أرشيف المقالات

خطوات لعلاج كثرة المزاح

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2خطوات لعلاج كثرة المزاح   هذه خطوات لعلاج المبتلى بكثرة المزاح: 1) أن يجاهد نفسَه ويعزم على تركِ المزاح، ويستعين بالله تعالى في ذلك: فإذا كانت هناك إرادة قويَّة وعزيمة على تَرْك المزاحِ؛ فإنَّ الله يوفِّق مَن هذا حالُه، فالله تعالى يقول عن المنافقين: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ [التوبة: 46].   فلو كان لهم رغبة في الخروجِ، لأعدُّوا العدَّة لذلك، ولكن اطَّلع اللهُ على قلوبهم؛ فعلِم أنَّهم غير عازمين على الخروج؛ ﴿ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾.   فعلى الإنسان أن يدعو اللهَ ويستعين بِه على تَرْك هذا المرض، فالمُعَان مَن أعانَه الله، والمعصومُ مَن عصمه اللهُ، كما عليه أن يجاهِد نفسَه في ذات الله، قال تعالى: ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 78].   فمِن سنَّة الجهاد البداءةُ بالعدوِّ الأقرب فالأقرب، والنَّفْس الأمَّارة بالسوء بين جَنْبي الإنسان هي أقرب أعدائه إِليه؛ فليبدأ بمجاهدتها وقَمْعها.   وقد جاء في مسند الإمام أحمد، والترمذي عن فَضالة بن عُبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المُجاهد مَن جاهد نفسَه في طاعة الله عزَّ وجل))؛ (الصحيحة: 549).   • وعند أبي نعيم من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضلُ الجِهاد: أن تجاهِد نفسَك وهواك في ذات الله عزَّ وجل))؛ (الصحيحة: 1496).   • وكان أبو حازم رحمه الله يقول: "قاتِل هواك أشدَّ ممَّا تُقاتل عدوك"؛ (الحلية: 3/ 231).   2) شغل الوقت بالأمور الجادة النافعة له ولدينه: مِثل طلَب العِلم، والاجتهاد في حِفظ القرآن، وتعلُّم السُّنَّة، وحضور المحاضرات والدروس الشرعيَّة، والمحافظَة على الفرائض، والإكثار من النَّوافل، والسَّعي في قضاء حوائج النَّاس من المساكين والفُقراء والأرامل والأيتام؛ فكلُّ هذا سيصرفه عن كَثرة الممازحة والضَّحك.   3) أن يستشعر ثقل الأمانة الملقاة على عاتقة تجاه أمَّته: فالأُمَّة الإسلاميَّة الآن قد أصابها الوهنُ والضَّعف، وتحتاج إلى جهود ضَخمة لإنقاذها من التَّردِّي والسُّقوط، وهذه مسؤوليَّة كلِّ فَرْد من أفراد المجتمع، فإذا استشعر كلُّ إنسانٍ منَّا خطورةَ الأمر؛ فإنه سيتوجَّه بكليَّته لإصلاح أهلِه وأصدقائه وأحبابه ومجتمعِه بقدرِ المستطاع، ولن تجد وقتًا للهزلِ والتهريج المقيت، والضَّحك الكثير، والاهتمامات التافهة.   