أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : هل يمكن أن ينفع العلاج الكيميائي للرهاب الاجتماعي؟

مدة قراءة السؤال : 5 دقائق

السلام عليكم.

أود أن أطرح استفسارا خاصا بأخي الأصغر مني، عمره 27 عاما، ولا يعاني من أي مشاكل صحية بدنية -ولله الحمد- أنهى دراسته في الثانوية العامة، وألحقها بدبلوم لمدة سنة واحدة (حاسب آلي) ثم توقف عن الدراسة، بدأت مشكلته حسب كلامه منذ ذلك الوقت، حيث أصابه نوع من الرهاب الاجتماعي الذي بدأ تصاعديا في غفلة منا، حيث بات يكره الذهاب إلى المناسبات العائلية العامة، إلا بالقوة، وحتى إن حضر فإنه يبادر بالانصراف سريعا، أصبح بعد ذلك مدمنا لألعاب الفيديو، حيث كان يمضي الساعات الطويلة في اللعب في غرفته، وقد يستغرق أحيانا يوما كاملا لا يخرج فيه من البيت إطلاقا.

هو صاحب مزاج نزق وسريع الغضب، وفي نفس الوقت هو بارد جدا جدا إلى درجه تستفز الذي أمامه، حيث يبدو وكأن لا شيء في الدنيا يثير اهتمامه، ومن ذلك حديثنا الطويل معه حول أهمية البحث عن عمل أو مواصلة الدراسة.. الخ، كل ذلك لا يعنيه وليس مهما في نظره، حين نتواجد في مناسبة ما فإنه يشيح بوجهه بعيدا عن الحضور وكأنه ينظر في الفراغ، لا يمكن أن تقع عيناه على أي شخص، وحتى إن بادره أحد بالسؤال عن صحته أو عن نفسه فإنه يجيب إجابة مقتضبة جدا، ثم يصرف نظره بعيدا ولا يكمل الحديث، وحين يتناول فنجانا من القهوة فإن يده ترتجف بشدة، ولا أدري هل هي مشكلة في الأعصاب أم ماذا؟

انخرط في عدة وظائف، ولكنه كان يتهرب منها ولا ينضبط، ثم ما يلبث أن يتم فصله وطرده، ومع كل ذلك فإن شيئا لا يؤثر فيه، وكأن الأمر طبيعي، في آخر وظيفة عمل بها لم يستطع أن ينضبط في الحضور، مع أنها وظيفة سهلة ومريحة وحكومية، وغاب عن الحضور لمدة ثلاثة أشهر (هي تقريبا كل المدة) بدون علمنا، حيث كان يخرج من البيت ليتناول الإفطار، ثم يعود بعد عدة ساعات وكأنه قدم من العمل.

ولكن الذي حدث قبل شهر كان مفصليا في حياته، فقد انطوى على نفسه في غرفته لمدة أسبوع كامل، بدون أكل وشرب، حتى انهار تماما وخارت كل قواه، وذهب لأمي يشكو لها من نوبة قلق حادة جدا، وموجة وسواس شديدة لم يعهدها من قبل، كان يفكر في أنه محكوم عليه بالفشل، وأنه لا أمل له في الحياة الطبيعية مثل أقرانه الذين تخرجوا من الجامعات وتزوجوا، وأنه سيمضي بقية حياته جالسا في البيت، لم يستطع أن يأكل أو يشرب، وكان يعاني من غثيان مستمر وأرق شديد.

أخذناه بعدها إلى طبيب نفسي اسمه إبراهيم أبو خمسين في مستشفيات المانع في الدمام، وشخص حالته بأنها رهاب اجتماعي ووصف له فافرين، وشعر أخي بالارتياح مع الدكتور؛ لأنه أتاح له الكلام معه وبسط له حالته، ومنحه جرعة تفاؤل كان بحاجتها.

مشكلة أخي أنه شخص عنيد جدا، ولا يثق برأي أحد، وفي نفس الوقت هو عديم الثقافة والمعرفة، وكل آرائه في الحياة خاطئة! بل إنه لا يعرف أي شيء عن أي شيء في الدنيا، ولديه آراء بسيطة ساذجة يتمسك بها ويؤمن بأنها صواب، ولا يمكن لأي شخص في الدنيا أن يقنعه بأي شيء، لقد تعبت وأنا أحاول إقناعه بمواصلة الدراسة عن بعد، أو الانخراط بأي عمل، أو حتى مرافقتي إلى أي مكان أو مناسبة، يعدني بأنه سيفعل، ومع ذلك لا يفعل شيئا.

مؤخرا أخذته بالقوة إلى النادي، ودفعت له رسوم اشتراك ثلاثة أشهر، والذي حدث أنه بدأ يذهب هناك في الصباح الباكر؛ لأن النادي يكون خاليا من الرواد! يريد أن يكون لوحده؛ لأنه يخاف من الناس، لم يعد ينزل للأسواق، حتى المطاعم، يخشى الزحام والأماكن العامة.

سؤالي: هل الوقت أصبح متأخرا لتفادي التدهور؟ وهل من الممكن أن ينفع العلاج الكيميائي بدون العلاج السلوكي؟ نظرا لعناده وصعوبة التعامل معه، أعتذر جدا عن الإطالة، وشكرا لكم.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

أشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وعلى اهتمامك بأمر أخيك، والذي أسأل الله له العافية والشفاء، والذي يتضح لي أن هذا الأخ –كما ذكرت وتفضلت– قد يكون بالفعل لديه رهاب اجتماعي، وفي ذات الوقت ربما يكون لديه بعض الصعوبات في شخصيته، وهذا هو الذي جعل الصورة الإكلينيكية تكون معقدة بعض الشيء.

