت التسمية- أضرت بالحقائق العلمية وأظهرت في رفوف المكتبات مجلدات ضخمة لكنها قليلة الفائدة.

وليت الذين يحاورون هؤلاء الحداثيين والعلمانيين يعلمون أنهم يحاورون مجموعات من الجهلاء الذين أظهرهم الأعداء وشجعوهم للكيد للإسلام وأهله، واستطاعوا أن يخدعوا أنفسهم والجماهير بأنهم أصحاب شهادات ومؤهلات، وهذا زمانٌ تكلم فيه الرويبضة، وأصبح الحديث عن الإسلام مشاعاً للجميع، ولذلك كان من واجبنا أن نبصر الناس بجهل هؤلاء الذين لا يعرفون من الكتب إلا أسماءها ولا من الروايات والآيات إلا متشابهها حتى يتمكنوا من التخليط على الجهلاء والضعفاء بعد أن يثني بعضهم على بعض ويدفع أعور عن معور.

وإذا حاور الإنسان صاحب علم وفقه فإنه ينتفع من النقاش معه سواءً وافقه أو خالفه، أما هؤلاء الجهلاء فإنه يصعب على الإنسان إقناعهم، ولا يمكن أن يستفاد من جهلهم، وأسوأ الضلال ما كان عن علم، وشر الجهالة جهالة المتعلمين كما قال بعض علماء المسلمين.

وقبل مدةٍ جاء بعض هؤلاء الذين جندوا أنفسهم لحرب الإسلام في بعض القنوات المشهورة، وقال كما ورد في سورة الرمز، وكان يقصد سورة الزمر، فقال العالم الذي كان يحاوره للمشاهدين: هل توجد في كتاب الله سورة تُسمى سورة الرمز؟ فانظروا لجهل هؤلاء حتى بأسماء السور التي يعرفها أطفال المسلمين، وهم بعد ذلك يريدون أن يكونوا من المجتهدين، وأمثال هؤلاء ينبغي أن يحجر عليهم، ويمنعوا من الكلام في الإسلام الذي يجهلون أركانه الأساسية وقواعده الكلية فضلاً عن الأمور الأخرى، ومن الغفلة أن يحاور أمثال هؤلاء في أمور فرعية وهم لا يؤمنون بالثوابت ولا يعرفون الأركان والقواعد، ويخالفون في أصل الدين، ولا عجب فإنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا لكن قلوبهم مع الأعداء (( وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ))[فاطر:10]^.

ولا يخفى على أمثالكم أن الاجتهاد من الفروض الكفائية، وهو دليلٌ على مرونة هذا الدين وصلاحيته لكل زمان ومكان، ويبعث الله للأمة على رأس كل قرن من يجدد لها أمر دينها، وقد انتخب الله لحماية هذا الدين طائفة من العلماء العدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وهم أهل الذكر وإليهم يرجع الناس في المعضلات فيردون الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله، ويستنبطوا الأحكام مستعينين بالله رب الأنام.

وقد وضح العلماء شروط المجتهد، وحددوا مراتب الاجتهاد وأصناف المجتهدين والمؤهلات العلمية للمجتهد، وتمكنه من علم الآلة وفهمه لقواعد الاستنباط، وفهمه لواقع الناس وإسقاط النصوص على الواقع، فإنه تجد للناس من الأقضية بقدر ما يجد لهم من الأحكام والقضايا المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى الاهتمام بالعلوم العصرية، والاستفادة من التحقيقات الدقيقة، ولابد كذلك من تسليط الأضواء على نظام المؤتمرات الفقهية الجامعة التي تجمع بين علماء الشريعة والعلماء المتخصصين في القضايا مكان البحث كالأطباء وعلماء الفيزياء؛ لأنه أصبح من الصعب الإحاطة بكل العلوم لاتساع المعارف وفتور الهمم.

ولا شك أن مساحة الاجتهاد تكون في القضايا التي لا توجد فيها نصوص، والاجتهاد وبذل الجهد والطاقة في فهم النص بعد الخاص والعام، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والوقوف على أسباب النزول وأسباب ورود الحديث، ورعاية القواعد التي وضعها العلماء عند توهم التعارض، فإن الفقيه يقدم الصحيح، فإن تساوت النصوص في الصحة حاول أن يجمع بنيهما، فإن عجز حاول معرفة السابق واللاحق، واجتهد في معرفة الخاص والعام..، مع محاولة الوقوف على أسباب ورود النص، وسوف يُفيدك في هذه المسألة ما وضحه الشيخ العثيمين رحمه الله في شرحه لقواعد ابن رجب.

وأرجو أن تسلط الضوء على أسباب اختلاف العلماء، وسوف يفيدك في ذلك كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ولا يخفى عليك أن نصوص السنة والكتاب خدمت خدمة عظيمة وجند الله لها الجهابذة، وهذا العمل يسهّل مهمة الفقهاء.

وأرجو أن تسلط الضوء كذلك على النصوص التي لم يكن عليها العمل، والبحث عن أسباب ترك بعض الفقهاء للعمل بتلك النصوص.

والإشارة كذلك للنص الواحد الذي يحتمل أكثر من وجه في اللغة، وفي الفهم المتبادر للذهن كقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يصلين أحدٌ منكم العصر إلا في بني قريظة) ومثل كلمة (قروء).

وإذا كان علماء الأصول يهتمون بوضع قواعد الاستنباط والقضايا الكلية فإن الفقهاء يقومون بالتفريع على تلك القواعد، واستخراج المسائل الجزئية، فلابد من حدوث بعض التباين في وجهات النظر وفي وضع القواعد وفي التفريع عليها تبعاً لاختلاف المدارس الأصولية والمراكز الفقهية، وليس الحديث في هذه الأشياء مما يفهمه العلمانيين.

ولا يدخل في الاجتهاد إدراك الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة .

ومما ينبغي أن يعرفه المجتهد بعد إتقانه لعلوم اللغة وفهمه لآيات وأحاديث الأحكام معرفة مواقع الإجماع، والقياس، والعلم بأصول الفقه التي هي عماد الاجتهاد وأساسه الذي يقوم عليها، مع ضرورة إدراك مقاصد الشريعة والالتزام بتلك الأهداف، مع الإحاطة بشئون العصر.

ولا يخفى أن ميدان الاجتهاد هو الأحكام التي وردت فيها نصوص ظنية الثبوت والدلالة، أو ظني في أحدها، والأحكام التي لم يرد فيها نص ولا إجماع، ولا يجرى الاجتهاد في القطعيات إذ لا مساغ للاجتهاد في مورد النص.

والله ولي التوفيق والسداد.



أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
كيف أختار بحثا علميا في الذكاء الاصطناعي؟ 660 الأحد 26-05-2019 10:05 صـ
ما هي المواضيع الدراسية المعاصرة التي تخدم المجتمع دينا ودنيا؟ 6091 الاثنين 21-09-2015 01:43 صـ