4) تجُّنب الشخصيات الهزلية المعروفة بكثرة الضحك والتهريج: فعليه أن يبتعد عن هؤلاء وعن مجالِسهم، مع محاولة النُّصح لهم ولمجالِسيهم، وبعضُ الدعاة يجعل إِضحاك الناس وسيلةً لكسب قلوبِهم، وهذا ليس بعيبٍ؛ وإنَّما العيبُ أنَّ هذا الداعية يُواظب على هذا حتى يُعْرَفَ بهذا، وتجد العوامَّ يقولون: أين الشيخ الذي يُضحكنا؟! وهذا أمرٌ ينبغي أن يَتنزَّه عنه الدُّعاة إلى الله؛ فإنَّ دين الله عظيمٌ مَتين، قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ [الطارق: 13، 14]، وقال تعالى أيضًا: ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ [البقرة: 63].   • وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه البخاري ومسلم: ((لو تَعلمون ما أَعلم، لضحكتُم قليلاً، ولبكَيْتُم كثيرًا)).   5) الصُّحبة الصالحة ومجالسة أهل العلم: فالإنسان إذا صاحَب الأخيارَ من العلماء وأهلِ الصلاح وجالسَه،؛ فإنَّه يستحي مِن الممازحة، ومع كثرة المصاحبة والمجالسة يعتاد الجدَّ ويترك المزاحَ.   • وقد أخرج أبو نعيم في "الحلية" عن خلف بن سالم قال: "كنَّا في مجلس يزيد بن هارون، فمزح مع مستملِيه، فتَنَحْنَحَ أحمدُ بن حنبل، فقال يزيد: مَن المُتَنَحْنِح؟ فقيل له: أحمد بن حنبل، فضرب يزيد على جبينِه، وقال: ألا أَعْلمتموني أنَّ أحمد ها هنا حتى لا أمزح!".   6) التأمُّل في واقع المسلمين: إذا نظر هؤلاء إلى واقع الأُمَّة، وكيف ابتعدَ النَّاس عن دينهم، وكيف تخلَّفت الأمَّةُ في جميع المجالات، وكيف يتعرَّضُون للقهرِ والإيذاء، وما يُحاك لهم من تآمرٍ خبيث، وكيف يتعرَّضون لإبادةٍ جماعيَّة في كثير من البلدان! فإذا تأمَّل الإنسانُ الهزلي في هذا الواقع المرير للأُمَّة الإسلامية؛ فإنَّه ولا بدَّ سيكون له الأثر في تغيُّر شخصيَّته الهزليَّة.   7) أن يعلم أنَّ كثرة المزاح تذهب ببهائه، وتُسقط مروءتَه ووقاره: وهذا حال كلِّ مَن عُرِفَ بكثرة الضَّحك؛ فتراه يَسقط من الأعين، ويكون مهتزَّ الشخصيَّة، ومُحْتَقَرًا بين الناس، لا يُقدِّرُونه ولا يُوَقِّرُونه.   • يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مَن مزح استُخفَّ به"؛ (أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت: ص443).   • ويقول الأحنف بن قيس رضي الله عنه: "مَن كَثُرَ كلامُه وضحكه ومزاحه، قَلَّت هيبتُه".   • ويقول أبو الحسن الماوردي رحمه الله: "وأمَّا الضحك، فإِنَّ اعتياده شغلٌ عن النَّظر في الأمور المُهمَّة، مذهِل عن الفِكر في النَّوائب الملمَّة، وليس لمَن أكثر منه هَيبة ولا وقار، ولا لمَن وُسم به خطرٌ ولا مقدار".