قطعًا التدخل العلاجي المبكر دائمًا مفيد، لكن نقول أن تدارك الأمور أصبح الآن متاحًا في الطب النفسي؛ لأن الإدراك في تشعبات كيمياء الدماغ أصبح الآن واضحًا، فعالية الأدوية أصبحت واضحة، وأهمية العلاج السلوكي أصبحت واضحة، ودور العلاج الاجتماعي وكذلك العلاج الديني لا أحد يستطيع أن ينكره.

فلذا أقول لك -أخي الكريم– الوقت ليس متأخرًا أبدًا لتفادي التدهور، وهذا الأخ سوف ينفعه العلاج الكيميائي والعلاج السلوكي، ومتى كانت درجة عناده فالعلاج السلوكي فيه خطوات سهلة وبسيطة يمكن أن يقوم بها أي إنسان، أن نُشعر هذا الأخ بأننا نهتم بأمره –هذا علاج سلوكي– وأنت جزاك الله خيرًا تقوم بذلك، أن نستشيره، حتى وإن كنا نعتقد أن رأيه قد لا يكون حكيمًا أو مفيدًا، أن نشعره بكينونته وذاتيته، وأن له دورا في الحياة يمكن أن يلعبه، هذا مهم جدًّا يا أخِي الكريم، أن نرسل له هذه الجرعات التحفيزية (ما شاء الله اليوم أنت أصبحت بخير، تبارك الله اليوم صليت الفجر في جماعة) وهكذا، هذه الرسائل عظيمة جدًّا وقعها النفسي كبير.

بالنسبة لموضوع الانخراط في الأندية والأنشطة المختلفة الرياضية أو غيرها، هذا قطعًا سوف يساعده، لكن هذا الأخ ليست لديه الدافعية، وليست لديه -لا أقول الحماسة- إنما مجرد الاستعداد أن ينخرط في ذلك، لكن أن تكون له بعض الرفقة، أن تذهب أنت معه (مثلاً) أو أحد إخوتك أو هكذا وتقول له: (يا أخيِ أريد أن تشجعني حتى نكون مع بعضنا البعض في هذا النشاط) هذا علاج سلوكي مهم جدًّا.

ونحن إشكالياتنا في بعض الأحيان لا أقول أننا نهمّش بعض أفراد أسرنا، لكننا قد نزيد من صعوباتهم، لأننا قد لا نتفهم طبيعة هذه الصعوبات، ونعتبرهم أشخاصًا غير فعالين وغير مفيدين وأصحاب مشاكل، وهذا محبط لنا ولهم ولا يفيدهم، لذا دائمًا نقول: كل إنسان يمكن أن يلعب دورًا، والذي لا يتفهم دوره أو لا يريد أن يلعبه لابد أن ندفعه ونحفزه ليقوم بذاك الدور، هذه منهجية جيدة ومفيدة، ودفعك لهذا الأخ نحو التعليم والعمل هذا جزء مهم؛ لأن هذه وسائل تأهيلية مهمة جدًّا، لكن فصِّل له أو تخيّر له ما يناسبه، حتى نوعية التعليم أو نوعية العمل، أو شيء على هذه الشاكلة. هذا جيد ومفيد.

أعرفُ من أخذوا إخوانهم وذويهم إلى بعض أماكن العمل أو الانضمام للجمعيات الخيرية، أو أي أنشطة على هذا السياق، وكانوا يدفعون لهم مرتبات بالاتفاق مع هذه الجمعيات دون علمهم، كأن الراتب يأتيه من الجمعية، لا أقول لك قم ونفذ هذه الفكرة، ولكن الذي أود أن أقوله أنك شخص متفهم لطبيعة أخيك، وإن شاء الله تعالى تساعده وتحفزه، وأعتقد أن العلاج الدوائي مهم جدًّا.

الدواء على الأقل يمنع التدهور حتى وإن لم يؤد إلى التحسن بصورة آنية، التحسن سوف يأتيك ولا شك في ذلك، والآن توجد هذه الأدوية الفعالة والممتازة جدًّا، وكما ذكرت وتفضلت أن تواصله مع الطبيب أعتقد أن ذلك سوف يفيده، خاصة كما تفضلت وذكرت أن العلاقة العلاجية بينه وبين الطبيب علاقة إيجابية، هذا مهم جدًّا، ومحيز جدًّا للمريض.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب، وعلى اهتمامك بأمر أخيك، ونسأل الله له العافية والشفاء، ولا تنسى أن تدعو له.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
لا أشعر بالسعادة وأكره لقاء الناس، أرجو تشخيص الحالة. 1839 الأربعاء 15-07-2020 03:33 صـ
كيف أتخلص من رغبة الانعزال في البيت وأصبح اجتماعيًا؟ 1740 الأربعاء 15-07-2020 01:10 صـ
نوبات الهلع جعلتني أنعزل عن الناس 1537 الثلاثاء 16-06-2020 01:06 صـ
أشعر بالدونية والخوف، وأحب العزلة والانطواء، ما العلاج؟ 4377 الاثنين 11-05-2020 03:36 صـ
لا أستطيع الاندماج مع أصدقائي بسهولة.. أريد حلا 2317 الثلاثاء 28-04-2020 06:06 صـ