أرشيف المقالات

الأحكام التكليفية والوضعية

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2الأحكام التكليفية والوضعية   (الأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ قِسْمَانِ):أي: الأحكام التي تتعلَّق بالنصوص الشرعية قسمان.

وذلك بخلاف الأحكام العقلية: التي يُرجَعُ في إثباتها إلى العقل كالكُلِّ أكبر من الجزء، والأحكام العادية: التي يُرجَعُ في إثباتها إلى العادة، كالنارِ محرِقة[1].
والأحكام لُغَةً: جمع حكم، وهو المنع، ومنه الحُكمُ، وهو المنع من الظلم[2].
واصطلاحًا: هي إثبات أمرٍ لأمرٍ، أو نفيُه عنهُ. مثال [1]: زيدٌ قائمٌ. مثال [2]: عمرو ليس بقائم.
التوضيح: في المثال أثبتَ القيام لزيدٍ، وفي المثال الثاني نفاه عن عمرٍو[3]. والأحكام الشرعية اصطلاحًا: هي خطاب الله المتعلِّق بفعل المكلَّف[4]؛ من حيث إنه مكلف به[5].
فقولنا: (خطاب الله):خَرَج به خطابُ غيرِ الشارع؛ إذ لا حكم إلا لله وحده، فكل تشريع من غيره باطلٌ، قال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [يوسف: 40].
وخطاب الشارع إما أن يكون صريحًا ومباشرًا بالقرآن الكريم، وإما أن يكون غير مباشر بأن يدل عليه دليلٌ آخر؛ كالسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقياسِ، وغيرها[6].
وقولنا: (المتعلق بفعل المكلف):خَرَج به خمسة أشياء: الأول: ما تعلق بذات الله سبحانه وتعالى. مثال: قول الله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [آل عمران: 18].
الثاني: ما تعلق بصفة الله سبحانه وتعالى. مثال: قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255].
الثالث: ما تعلَّق بفعل الله سبحانه وتعالى. مثال: قول الله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر: 62].
الرابع: ما تعلَّق بذات المكلَّفين. مثال [1]: قول الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ﴾ [الأعراف: 11]. مثال [2]: قول الله تعالى: ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [الأعراف: 189].
الخامس: ما تعلَّق بالجماد.
مثال: قول الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ ﴾ [الكهف: 47].
وفِعل المكلف هنا يشمل القولَ والاعتقاد والعمل[7]. وقولنا: (من حيث إنه مكلف به): خرج به خطاب الله تعالى المتعلِّق بفعل المكلَّف لا من حيث إنه مكلَّف به.
مثال: قول الله تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 12]، فإنه خطاب من الله متعلِّق بفعل المكلف؛ من حيث إن الملائكةَ الحفظةَ يعلمونه، لا من حيثُ إنه مكلَّف به[8].
والخطاب المتعلق بفعل المكلف - من حيث إنه مكلفٌ به - لا يخلو عن ثلاثة أمور: الأول: أن يرد فيه اقتضاء وطلب، وهذا يشمل الأقسام الأربعة: الواجب والمندوب والمحرم والمكروه.
الثاني: أن يرد فيه تخيير، وهذا هو القسم الخامس لأحكام التكليف: المباح.
الثالث: ألا يرد فيه اقتضاءٌ ولا تخييرٌ، فهذا هو خطاب الوضعِ، وذلك بأن يَرِد الخطابُ بنَصب سببٍ، أو مانعٍ، أو شرطٍ، أو كونِ الفعلِ رُخصة، أو عزيمة، وغير ذلك.
ويُسمَّى ما ورَد بالاقتضاء أو التخيير خطابَ التكليف. فتبيَّن بذلك أن الحكمَ الشرعيَّ قسمان: حكمٌ تكليفيٌّ، وحكمٌ وضعيٌّ[9].
(1- تَكْلِيفِيَّةٌ): الأحكام التكليفية هي خطاب الله المتعلِّق بأفعال المكلَّفين بالاقتضاء، أو التخيير[10].
فقولنا: (بالاقتضاء): يشمل الواجب والمندوب والمحرم والمكروه. وقولنا: (أو التخيير): يشمل المباح.
(2- وَوَضْعِيَّةٌ): الأحكام الوضعية هي خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالوضع[11].

ومعنى الوضع: أنَّ الشرع وضع - أي شَرَعَ - أموًرا، سُمِّيت أسبابًا وشروطًا وموانعَ، يعرف عند وجودها أحكام الشرع من إثبات أو نفي، فالأحكام توجد بوجود الأسباب والشروط، وتنتفي بوجود المانع وانتفاء الأسباب والشروط[12].
وأدخل بعض العلماء فيها: الصحة، والفساد[13].
وسميت وضعية؛ لأنها شيء وضَعه الله في شرائعه؛ أي: جعله دليلًا وسببًا وشرطًا، لا أنه أَمَرَ به عباده[14].
فائدة: الفرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية[15]:   الأحكام التكليفية الأحكام الوضعية مقصودها يُقصَد بها طلبُ فعْلٍ، أو الكفِّ عنه، أو التخيير بين فعل الشيء والكف عنه. لا يُقصد بها التكليفُ أو التخيير، وإنما المقصود بها بيان كون الشيء داعيًا وباعثًا لحكم؛ من حيث كونُه شرطًا أو سببًا، أو نحو ذلك. الحكم يُشترط في الأحكام التكليفية: 1.
علم المكلف وقدرته على الفعل. 2.
كون العمل من فعل المكلف؛ مثل: الصلاة، والصيام، والحج، ونحوه. لا يُشترط في الأحكام الوضعية شيء مما يُشترط في الأحكام التكليفية. أما عدم اشتراط العلم، فكالنائم يُتلِف شيئًا حال نومه، والرامي إلى صيد في ظلمة أو وراء حائل يقتل إنسانًا، فإنهما يضمنان ما أتلفا، وإن لم يَعلما، وكالمرأة تَحرُم بطلاق زوجها، وإن كانت غائبة لا تَعلم. وأما عدم اشتراط القدرة والفعل، فكالدابة تتلف شيئًا، والصبي أو البالغ يقتل خطأً، فيضمن صاحب الدابة والعاقلة، وإن لم يكن الإتلاف والقتل مقدورًا، ولا فعلًا لهم.


[1] انظر: مذكرة في أصول الفقه، للشنقيطي، صـ (10). [2] انظر: مقاييس اللغة، مادة «حكم». [3] انظر: مذكرة في أصول الفقه، صـ (10). [4] انظر:شرح الكوكب المنير (1/ 334). [5] انظر: شرح التلويح على التوضيح، للتفتازاني (1/ 22)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (10). [6] انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 335)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (10). [7] انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 335-336). [8] انظر: مذكرة في أصول الفقه، صـ (10-11). [9] انظر: معالم أصول الفقه، للجيزاني، صـ (287-288). [10] انظر: شرح مختصر الروضة، للطوفي (1/ 254). [11] انظر: السابق (1/ 254). [12] انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 435). [13] انظر: روضة الناظر (1/ 251)، ومذكرة في أصول الفقه، صـ (11). [14] انظر: شرح الكوكب المنير (1/ 434). [15] انظر: شرح مختصر الروضة (1/ 416-417)، وشرح الكوكب المنير (1/ 435-436).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