أرشيف المقالات

سياسة التعليم ووحدة الأمة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 للأستاذ عبد الحميد فهمي مطر - 3 - تم والحمد لله ميثاق الجامعة العربية العتيد بعد أن وافقت عليه المجالس النيابية في البلاد الدستورية والحكومات في البلاد الأخرى، فعمّ الابتهاج وشمل السرور بذلك نفوس أبناء العرب جميعاً ولقد اقترح بعض المتحمسين جعل يوم توقيع هذا الميثاق وإعلانه عيداً قومياً عربياً تحتفل به هذه الدول في كل عام تقديراً لهذه الوحدة وتذكيراً.
وحق لهم أن يقترحوا ذلك وأن يدعوا إليه وإنا لنشاركهم في هذه الدعوة.
فهو عيد وأي عيد.
قال عنه عزيز مصر ومليكها المفدى إنه أسعد يوم في حياته.
وكيف لا نسعد به جميعاً وهو اليوم الذي وضع فيه الحجر الأساسي في إعادة بناء مجد الأمة العربية التليد، فجعل وحدتها في تعونها وتناصرها أمراً واقعاً وسياسة عملية محققة تضم شتاتها وتجمع وحدتها وتؤلف بين قلوبها وتقوى أواصر المودة والإخاء بين أبنائها.
وقد أصبح من آمالها القريبة المنال إن شاء الله توحيد تشريعاتها وقوانينها بحيث تستقي جميعاً من منبع واحد وتنهل من معين واحد وترجع كلها إلى أصل واحد وتدور حول محور واحد هو ملتقى آمالها وجامع عناصر قوتها ووحدتها فتصبح بذلك أمة موحدة اسماً ومعنى، تسير بمختلف فروعها إلى غايات نبيلة واحدة وأهداف سامية واحدة مشتركة.
وإن أهم ما يحقق تلك الوحدة ويجمع فلولها ويقوي أواصرها لهو توحيد الثقافة فيها ووضع البناء الذي بدأ يتكون من لبنات صغيرة مفككة على أساس من الرابطة القوية المتماسكة حتى لا يشذ طفل في رجولته المستقبلة، ولا تضل جماعة بعد ذلك اتجاهها نحو الغايات السامية والأهداف العظيمة الموحدة. من أجل ذلك تشخص أبصارنا وأبصار رجال التربية والتعليم والثقافة في مختلف دول الجامعة إلى وزارة المعارف المصرية التي بدأت تنظم نفسها على أسس جديدة فتية، آملين أن تتجه في سياستها الحديثة إلى جمع أشتات بني العروبة في تثقيفهم وتعليمهم وتربيتهم، وأن تعمل جهدها على تقريب المسافات وتقليل الفروق بين مختلف الثقافات وتوحيد الاتجاهات في الأخذ بأساليب التربية الحديثة في مختلف معاهد العلم والتعليم في دول هذه الجامعة الفتية.
وإن خير ما تعمله في هذا السبيل أن تبدأ بالدعوة إلى مؤتمر جامع من رجال التربية والتعليم في مختلف دول العروبة يعقد في مصر لتبحث فيه الأسس التي تراعى في وضع سياسة تعليمية عامة موحدة على أساس من التفاهم والتناصر والتعاون والاتصال المستمر الدائم وتبادل المنافع والآراء العلمية بين معاهد هذه الدول الناطقة بالضاد فعسى أن يكون ذلك الخير قريباً. لقد أحسنت هذه الوزارة في تنظيم نفسها وفروعها على أساس ثابت من اللامركزية بعد أن طال تأرجح هذه الفكرة فيها تأرجحاً كاد يودي بها.
