أرشيف المقالات

الاستهزاء بالملتزمين والملتزمات

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2الاستهزاء بالملتزمين والملتزمات

وهذا الأمر ليس وليدَ اليوم؛ بل هو من قديم الأزل، وقد مرَّ بنا الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أمِّ هانئ رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ﴾ [العنكبوت: 29]، قال: ((كانوا يحذفون[1] أهلَ الأرض، ويسخرون منهم)).
 
• وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يَسْلَم الصحابةُ من لَمْز المنافقين والتحقير من شأنهم؛ فقد أخرج البخاري من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه أنه قال: "أُمِرْنَا بالصدقة، قال: كنا نُحَامِل، قال: فتَصَدَّق أبو عقيل بنصف صاعٍ، قال: وجاء إنسان بشيءٍ أكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغنِيٌّ عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلاَّ رياء، فنزلت: ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 79]".
 
• وفي هذا الزَّمان لم يسلَم كلُّ مَن التزمَ بشرع الرحمن، سواء من الرجال أو النساء، فكلُّ مَن أطلق لحيته وامتثل لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، أو مَن لَبِسَت حجابَها طاعةً لربها، فإنه يُستهزَأ بهم، وتُكال لهم التهمُ، وتصكُّ آذانهم بأقذر أنواع السبِّ والشتم، فعلى هؤلاء أن يصبروا على هذا الإيذاء، فهذا أمرٌ لم يسلَم منه الأنبياء والمرسَلون؛ بل تعدَّوا حتى تطاولوا على رب العالمين.
 
• فهؤلاء الذين يسخرون ويستهزِئون من أهل الحقِّ والدين، نُذَكِّرُهُم بقول ربِّ العالمين؛ حيث قال في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ* وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المطففين: 29 - 36].
 
• وسُئِل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله ورسولِه؟
فأجاب رحمه الله: "الاستهزاءُ بالملتزمين بأوامر الله ورسوله؛ لكونهم التزموا بذلك، مُحرَّمٌ، وخطير جدًّا على المرء؛ لأنه يخشى أن تكون كراهته لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامةِ على دين الله، وحينئذٍ يكون استهزاؤه بهم استهزاءً بطريقهم الذي هم عليه، فيُشبهون من قال الله عنهم: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ...
[التوبة: 65، 66].
 
فإنها نزلَت في قومٍ من المنافقين، قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسُنًا، ولا أجبَن عند اللِّقاء، فأنزل الله فيهم هذه الآية"؛ (المناهي اللفظية: ص101).



[1] يحذفون: أصل الحذف هو الرمي بحصاة تكون بين الأصابع، والقصد أنهم يحتقرون أهلَ الحق ويسخرون منهم.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