أرشيف المقالات

تفسير: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا)

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
2تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (سورة البقرة: الآية 62)
إعراب مفردات الآية [1]: (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (آمنوا) فعل ماضي مبني على الضمّ..
والواو فاعل الواو عاطفة (الذين) اسم موصول معطوف على الاسم الأول في محلّ نصب (هادوا) مثل آمنوا (والنصارى والصابئين) اسمان معطوفان بحرفي العطف على الاسم الموصول الأول، منصوبان وعلامة النصب في الأول الفتحة المقدرة على الألف وعلامة نصب الثاني الياء.
(من) اسم موصول في محلّ نصب بدل من الأسماء السابقة، (آمن) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (باللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (آمن)، (اليوم) معطوف بالواو على لفظ الجلالة مجرور مثله (الآخر) نعت ل (اليوم) مجرور مثله، الواو عاطفة (عمل) مثل آمن (صالحا) مفعول به منصوب الفاء زائدة اللام حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ باللام متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أجر) مبتدأ مؤخر مرفوع و(هم) متّصل مضاف اليه، (عند) ظرف متعلّق بمحذوف حال من أجر (ربّ) مضاف إليه مجرور و(هم) متّصل مضاف إليه الواو عاطفة (لا) نافية مهملة (خوف) مبتدأ مرفوع (على) حرف جرّ و(هم) متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ الواو عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (يحزنون) مضارع مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون والواو ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل.
اهـ   روائع البيان والتفسير: • ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾ قال أبو جعفر الطبري: أما "الذين آمنوا"، فهم المصدقون رسول الله فيما أتاهم به من الحق من عند الله، وإيمانهم بذلك، تصديقهم به.   وأما "الذين هادوا"، فهم اليهود.
ومعنى: "هادوا"، تابوا.
يقال منه: "هاد القوم يهودون هودا وهادة.
وقيل: إنما سميت اليهود "يهود"، من أجل قولهم: ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [سورة الأعراف: 156].
اهـ[2].   • وقال البغوي في معالم التنزيل: فإن قيل: كيف يستقيم قوله ﴿ من آمن بالله ﴾ وقد ذكر في ابتداء الآية ﴿ إن الذين آمنوا ﴾؟ قيل: اختلفوا في حكم الآية فقال بعضهم: أراد بقوله ﴿ إن الذين آمنوا ﴾ على التحقيق ثم اختلفوا في هؤلاء المؤمنين فقال قوم: هم الذين آمنوا قبل المبعث وهم طلاب الدين مثل حبيب النجار، وقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، والبراء السني، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وبحيرا الراهب، ووفد النجاشي، فمنهم من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم(وبايعه)، ومنهم من لم يدركه.
وقيل: هم المؤمنون من الأمم الماضية، وقيل: هم المؤمنون من هذه الأمة.
اهـ[3].   • و ذكر ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره عن سبب نزول هذه الآية ما نصه: قال السدي: الآية: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذْ ذكر أصحابه، فأخبره خبرهم، فقال: كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك، ويشهدون أنك ستبعث نبيًا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان، هم من أهل النار".
فاشتد ذلك على سلمان، فأنزل الله هذه الآية، فكان إيمان اليهود: أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى، عليه السلام؛ حتى جاء عيسى.
فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى، فلم يدعها ولم يتبع عيسى، كان هالكًا.
وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنًا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعْ محمدًا صلى الله عليه وسلم منهم ويَدَعْ ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل -كان هالكا.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا.   قلت: وهذا لا ينافي ما روى عَليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ﴾ الآية فأنزل الله بعد ذلك: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]. فإن هذا الذي قاله [ابن عباس] إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقًا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه الله بما بعثه به، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة، فاليهود أتباع موسى، عليه السلام، الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم.
اهـ[4].   • ﴿ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ قال ابن العثيمين - رحمه الله - في تفسيره: قوله تعالى: ﴿ والصابئين ﴾: اختلف فيهم على عدة أقوال؛ فمن العلماء من يقول: إن الصابئين فرقة من النصارى؛ ومنهم من يقول: إنهم فرقة من اليهود؛ ومنهم من يقول إنهم فرقة من المجوس؛ ومنهم من يقول: إنهم أمة مستقلة تدين بدين خاص بها؛ ومنهم من يقول: إنهم من لا دين لهم: من كانوا على الفطرة؛ ولا يتدينون بدين.
وهذا هو الأقرب؛ فإذا أرسل إليهم الرسل فآمنوا بالله واليوم الآخر ثبت لهم انتفاء الخوف، والحزن، كغيرهم من الطوائف الذين ذُكروا معهم..   قوله تعالى: ﴿ من آمن منهم بالله واليوم الآخر ﴾ هذا بدل ممن قبله عائد إلى الذين هادوا، والنصارى، والصابئين.. قوله تعالى: ﴿ فلهم أجرهم ﴾ أي ثوابهم؛ وسمى الله تعالى "الثواب" أجراً؛ لأنه سبحانه وتعالى التزم على نفسه أن يجزي به كالتزام المستأجر بدفع الأجرة للأجير؛ ﴿ عند ربهم ﴾: أضاف ربوبيته إليهم على سبيل الخصوص تشريفاً، وتكريماً، وإظهاراً للعناية بهم؛ فهذه كفالة من الله عزّ وجلّ، وضمان، والتزام بهذا الأجر؛ فهو أجر غير ضائع..
اهـ[5].   ﴿ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ قال أبو جعفر الطبري-رحمه الله: ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها، عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده.
اهـ[6].   وزاد ابن العثيمين- رحمه الله- بياناً شافياً فقال ما نصه: "الخوف" هو الهمّ مما يستقبل؛ و "الحزن": هو الغم على ما فات من محبوب، أو ما حصل من مكروه؛ ولهذا يقال لمن أصيب بمصيبة: "إنه محزون"؛ ويقال لمن يتوقع أمراً مرعباً، أو مروعاً: "إنه خائف"؛ وقد يطلق "الحزن" على الخوف مما يستقبل، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار: "لا تحزن إن الله معنا"، فالمراد.
والله أعلم.
لا تخف؛ فقوله تعالى: ﴿ ولا خوف عليهم ﴾ أي من كل مما يخاف في المستقبل: من عذاب القبر، وعذاب النار، وغير ذلك؛ وقوله تعالى: ﴿ ولا هم يحزنون ﴾ أي على ما مضى من الدنيا؛ لأنهم انتقلوا إلى خير منها؛ أما الكافر فيحزن على ما فرط في الحياة الدنيا، ويتحسر، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ  * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 54 - 56]: هذا تحزُّن، وتحسُّر..
اهـ[7].


[1] انظر الجدول في إعراب القرآن لمحمود بن عبدالرحيم صافي (المتوفى: 1376هـ) نشر: دار الرشيد مؤسسة الإيمان - دمشق (1/ 147). [2] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2 / 143 / 1093). [3] معالم التنزيل للبغوي- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 103). [4] تفسير القرآن العظيم لأبن كثير- الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 / 284). [5] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 158). [6] جامع البيان في تأويل القرآن لأبي جعفر الطبري، تحقيق أحمد محمد شاكر- الناشر: مؤسسة الرسالة (2/ 150 / 1112). [7] تفسير العلامة محمد العثيمين -مصدر الكتاب: موقع العلامة العثيمين (3 / 159).



شارك الخبر

المرئيات-١