أرشيف المقالات

أضرار عدم إنزال الناس منازلهم

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أضرار عدم إنزال الناس منازلهم

إن ما يدور اليوم من كوارث ودمار في العالمين العربي والإسلامي ومنذ حقب زمنية بعيدة وغابرة، إنما يعود إلى ضعف التقييم والتصنيف، وعدم استخدام الميزان القويم في توزيع المهام والمسؤوليات، وعدم إعطاء المناصب المهمة لمن يستحقها، فالتنافس ليس في محله، وليس لأجل الرفعة بالبلاد والأوطان، وإنما التنافس لأجل الهوى والتسلط والركض وراء الملذات الدنيوية، فكان من نتائج ذلك أننا أصبحنا من أضعف الأمم وأوهنها، فتسلط علينا الأعداء ونالوا منا ما نالوا، فأصبحنا لقمة سائغة تلوكها الأفواه النتنة، فانظر إلى الدول الإسلامية والعربية المغتصبة من قبل اليهود والصليبيون والفرس، كيف هو حالها ووضعها من الخراب والدمار.
 
لهذا كان على المسلمين لزاماً أن يعطوا الموضوع أهمية بالغة وقصوى، وأن ينتبهوا إلى تحقيق التنافس الحق، وتمييز الغث من السمين والطيب من الخبيث ولا يكونوا كهيشات الأسواق، لإنتشال الغرقى من مستنقع الخراب والاضمحلال والدمار.
 
ولما كانت الأمة في رقيها وعزها دان لها الشرق والغرب بكل مقدارته، فتبعية الغرب الكافر للأمة الإسلامية ظلت فترة طويلة، فقد ذكر الشيخ النعمة أن كتاب (المنصوري) للرازي تُرجم إلى اللغة اللاتينية، وظلت الجامعات الأوربية تُدرس هذا الكتاب حتى القرن السابع عشر الميلادي، وكذلك كتاب الحاوي، حيث كان تأثيره في الأوساط الأوربية كبيراً جداً وظلت أوربا تنتفع به حتى مطلع العصر الحاضر، وكتاب (الجدري والحصبة) للرازي هو الآخر طبع بترجمته اللاتينية أربعين طبعة حتى عام 1866م[1].
 
وقال الوزير الفرنسي (المسيو ميلي) في المدنية العربية: (إنَّ معالم بغداد وقرطبة العلمية كانت منابع للأنوار الساطعة عندما كانت معالمنا منحية على الجهل المطبق، فكل العلوم وكل الصنائع، وكل الفنون كانت تأتي من الشرق، وإن زهرة التمدن النفسية المحفوظة في أوانيها الجميلة الأنيقة كقصر (إشبيلية) وحمراء (غرناطة) لم تزل تخجلنا حتى بعد اضمحلال العربية)[2].
 
وقال المستشرق الفرنسي الدكتور (غستاف لوبون): (كان تأثير العرب في الغرب عظيماً، وإليهم يرجع الفضل في حضارة أوربا..
وتأثيرهم بتعاليمهم العلمية والأدبية والأخلاقية عظيماً، ولا يتأتى للمرء معرفة التأثير العظيم الذي أثره العرب في الغرب إلاَّ إذا تصورنا حالة أوربا في الزمن الذي دخلت فيه الحضارة، وإذا رجعنا إلى القرنين التاسع والعاشر الميلادي يوم كانت المدنية الإسلامية زاهرة باهرة، نرى أن المراكز العلمية الوحيدة في عامة بلاد الغرب كانت عبارة عن مجموعة أبراج يسكنها سادة نصف متوحشين يفاخرون بأنهم أميون لا يقرأون ولا يكتبون، وكانت الطبقة العالية المستنيرة في النصرانية عبارة عن رهبان فقراء جهلة يقضون الوقت بالتكسب في ديرهم بنسخ كتب القدماء وليبتاعوا ورق البردي اللازم لنسخ كتب العبادة، ولما شعرت بعض العقول المستنيرة قليلاً بالحاجة إلى نفض كفن الجهل الثقيل الذي كان الناس ينوءون تحته طرقوا أبواب العرب يستهدونهم ما يحتاجون إليه، لأنهم كانوا وحدهم سادة العلم في ذلك العهد)
[3].
 
وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: (إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم)[4].
 
هذا هو تاريخنا وهذه هي حضارتنا، وحتى نعود إلى سالف مجدنا..
أقول أنزلوا الناس منازلهم، والله المستعان فهو حسبنا وإليه المرجع والحساب..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[1] روائع إسلامية - المقدمة: 2 /5.

[2] المصدر نفسه: 2 /21.

[3] المصدر نفسه: 2 /31.

[4] المصدر نفسه: 2 /29.

شارك الخبر

المرئيات-١