أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : كيف نجمع بين كون رحمة الله واسعة ورؤية القتل والعذاب ينزل بالناس كل يوم؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

يقول ربنا: إن رحمته سبقت غضبه, ويقول أيضًا: ورحمتي وسعت كل شيء, وأنه ‏جَعَلَ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ, فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا, وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا, في الوقت الذي نرى فيه كمًّا من الأمراض والكوارث التي تحل بالإنسان يومًا بعد الآخر, من الأمراض النفسية, والعضوية, والاغتصابات, وقتل الأطفال الأبرياء, والفقر, والعذاب الدنيوي لأناس ليس لهم أي ذنب فيها, إلا أنهم وجدوا أنفسهم في هذه الدنيا رغمًا عنهم .. الخ, فأين تلك الرحمة؟ وما ذنب هؤلاء؟ وأين تلك الرحمة التي يتكلم عنها القرآن؟ فماذا لو حل الغضب فهل سينسف من على الأرض جميعًا؟ ألم يعلم اللّه أن ذلك سيحل ببني آدم, وهو يقول: إنه يعلم الشيء قبل حدوثه, وأنه مقدر قبل خلقه للسماوات والأرض؟ وعند الجواب تقولون: إنها دار ابتلاء, وما ذنبنا أننا جئنا لهذه الدنيا كرهًا لا طوعًا؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فالله عز وجل أرحم الراحمين بلا شك ولا ريب، ولكن إنما يؤمن بهذا من عرف الله تعالى حق معرفته، أما من أعمى الله تعالى بصيرته وعميت عينه عن رؤية آثار رحمة الله تعالى في خلقه, فإنه قد يعترض بمثل هذه الاعتراضات السخيفة، وهذا المتسخط على قدر الله تعالى لا يقدر أن يُنقذ نفسه من ذلك كله، فالله عز وجل قاهر فوق عباده، فهو سبحانه وتعالى الخالق لهم المدبّر لأمورهم، يُجري عليهم سبحانه وتعالى ما أراده باختيار منهم وبغير اختيار، فمَن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه.

ولكنه سبحانه وتعالى لا يفعل ما يفعل إلا لحكمة، فلا يفعل شيئًا عبثًا، ولا يُقدرُ شيئًا سُدىً، فهو الحكيم الخبير، العليم بأحوال عباده, وبما يُصلحهم، وما ينزل من البلاء على من يظن أنه لا يستحق ذلك إنما يُنزله سبحانه وتعالى لحكمة، ومن ذلك ما يدخره لهم سبحانه وتعالى من الثواب على صبرهم واحتسابهم، ومن ذلك: ما أعده سبحانه وتعالى من العقاب والنكال لمن ظلمهم واعتدى عليهم.

والله عز وجل بنى هذه الحياة على العمل والكسب والتسبب، وبنى النتائج على مقدمات، فيُثيب من عمل صالحًا، ويعاقب من أساء، وبعض الناس ربما لم تبلغ أعمالهم مراتبهم التي أرادها الله لهم فيُهيء لهم من الأسباب ما يصلون بها إلى تلك الدرجات العالية، كما أن بعض الناس يُهيء لهم الله عز وجل من الأسباب ما يصلون به إلى ما أعده لهم من العقاب والنكال، فله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة والحجة القاهرة.

ولكن لا يُدرك هذا إلا من عرف الله تعالى وآمن بصفاته، أما الجاهل به سبحانه وتعالى فإنه يُتصور منه أن يعترض، ولكنه بذلك لن يُغيّر من الأمور شيئًا، فإنه سيجري عليه قدر الله تعالى رغم أنفه، وسينتقل من حالة سيئة إلى أسوأ منها، فإن ربك بالمرصاد.

أما الأدلة الدالة على وجوده سبحانه وتعالى, وعلى صفاته من القدرة والعلم والإحاطة، والأدلة الدالة على إحياء الناس بعد موتهم وجزائهم على أعمالهم، فأدلة هذا كله أكثر من أن تُحصر، وهي عقلية، ووجودية، فالكون كله شاهد بأن له ربًّا، خالقًا، مُنشئًا، صانعًا، مدبرًا، حكيمًا، وأنه سبحانه وتعالى القادر على تصريف أمر هذا الخلق.

وأدلة البعث أيضًا كثيرة لا يتسع المقام للحديث عنها، فمن آمن بهذا كله ووصل اليقين إلى قلبه سهل عليه بعد ذلك أن يؤمن بحكمة الله تعالى ورحمته، وأن ما يُجريه سبحانه وتعالى على عباده هو الرحمة واللطف والحكمة وإن كان مؤلمًا، فإن الألم يجرُّ من ورائه نعيمًا كبيرًا، وقد قدر الله تعالى الآلام على أحب الخلق إليه وهم أنبياؤه ورسله، فمنهم من قُتل، ومنهم من شُرِّد، ومنهم من أصابته أنواع الأمراض والأسقام، وهم مع ذلك أحبابه وأولياؤه والمقربون منه.

فالجاهل قد يعترض مثل هذا الاعتراض السخيف، ولكن هؤلاء الخُلَّص من عباد الله المؤمنون – الأنبياء والرسل – علموا أن ما أصابهم إنما أصابهم لحب الله تعالى لهم، وأنه أراد أن يكون ذلك سببًا لعلو درجاتهم وكمال حالاتهم في الآخرة، فاستقبلوا ذلك بالرضا عن الله تعالى، فأصابوا خير الدنيا ونعيم الآخرة.

نسأل الله تعالى أن يهدي قلوبنا جميعًا، وأن يدلنا عليه سبحانه وتعالى، ويرزقنا الإيمان به، إنه جواد كريم.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
تعبت من الوسواس القهري الذي ينتابني وتظلم حياتي بسببه. 3410 الأربعاء 15-07-2020 04:30 صـ
كيف أصرف الوساوس عن نفسي وأحاربها؟ 1957 الأحد 28-06-2020 02:49 مـ
كيف أتخلص من وسواس الخوف والمرض بدون أدوية؟ 1934 الخميس 25-06-2020 05:38 صـ
أريد السيطرة على الوساوس والأفكار السيئة التي تهاجمني 2401 الخميس 25-06-2020 02:58 صـ
بسبب التشكيك في ديني في بلاد الغرب أتتني وساوس بالكفر، ما علاج ذلك؟ 1602 الأربعاء 24-06-2020 04:38 صـ