أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : وسواس تحدي الذات الإلهية في داخلي جعل حياتي جحيمًا فأنقذوني

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أعاني من كلام سيء يتردد داخلي, مضمونه كلام سيء عن الله عز وجل, ويطلب من الله فعل أشياء سيئة - عكس ما أريد - ويطلبها بصفة تحدٍّ, وهذه الأشياء تكون في أغلى الأشياء عندي, مثل: أن يبتلي أحدًا من أهلي بالأمراض, أو أن يحرق بيتنا, أو أن يرسب إخواني في امتحاناتهم, أو أن يطلق فلان فلانة, أو أن يدخلني ربنا النار, أو لا يرزقني حسن الخاتمة - أنا آسفة لذكر هذه الأشياء, ولكني في حالة نفسية ووضع سيء لأبعد الحدود, والدنيا سوداء بعيني, وأنا لا أستطيع تجاهل هذه الأفكار لعظمتها, ولكثرة استهجاني واستنكاري لهذه الجمل والكلمات - وأنا خائفة من ربنا أشد الخوف, ولا أدري ماذا أفعل, وسؤالي: هل سيحاسبني الله على هذا الكلام الذي يتردد في داخلي ليلاً ونهارًا, وقد جعل حياتي جحيمًا؟ وهل ربنا - لا إله إلا هو - من الممكن أن يفعل هذه الأشياء السيئة التي تطلب في داخلي؟ فأنا إذا مرض أحد من أهلي أصاب بضنك وضيق, وتأنيب ضمير - لا يعلم به إلا الله - لاعتقادي أنني أنا السبب, وأن ما حدث هو بسبب الجمل التي تتردد داخلي, وأنا بصراحة حائرة وتائهة, ومحطمة جدًّا, مع العلم أني ملتزمة دينيًا, وأحب ديني, وأتمنى أن أستطيع عبادة ربي دون هذا الكلام الذي يلازمني منذ 3 سنوات حتى الآن, فأرجو منكم أن تجيبوني - جزاكم الله كل الخير -.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند أبو عيد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

شكرًا لك على الكتابة إلينا، وعلى البوح بكل هذا, فهو يعين كثيرًا على العلاج، وربما عندك المزيد.

من الواضح شدة الوسواس القهري الذي تعانين منه، وربما يفيدنا هنا كثيرًا أن نعرض تعريف الوسواس القهري، على أنه أفكار أو صور أو سلوكيات تأتي على الإنسان رغمًا عنه، ولا يستطيع دفعها مهما حاول، وكلما دفعها اشتدت عليه، وهي في الغالب أفكار في أمور لا يريدها، ولا يريد التفكير فيها.

ويبدو أن ما وصفت في سؤالك ينطبق عليه هذا التعريف؛ وبالتالي فما تشكين منه هو شكل من أشكال الوسواس القهري, ولا ننسى أن مثل هذه الأفكار الوسواسية القهرية ليست بالغريبة, أو النادرة، بل منتشرة, إلا أن الناس لا يتحدثون عادة عنها, إما بسبب جهلهم أنها أفكار وسواسية, أو بسبب خجلهم من مثل هذه الأفكار، أو اعتقادهم أن الناس سيهزؤون بهم.

صحيح أن بعض الناس - وخاصة مما لم يصب بالوسواس - يجد صعوبة كبيرة في فهم هذا الأمر، إلا أن هذا لا يغيّر من طبيعة الأمر شيئًا، ويبقى الوسواس عملًا ليس من كسب الإنسان، وليس من صنعه.
ومن أصعب الوساوس هي وساوس العقيدة والدين والصلاة - كما ذكرت في سؤالك - وأعانك الله على هذه المعاناة، فصعوبة الوساوس أنها تأتي في أعز شيء على الإنسان, وهو عبادته وإيمانه، ومن هنا كانت صعوبات الوسواس، فالمحاسب الأمين تأتيه الوساوس على أنه غير دقيق, وربما غير أمين أيضًا في حساباته، والمؤمن قد تأتيه الوساوس في أعز شيء لديه, وهو كل ما لَه علاقة بربه وخالقه, والوضوء, والصلاة، حيث تدور في ذهنه أفكار, أو جمل, أو عبارات, أو حتى صور وخيالات, كلها قد تتعلق بالذات الإلهية، وما يمكن أن يوحي بأنه كفر صريح، كأن يشك أصلًا في وجود الخالق، أو يتصور أن هناك صفات النقص لله تعالى، أو قد يشك في مصداقية القرآن الكريم كلام الله تعالى، أو أمور أخرى تتعلق بالرسول الكريم، أو الملائكة، أو القدر, أو اليوم الآخر.

