أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : رغم أني مسلم وأدعو إلى الإسلام لكني لم أستطع الفكاك من المعاصي، ما نصيحتكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإنها أول استشارة أطرحها على موقعكم راجيا من الله -عز وجل- أن أسمع منكم ما يزيل حيرتي، ويعينني على الثبات على ديني.
أنا شاب أبلغ (٣٠) سنة، مقيم منذ بضع سنوات بأوروبا، ومعاناتي -يا إخوان- تكمن في أني أعيش -ومنذ سنين- صراعا داخليا مع نفسي, أرهقني ودفعني إلى براثن الوساوس والاكتئاب، فأنا -والحمد لله- ذو نصيب من حسن الخلق وذو سمعة طيبة، أدين بدين الإسلام، وأراه منهاجا لعيش كريم في الدنيا، ومفازة في الآخرة، وتراني ناصحا لإخواني وأصدقائي بوجوب الثبات على الدين رغم أننا في بلاد كفر، ولم أشرب خمرا يوما، أو زنيت بامرأةِ (وهنا أقصد الوصول إلى الوطء) وحتى في المرات المعدودة التي خليت فيها بإحداهن كنت أفر؛ خشية الوقوع فيما هو أسوأ، وبالرغم من أني أعزب، وكل سبل الزنا مهيأة لي هنا، إلا أني أجاهد نفسي لعل الفرَج (الزواج) يكون قريبا.
أهتم لأمر المسلمين وأدعو لهم, وأحاول تقريب وشرح الإسلام لغير المسلمين هنا، أحاول حفظ القرآن، وأحلم بالحج، وأن أصير داعيا إلى الله...، لكن بالمقابل أنا ومنذ البلوغ ابتليت بالأفلام الإباحية، والعادة السرية، وبالرغم من علمي بحرمتها، ومحاولاتي العديدة لتركها، إلا أني لحد الساعة لم أستطع الفكاك منها. صدقوني -يا إخواني- والله إني أصبحت أحتقر نفسي على ما هي فيه من الدنية، وأصبحت شديد الوساوس مكتئبا عصبيا في أغلب الأوقات, منطويا على نفسي، أعيش في ضنك من العيش، متسائلا: كيف المفر من هذه البلية التي ابتليت بها منذ الصبا وحتى الآن؟
حاولت الزواج لعله يكون نهاية لهذا الكابوس، لكني لحد الساعة لم أوفق؛ نظرا لظروفي المالية، ولصعوبة العثور هنا على فتاة ملتزمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأنا وعلى فترات متقطعة كنت -والعياذ بالله- أتقاعس عن الصلاة، تاركا لها، ولا أدري بالتحديد كم عدد الصلوات التي تركتها، ولا هل يجب علي تأديتها؟ ولا كيفية ذلك؟
ختاما، أرجو أن يصلكم كتابي هذا، وأن أسمع منكم ما يعينني على الخروج من هذا المستنقع، والثبات على دين محمد (صلى الله عليه وسلم).
كما أرجو من كل من قرأ ما كتبت وبلغ بيت الله الحرام حاجا أو معتمرا أو للصلاة, أن يدعو لي هناك بالتوبة والمغفرة، وأن يفرج الله ما أنا فيه من كرب.
جزاكم الله خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ alaa حفظه الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من صالحي المؤمنين، كما نسأله تبارك وتعالى أن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يُجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يمُنَّ عليك بزوجةٍ صالحةٍ طيبةٍ مباركةٍ تكون عونًا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإني -ولله الحمد والمنة- أحمدُ الله إليك أن منحك هذه الصفات الطيبة الرائعة، وهذه الأعمال العظيمة التي هي من أعمال الأنبياء والمرسلين، خاصة في هذه البلاد البعيدة التي غالبًا ما يتحلل الناس فيها من القيم والمبادئ والأخلاق إلَّا مَن شاء الله أن يثبته.
ولكن اعلم –أخِي الكريم– أن من علامات قبول هذه الأعمال العظيمة أنك تنكفّ من خلالها عن المعاصي؛ لأنه لا يُعقل أن يكون الإنسان جائعًا ويأكل ثم يظل يشعر بالجوع إلَّا إذا كان مريضًا، وكذلك لا يُعقل أن يكون الإنسان ظمئانًا ويشرب ثم يظل يشعر بالظمأ إلَّا إذا كان مريضًا، فكذلك هذه الأعمال العظيمة التي تؤدِّيها المفروض أنها تُعينك على ترك هذه المعاصي، وأنها تقوّيِك على طاعة الله تبارك وتعالى، أما كونك تفعل هذه الأشياء وما زلت –خاصة فترة الصِّبا– فهذا معناه أنك في حاجة إلى إعادة نظرٍ في نفسك، وإلى تقييم عباداتك التي تقوم بها.