وإن خير ما في هذه الفكرة لهو إعطاء سلطة واسعة لنظار المدارس حتى تكون المدرسة كخلية مستقلة تنظم نفسها حسب ظروفها وبيئتها المحيطة بها وتوجه أبناءها إلى دراسة وافية لتنتفع بهم وينتفعوا بها وإلى تعرف مركز بيئتهم وأحوالها وكل ما يتصل بها وتعرف علاقاتهم بإخوانهم في الوطنية المصرية وأبناء عمومتهم في مختلف دول الجامعة العربية، وإلى ما تستلزمه تلك العلاقات الحديثة والقديمة من ضرورة التفاهم والتآزر والتعاون والتناصر في سبيل العمل للخير الخاص والخير العام (تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان) فإذا كانت المدرسة المصرية إلى اليوم، لا تزال مع الأسف نواة لأخراج شعب مشتت الاتجاه متباين التفكير غير موحد الثقافة بسبب تفرع التعليم في مدارسنا منذ البداية، وبسبب تشتته في المرحلتين الأوليين منه اللتين هما عماد الثقافة العامة وأساسها، وبسبب تنوع طوائف المعلمين في المعهد الواحد وتنكر بعضهم لبعض وتنافر بعضهم مع بعض وعدم تعاون بعضهم مع بعض كما أسلفنا، فقد أصبح لزاماً قد تزعمت مصر دول العروبة أن نعمل جهدنا لوضع أساس المدرسة الموحدة في المرحلة الأولى من التعليم خاصة وفي المرحلة الثانية منه عامة، وأن نبذل كل ما في وسعنا لإيجاد المعلم الموحد الثقافة المستقل التفكير الحي الضمير، ليكون دعامة قوية للأمم العربية جمعاء وعوناً لها على توحيد ثقافتها وتكاتف أبنائها والسير بهم قدماً في صفوف متوازية إلى أهداف الجامعة وأغراض الوحدة. نعم أصبح لزاماً أن نكون المعلم تكويناً جديداً يتفق مع هذا الوضع الجديد ومقتضيات أحواله، وأن نبصره بانبثاق هذا الفجر الجديد الذي غمرنا بضيائه، وأن نوجهه التوجيه الملائم ليكون خير قدوة لأبنائه وخير حافز لهم على متابعة النهوض بالبناء الجديد.
وإن خير ما نفعل في هذا السبيل أن نوحد معاهد تخريج معلمي التعليم العام توحيداً يضمن لأبناء الجيل المقبل في دول الجامعة تفاهماً وتناصراً وتعاوناً.
وأن نبني ضمير المعلم الجديد لا على أساس المادية الجشعة التي تنتابنا في كل مكان فتحط نفوسنا وتقوى سلطان الهوى فينا وتفرق جموعنا وتفكك وحدتنا وتفصم عرى محبتنا، بل على أساس من السمو الإنساني والتكوين الروحي الذي يقوى ضمير المعلم ويرفع من نفسيته ويحببه في جهاده ويسعده في شقوته، فيقبل على التضحيات المطلوبة منه عن طيب خاطر ونفس طيبة تدفعه إلى العمل في بناء لبناته بهمة لا تعرف الكلل وقوة لا يتطرق إليها ضعف ولا ملل.
ثم ينفث تلك الروح القوية العالية في أبنائه فتشب أجسامهم تملؤها أرواح طيبة وضمائر قوية تتضافر على العمل للخير العام في بناء صروح السلام العام. إن العالم العربي يحق له أن يصبو إلى كل ذلك، ويحق أن يصبو إلى الاشتراك الفعلي مع الموكب العالمي في بناء صرح السلام العام.
وقد كان أسلافه أول المنادين (اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام) فتجاوبت أصداء ذلك النداء الحار في مشارق الأرض ومغاربها، فكان العرب خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
لقد تخبط قادة الأمم في هذه الأيام المريرة في تنكب طرق السلام لما أصاب نفوسهم من الجشع المادي والشغف بالسيادة وحب الاستعمار.
وإن الصوت الخافت الذي يرفعه العرب اليوم ضد ذلك لابد له من أن يستمر ولابد له من أن يقوى، ولابد له من أن يعلو حتى يسمع الآذان الصم! ولن ينهض بهذا العبء الثقيل الدائم ولن يضع أساسه حقاً إلا المعلمون الصادقون المخلصون المتعاونون المتضامنون المتآزرون، فاعملوا على تكوينهم، واعملوا على الإكثار منهم، فهم أصحاب الأثر القوى الفعال الذين لا يضل سعيهم والذين قيل فيهم قول لا يفهمه الفكر المادي الحديث إنهم ورثة الأنبياء. عبد الحميد فهمي مطر

شارك الخبر

المرئيات-١