وقد لا يسلم شيء مما يعتز به الإنسان ويؤمن به، فتضيق الدنيا على هذا الشخص المبتلى بكل هذه الوساوس، ويبدأ يتساءل إن كان قد خرج عن الدين والملة؛ مما يضاعف معاناته، وحتى يدخل في دائرة معيبة، وقد يصاب بحالة من الاكتئاب من هذه المعاناة, وقد تتأثر أنشطته الحياتية من الطعام والشراب, والعلاقات الزوجية والأسرية - كما يحصل معك -.
اطمئني - يا أختي - فكل ما يدور في ذهنك من هذه الوساوس، وربما غيرها كثير لم تذكريها لنا لخجلك منها، أو ارتباكك، كلها وساوس، لست مسؤولة عنها؛ لأن من تعريف الوساوس - كما ذكرنا - أنها أفكار أو عبارات أو جمل أو صور تأتي للإنسان بغير رغبته ولا إرادته، بل أنت – لاشك - تحاولين جاهدة دفعها عنك، إلا أنها تقتحم عليك أفكارك وحياتك، وأنت لا تريديها.

والله تعالى الرحمن الرحيم ما كان ليعاقب إنسانًا على عمل ليس من كسبه، ولا هو يريده، فكيف إذا كان هذا الإنسان يبغض هذه الأفكار, ويدفعها عن نفسه بكل ما يستطيع, والسؤال الآن عن كيفية العلاج.
أكيد أنك حاولت – وتحاولين - عدم الاستماع لهذه الأفكار، ومن المعروف طبعًا أن هذا لا يعين على التخفيف من شدة هذه الوساوس، فمثلًا محاولة عدم الاستماع للأفكار الوسواسية يزيد هذه الأفكار شدة وقوة.
ويمكن لبعض الأدوية من مضادات الاكتئاب أن تخفف كثيرًا من هذه الوساوس القهرية، وهي أدوية لا تسبب إدمان التناول, طالما أن هناك استطبابًا وحاجة لاستعمالها، فأرجو أن لا تستبعديها كليًا، وخاصة إذا استمرت الوساوس بهذا الشكل القوي بالرغم من العلاج السلوكي.
وبقي ما نسميه العلاج النفسي المعرفي السلوكي, والعلاج المعرفي يشير إلى آليات علاجية تغيّر من الأفكار والقناعات التي يحملها الإنسان، والتعرف على بعض هذه الأفكار المرضية, والتي تحتاج لتعديل وتغيير, ويقوم على هذا العلاج النفسي إما الطبيب النفسي, أو الأخصائي النفسي، من خلال عدد من الجلسات تتراوح بين 8-12 جلسة، وتمتد الجلسة إلى 50 دقيقة أو الساعة, وفي كثير من الأحيان نجمع بين العلاج المعرفي السابق الذكر مع العلاج السلوكي، والذي يقوم على تغيير بعض الممارسات السلوكيات التي يقوم بها الشخص الذي يعاني من الوسواس.
والعلاج السلوكي ليس مجرد أن يحاول المصاب تغيير بعض ممارساته، وإنما لابد لنجاح هذه العلاجات من أن يقوم عليها إما طبيب نفسي صاحب خبرة في هذه العلاجات بالذات، أو أخصائي نفسي عنده التدريب اللازم لاستعمال هذه العلاجات بنجاح.
ويُنصح عادة أن يتابع العلاج النفسي أو الدوائي من قبل طبيب متخصص في الأمراض النفسية، بينما يمكن للأخصائي النفسي غير الطبيب أن يشرف على العلاج المعرفي السلوكي وغيره.

أرجو أن لا تقف الوصمة التي تترافق في مجتمعاتنا مع عيادة الطبيب النفسي عائقًا أمام مراجعة الطبيب النفسي، وكما قال الحبيب المصطفى: "ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، فإذا أصاب الدواء الداء، برئ بإذن الله" وما أحسب هذا الحديث إلا أنه ينطبق على أمراض البدن, كما ينطبق على أمراض النفس, ومستقبل حياتك ربما يتوقف على هذه الزيارة, فأرجو أن تراجعي أقرب عيادة نفسية لك، والحديث التفصيلي مع المعالج، وأدعوه تعالى لك بالشفاء العاجل.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
تعبت من الوسواس القهري الذي ينتابني وتظلم حياتي بسببه. 3410 الأربعاء 15-07-2020 04:30 صـ
كيف أصرف الوساوس عن نفسي وأحاربها؟ 1958 الأحد 28-06-2020 02:49 مـ
كيف أتخلص من وسواس الخوف والمرض بدون أدوية؟ 1934 الخميس 25-06-2020 05:38 صـ
أريد السيطرة على الوساوس والأفكار السيئة التي تهاجمني 2401 الخميس 25-06-2020 02:58 صـ
بسبب التشكيك في ديني في بلاد الغرب أتتني وساوس بالكفر، ما علاج ذلك؟ 1602 الأربعاء 24-06-2020 04:38 صـ