أنا لا أقول لك توقف عن هذه الأعمال، بل على العكس أطلب منك أن تستمر، ولكن أريدك أن تُحسِّنها، وأن تُعيد النظر فيها، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما أنزل الله عليه قوله: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} معنى ذلك أن الله بيَّن أن من آثار الصلاة الصحيحة أن تحول بين العبد وبين معصية الله، أما كونك ما زلت على المعاصي رغم هذه الأعمال العظيمة ودعوة غير المسلمين وهذه الأخلاق الرائعة، معنى ذلك أنك كالمِصْباح الذي يُضيءُ للناس ويحرق نفسه.
واعلم –أخِي الكريم علاء– أن هذه المعاصي معاص سِرِّية، لا يطلع عليها أحد سوى الله تبارك وتعالى والفاعل، ولذلك أنت ينبغي عليك أن تخشى عقاب الله وغضبه؛ لأنك تعلم أن من شِرار الخلق عند الله قوما إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، والقرار الذي أخذته بأن تفعل هذه المعاصي هو نفس القرار الذي تستطيع أن تأخذه الآن بترك هذه المعاصي حياءً من الله تبارك وتعالى، فإن الله تبارك وتعالى منحك القدرة على ذلك، لأنك أخذت قرار المعصية بنفسك، حتى وإن كان قديمًا من أيام الصبا، وأنت تستطيع على ترك المعصية؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلَّا وسعها، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فانتهوا) لم يقل في الانتهاء (ما استطعتم) ولكنه أمر بالانتهاء، معنى ذلك أننا نستطيع الانتهاء عمَّا حرَّم الله.
فأنت الوحيد القادر على أن تُنقذ علاء، فعلاء هو الشخص الوحيد القادر على أن يُنقذ علاء، وصدِّقني مهما حاولنا ومهما حاول أهل الأرض أن يَمُدُّوا لك يد المساعدة لم ولن يستطيعوا ما دمت لستَ جادًا أو عازمًا عزمًا أكيدًا قويًّا على ترك هذه المعاصي.
ولذلك أنصحك -أخي الكريم الفاضل- أول شيء أن تنظر إلى نفسك، وأن تجلس معها جلسة تأمُّلٍ وتقول لها: (إلى متى يا نفسي هذه المعاصي؟ إلى متى يا نفسي هذا الخُذلان؟ إلى متى يا نفسي هذا الضعف والبعد عن طاعة الرحمن؟) ثم قل: (يا نفسي، إني عزمتُ ألا أعصي الله تعالى اعتبارًا من هذا اليوم، وألا أقع في هذه المعاصي).
ثم ابحث عن عوامل الضعف التي تُثيرك، ما هي العوامل التي تؤدِّي إلى وقوعك في المعاصي؟ وحاول أول شيء القضاء عليها. كما تعلم: هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، وأراد أن يتوب، فلما ذهب إلى العالِم أمره أن يُغيِّر البيئة. إذًا لا بد من خُطوةٍ إيجابية – أخِي– والخطوة الإيجابية أن تنظر في الأسباب التي تؤدِّي إلى وقوعك في هذه المعاصي وتحاول القضاء عليها كلها، لن أستطيع أن أذكر الأسباب لك جميعًا، وإنما أنت أدرى واحد بهذه الأسباب، اقض عليها نهائيًا، ثم توجَّه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء والإلحاح عليه -خاصة في جوف الليل- أن يغفر لك وأن يتوب عليك، وأن يمدَّك بمددٍ من لدنه، لأن الله تبارك وتعالى يقول: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً}.
فعليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين، ونحن -بإذن الله تعالى- سوف ندعو لك أيضًا ونقف معك في الدعاء، ونسأل الله أن يثبتك، وأن يوفقك، حتى تكون داعيةً إلى الله تبارك وتعالى على بصيرة، وحتى تكون وليًّا من أولياء الله، وعليك أن تدعو فتقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) وتقول: {ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) وتدعو بدعاء ابن عباس –رضي الله تعالى عنه-: (اللهم لا تنزعني من الإسلام ولا تنزع الإسلام مني).
اعلم أنك قادر على ذلك، لا بد أن تُوصل هذه الرسالة إلى نفسك –أخِي علاء– أنت قادر على ترك هذه المعاصي كلها بإذنِ الله تعالى، وأنا واثق أنك إن تركت هذه المعاصي سييسِّر الله أمرك، ويَمُنَّ عليك بزوجةٍ صالحةٍ، ويُسعدك، وهذه هي آثار الطاعة.
هذا، وبالله التوفيق.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
كيف نتحصن من الوقوع في الذنوب والكبائر؟ أحتاج برنامجا عمليا! | 2054 | الأربعاء 12-08-2020 05:38 صـ |
معصيتي لله أخشى أن تؤثر على حياتي الدراسية! | 4096 | الاثنين 10-08-2020 04:13 صـ |
أتوب من المعصية ثم أرجع لها، فهل سيحرمني الله من النعم؟ | 3569 | الأحد 19-07-2020 02:55 صـ |
كيف أثبت على ترك المعاصي والعلاقات المحرمة؟ | 1898 | الأحد 12-07-2020 11:53 مـ |
صديقي يرغب في الزواج بفتاة مطلقة وأهله يرفضون، فما توجيهكم؟ | 1148 | الثلاثاء 07-07-2020 09:45 مـ |