اهـ؛ (أدب الدنيا والدين: ص285)، فمَن يرضى أن يكون هذا حالَه بين الناس؟!   8) معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المزاح: فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم كان يمازِح الأطفالَ والأصحاب والزَّوجات، ولكن كان مزاحه صِدقًا وحقًّا، وكان نادرًا، وأن يكون المقصود منه هو الانبساط وتطيِيب النَّفس ومؤانسة الغير.   9) معرفة أحوال الناس والوقت المناسب للمزاح: فلينظر لحال النَّاس، فلا يمازِح السَّفيهَ والأحمق، ولا مَن لا يُعْرَف حالُه، ولا العالِمَ الجليل، ولا الشيخَ الوَقور؛ فيعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ويُنزِله منزله اللائق به.   • يقول أبو الليث السمرقندي رحمه الله: "ولا تُكثِر المزاحَ؛ فإنَّ فيه ذهاب المهابة، ويذمك عِند الصُّلحاء، ويُجرِّئ عليك السُّفهاء، وتُنْسَب إلى الخفَّة، ولا تمازِح مَن لم يكن بينك وبينه مخالَطة، ولم تعلم أخلاقه، ولا بأس بأن تمازح مع أقرانك وجلسائك في غير مَأْثمٍ ولا إفراط؛ فإن خير الأمور أوسطها؛ لأنَّ ذلك أولى ألاَّ تنسب إلى الثِّقل، ولا إلى الخفَّة"؛ (بستان العارفين: ص 419).   • أما عن وقت المزاح، فليتخيَّر الوقتَ المناسب، فلا يمزح في وقت الجدِّ، ولله در القائل: أهازِل حيثُ الهَزْلُ يحسُن بالفتى ♦♦♦ وإنِّي إذا جدَّ الرِّجالُ لذو جدِّ   10) التَّفَكُّر في أحوال الآخرة: مَن تفكَّر في حاله عند نزول الموت به ومعاناةِ السَّكرات، وسؤال الملَكَين له في القبر، وقبره هل هو روضةٌ من رياض الجَنَّة، أم حفرة من حفر النِّيران، وحاله عند النَّشر والبعث، وحاله عند الوقوف في أرضِ المحشر، وتطايُر الصُّحف، والوقوف بين كفتَي الميزان، وعرضه على الديَّان سبحانه، والمرور على الصِّراط، وحال أهل الجَنَّة، وحال أهل النَّار؛ لا شكَّ أنَّ هذا كله سيُغيِّر مِن حاله؛ فكثرة الضَّحك تدلُّ على الغَفلة عن الآخرة، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول كما عند البخاري ومسلم: ((لو تَعلمون ما أعلمُ، لبكيتم كثيرًا، ولضحكتُم قليلاً)).   • وقد أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُصلاَّه، فرأى ناسًا كأنهم يكتشرون[1]، فقال: ((أما إنَّكم لو أكثرتم ذِكر هاذم اللَّذَّات، لشغلَكم عمَّا أرى)).   • وأخرج ابن حبان في "صحيحه" من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسولَ الله، فما كانت صحفُ موسى عليه السلام؟ قال: ((كانت عِبَرًا كلها، عجبتُ لمَن أَيقن بالموت ثمَّ هو يَفرَح، عجبتُ لمَن أيقن بالنَّار ثمَّ هو يضحك، عجبتُ لمَن أيقن بالقَدَر ثمَّ هو ينصَب، عجبتُ لمَن رأى الدُّنيا وتقلبها بأهلها ثمَّ اطمأنَّ إليها، وعجبتُ لمَن أيقن بالحساب غدًا ثمَّ لم يعمل!)).   • وقد روي عن الحسن رحمه الله: أنَّه كلما مرَّ على شابٍّ وجده يضحك، فقال له الحسن: هل جُزت الصِّراطَ؟ قال الشابُّ: لا، قال الحسن: هل جاءك كتابٌ من الله فيه براءة من النَّار؟ قال الشابُّ: لا، قال الحسن: فعلامَ الضَّحِك؟! فما رُئي هذا الشابُّ ضاحكًا قط.   ورَأى أحدُ الصَّالحين رجلاً مُستغرقًا في الضَّحك فقال له: "هل أتاك أنَّك ترِد جهنَّم؟ قال: نعم، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴾ [مريم: 71]، فقال له: وهل أتاك أنَّك تنجو منها؟ قال: لا، قال: ففيمَ الضَّحِك؟! فما رُئِي ضاحكًا"؛ (الإحياء: 3/ 172).   • وها هو صِلة بن أَشْيَمَ: "كلما مرَّ على شبابٍ وجدهم يلعبون ويضحكون، فقال: يا إخوتاه، اجتمعوا إليَّ، فقال لهم: ما تقولون في قومٍ أرادوا سفرًا (يقصد الموت والرحيل عن الدنيا) فحادُوا عنه نهارًا وناموا عنه ليلاً، ماذا تقولون؟ أصابوا أم أخطؤوا؟ ثمَّ مرَّ عليهم في اليوم التالي، فوجدهم يلعبون ويضحكون، فقال لهم مثل ما قال، ثمَّ مرَّ عليهم في اليوم الذي بعده، فوجدهم يلعبون ويضحكون، فقال لهم مثل ما قال، فقال شابٌّ منهم: والله إنَّ صِلةَ يعنينا بهذا الخطاب، فرجعوا عن اللَّعب إلى طاعة الله".   فلأي شيءٍ خُلقنا؟ هل خُلقنا للَّعب؟ يأتيك الجواب: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].   وقد جاء في الحديث: ((وما رأيتُ مثلَ النَّار نام هارِبُها، ولا مثلَ الجَنَّة نام طالِبها))[2].   فكَثْرة الضَّحك كما أنَّها تميت القلبَ، فإنَّها كذلك تورِث الغفلةَ عن الآخرة ونسيان الموت؛ لذا كان السَّلَف الصالح يُحذِّرون من كَثرة الضَّحك والغفلة عن الآخرة كما مرَّ بنا.   • يقول محمد بن واسع: "إذا رأيتَ رجلاً في الجَنَّة يبكي، ألستَ تعجب من بكائه؟! قيل: بلى، قال: فالذي يَضحك في الدُّنيا ولا يدري إلى ماذا يصير هو أعجب منه".   • ومرَّ أبو يعلى على رجلٍ يُكثر مِن الضَّحك، فقال له: "أتضحك ولعلَّ أكفانك قد خرجَت من عند القصَّار؟!". فجدير بمَن كان الموت مصرعَه، والترابُ مضجعه، والدودُ أنيسَه، ومنكر ونكير جليسَه، والقبر مقرَّه، وباطن الأرض مُسْتَقرَّه، وأرض المحشر مَوْقفه، ويوم القيامة موعده، والجَنَّة والنَّار مورده - ألاَّ يكون له فِكر إلاَّ في ذلك والاستعداد له.   تنبيه: ليس المقصود من عَرْض ما سبق هو النَّهْي عن الضَّحك والمزاح بالكليَّة، وقد مرَّ بنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح، ولكنَّ المقصَدَ هو عدم الإِفراط فيه والمداومة عليه؛ فإنَّ هذا يقسِّي القلب، وقد مرَّ بنا في الحديث الذي أخرجه ابنُ ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((لا تُكثروا الضَّحك؛ فإنَّ كثرةَ الضَّحك تميت القلبَ))؛ (الصحيحة: 506).   فإذا ابْتُلي الإنسانُ بكثرة الضَّحك وقسوة القَلب، فلا علاج له إلا بذكر الموت.   • يقول القرطبي رحمه الله في كتابه "التذكرة": "تذكُّر الموت يَرْدع عن المعاصي، ويليِّن القلبَ القاسِي، ويذهب الفرح بالدنيا، ويهوِّن المصائب"، ثمَّ ذكر القرطبيُّ رحمه الله أثرًا عن صفيَّة رضي الله عنها أنَّها قالت: "جاءت امرأةٌ إلى عائشة رضي الله عنها تشتكي قسوةَ قلبها، فقالت لها: أكثِري ذِكر الموت؛ يرق قلبُكِ، ففعلَت ذلك؛ فرقَّ قَلْبها"؛ (التذكرة: ص12).   • وجاء رجلٌ إلى أمِّ الدرداء رضي الله عنها يستنصحها فقال: إني لأجِد في قلبي داءً لا أجد له دواءً؛ أجِد قسوةً شديدةً وأملاً بعيدًا، فقالت له: "اطَّلِع في القبور، واشهد الموتى".   • ويقول مطرِّف الهذلي رحمه الله: "كانت عجوز متعبِّدة في عبدالقيس، فعوتبَت في كثرة إِتْيانها القبور، فقالت: إنَّ القلب القاسي إذا جَفَا لم يليِّنه إلاَّ رسوم البِلَى، وإنِّي لآتي القبورَ وكأنِّي أنظر إليهم قد خرجوا من بين أَطْباقها، وكأنِّي أنظر إلى تلك الوجوه المتعفِّرة، وإلى تلك الأجساد البالِية المُتغَيِّرة، وإلى تلك الأكفان الدَّنسة، فيا له من منظر!".   أحبتي في الله، إنَّ ذكر الموت يُوقظ القلوبَ من نِسيانها، ويزجر النفوسَ عن التَّمادي في شهواتها، ويأخذ النَّواصي لطاعة ربِّها.   11) التفكُّر فيما يؤول إليه المزاح: فكثرة المزاح كما أنَّها مَسْلبة للبهاء والوَقار، فإنَّها كذلك مقطعة للصَّداقة، وتورِث الضَّغينة، وتنبت الغِلَّ، يقول أبو نواس رحمه الله: مُت بداء الصمت خيرٌ لك من داء الكلامِ إنما السَّالمُ مَن أل جمَ فَاهُ بِلجَامِ رُبمَا يَستفتح المزْ حُ مَغاليقَ الحِمَامِ[3] (المراح في المزاح: ص7).   • ويقول أبو طالب المكِّي رحمه الله في كتابه "قوت القلوب" (ص134): "وعن جماعةٍ من السَّلَف أنَّهم قالوا: "إن تسعة أَعْشار السلامة في الصَّمت"، ويقال: كلُّ كلمة مِن هزلٍ أو مزح أو لَغْو يُوقَف العبدُ عليها خمس مواقف بتوبيخٍ وتقرير؛ أولها: أن يقال له: لِمَ قلتَ كلمة كذا؟ أكانت فيما يعنيك؟ والثانية: هل نفعَتْك إذ قلتَها؟ والثالثة: هل ضرَّتك لو لم تقلها؟ والرَّابعة: ألا سكتَّ فربحتَ السلامةَ من عاقبتها؟ والخامسة: هلاَّ جعلتَ مكانها قول: سبحان الله، والحمد لله، فغنمتَ ثوابها!".   12) تغيير الموضوع الذي قاد إلى الضحك إلى موضوعٍ آخر مفيد: فإذا رأى أنَّ الحاضرين قد تجاوزوا حدَّ الاعتدال في الضَّحك، وأسلموا أنفسَهم لدواعيه؛ تسلَّل هو إلى قلوبهم بالأسلوب المناسِب لنقلهم إلى عالَم الجِدِّ، واستثمار الوقت بقراءةٍ في كتاب نافعٍ، أو بطرح موضوعٍ مهمٍّ للنقاش وإبداءِ الآراء، أو دعوة للاتِّفاق على عملٍ إصلاحي خيري، وغير هذا مِن الأمور التي يحبُّها الله تعالى ويرضاها.   13) فإذا بلغ السيل الزُّبَى: وجاوز الأمرُ حدَّه بأن أبى الجالِسون إلا الإغراقَ في الضَّحك، والمضيَّ في طريق الغَفْلة، فعليه أن يقوم مِن المجلِس ويفارقه؛ حِماية لنفسِه، ووقاية لقلبه من الفَساد، بعد أن يؤدِّي ما عليه مِن واجب التوجيه والنُّصح.


[1] يكتشرون؛ أي: يضحكون حتى بدَت نواجذهم. [2] هذا الحديث أخرجه الترمذي، وأبو نعيم في "الحلية"، والبغوي في "شرح السُّنة" بسند ضعيف، لكن حسَّن هذا الحديثَ الشيخُ الألباني، فقال رحمه الله: "والحديث له شاهدان هو بهما حسن"؛ (الصحيحة: 953). [3] الحِمام: بكسر الحاء، يعني: الموت.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