أرشيف المقالات

تفسير: (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض)

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2تفسير قوله تعالى: ﴿ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ (سورة البقرة: الآية 33)
إعراب مفردات الآية [1]: (قال) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (ياء) أداة نداء (آدم) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (أنبئ) فعل أمر و(هم) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (بأسماء) جارّ ومجرور متعلّق ب (أنبئ) و(هم) مضاف اليه.
الفاء استئنافيّة (لمّا) ظرف بمعنى حين يتضمّن معنى الشرط متعلّق بالجواب قال: (أنبأ) فعل ماض و(هم) مفعول به والفاعل هو، (بأسمائهم) مثل الأول متعلّق ب (أنبأ).
(قال) مثل الأول الهمزة للاستفهام التوبيخي (لم) حرف نفي وقلب وجزم (أقل) مضارع مجزوم، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا اللام حرف جرّ و(كم) ضمير متّصل في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (أقل).
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل والياء اسم إنّ (أعلم) مضارع مرفوع والفاعل أنا (غيب) مفعول به منصوب (السموات) مضاف اليه مجرور الواو عاطفة (الأرض) معطوف على السموات مجرور مثله الواو عاطفة (أعلم) مثل الأول (ما) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به، (تبدون) فعل مضارع مرفوع والواو فاعل.
الواو عاطفة (ما) موصول معطوف على ما الأول (كنتم) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون (تم) ضمير متّصل في محل رفع اسم كان (تكتمون) مثل تبدون.اهـ.   روائع البيان والتفسير: ﴿ قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ﴾ قال ابن العثيمين في تفسيرها ما نصه: القائل هو الله عزّ وجلّ؛ و﴿ آدَمُ ﴾ هو أبو البشر؛ والظاهر أن هذا اسم له، وليس وصفاً؛ وهو مشتق لغة من الأُدْمة؛ وهي لون بين البياض الخالص والسواد.اهـ
وذكر القرطبي في تفسيره للآية خمس مسائل -نذكر منها هنا مسألتين لهما علاقة بهذه الجزئية من الآية قال-رحمه الله- ما مختصره: الأولى: قوله تعالى: ﴿ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ﴾ أمره الله أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة ليعلموا أنه أعلم بما سألهم عنه تنبيها على فضله وعلو شأنه، فكان أفضل منهم بأن قدمه عليهم وأسجدهم له وجعلهم تلامذته وأمرهم بأن يتعلموا منه.
فحصلت له رتبة الجلال والعظمة بأن جعله مسجودا له، مختصا بالعلم.   الثانية: اختلف العلماء من هذا الباب، أيما أفضل الملائكة أو بنو آدم على قولين: فذهب قوم إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة.
وذهب آخرون إلى أن الملا الأعلى أفضل.
احتج من فضل الملائكة بأنهم ﴿ عِبادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 27- 26] ﴿ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].   .
وفي البخاري: (يقول الله عز وجل:" من ذكرني في مَلَأٍ ذكرته في مَلَأٍ خير منهم)[2].
وهذا نص.   (و)احتج من فضل بني آدم بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 7] بالهمز، من برأ الله الخلق.
وقوله عليه السلام: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضي لطالب العلم) الحديث [3]، وبما جاء في أحاديث من أن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة، ولا يباهي إلا بالأفضل، والله أعلم[4].
وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم، لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الأمة، وليس ها هنا شيء من ذلك.اهـ[5]   ﴿ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: قال ابن العثيمين - رحمه الله -: قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾ أي أنبأ الملائكة؛ ﴿ قَالَ ﴾ أي قال الله؛ ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ﴾: الاستفهام هنا للتقرير؛ والمعنى: قلت لكم، كقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1]: والمعنى: قد شرحنا لك صدرك؛ ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي ما غاب فيهما.
وهو نوعان: نسبي؛ وعام؛ فأما النسبي فهو ما غاب عن بعض الخلق دون بعض؛ وأما العام فهو ما غاب عن الخلق عموماً...اهـ[6]   ﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ فسرها ابن كثير بقوله: فروى الضحاك[7]، عن ابن عباس: ﴿ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ قال: يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني: ما كَتَم إبليس في نفسه من الكِبْر والاغترار.اهـ [8]   وعن فوائد هذه الآية وما قبلها قال السعدي: وفي هذه الآيات من العبر والآيات؛ إثبات الكلام لله تعالى؛ وأنه لم يزل متكلما؛ يقول ما شاء؛ ويتكلم بما شاء؛ وأنه عليم حكيم، وفيه أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات فالواجب عليه؛ التسليم؛ واتهام عقله؛ والإقرار لله بالحكمة، وفيه اعتناء الله بشأن الملائكة؛ وإحسانه بهم؛ بتعليمهم ما جهلوا؛ وتنبيههم على ما لم يعلموه.
اهـ[9]


[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبد الرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق( 1 /99 ). [2] أخرجه البخاري برقم/6856 / باب قول الله تعالى ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ ومسلم برقم / 4832 بَاب الْحَثِّ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - وتمام متنه" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" [3] انظر صحيح الترغيب والترهيب للألباني (1 / 63 / 68 ). [4] من هذه الأحاديث التي قصدها المصنف مارواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه ومتنه "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول لهم انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثا غبرا "وانظر حديث رقم: 1867 في صحيح الجامع للألباني. [5] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 81 ). [6] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 81 ). [7] الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد، وقيل أبو القاسم، صاحب التفسير كان من أوعية العلم، وليس بالمجود لحديثه، وهو صدوق في نفسه.. حدث عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وابن عمر، وأنس بن مالك، وعن الأسود، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاوس، وطائفة.
وبعضهم يقول: لم يلقَ ابن عباس.
فالله أعلم. وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما.
وحديثه في السنن، لا في الصحيحين. وقد ضعفه يحيى بن سعيد.
وقيل: كان يدلس، قال سفيان الثوري: كان الضحاك يعلم ولا يأخذ أجرا. وروى شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلقَ الضحاك ابن عباس؛ إنما لقي سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه التفسير.
نقل غير واحد وفاة الضحاك في سنة اثنتين ومائة. وقال أبو نعيم الملائي: توفي سنة خمس ومائة.
وقال الحسين بن الوليد، والنيسابوري: توفي سنة ست ومائة.-نقلا عن سير اعلام النبلاء للذهبي بتصرف (4/599). [8] تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 226 ). [9] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي- الناشر: مؤسسة الرسالة (1 /48 ).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