شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (8)
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (8)مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"
تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)
شرح: فضيلة الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
[وله الأسماء الحسنى].
أسماؤه حسنى، بلغت في الحسن كماله ومنتهاه، فالله جل وعلا يقول: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، في آية طه، في آية الأعراف: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الأعراف: 180]، فادعوه بها، حسنى؛ أي: كاملة في حسنها وبهائها، وجمالها وكمالها، لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
أسماء الله كم هي؟ أسماء الله لا يحصيها إلا الله جل وعلا، ما الدليل؟ حديث الغم المشهور، ((ما من مسلم يصيبه هم أو غم فيقول: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك..))، دل ذلك على أن أسماء الله غير محصورة، وأسماء الله كثيرة جدًّا، وكلما كثرت أسماء الشيء دلت على عظمه، تأملوا يا إخواني في القرآن، ألم يأتِ في أسماء يوم القيامة أسماء كثيرة حتى جاوزت الثلاثين اسمًا؟ لعظم هذا اليوم، النبي عليه الصلاة والسلام لما كان عظيمًا عند ربه، جليلًا بين خلقه، تنوعت وتعددت أسماؤه؛ فهو محمد، وأحمد، والماحي، والعاقب، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمه صلى الله عليه وسلم، الله جل وعلا أعظم من كل عظيم، وأجل وأكبر من كل جليل وكبير؛ ولهذا لا حد لأسمائه الحسنى، لكن أعلمنا من أسمائه بكم؟ بتسعة وتسعين اسمًا، في الصحيحين من وجوه كثيرة، أخرجه البخاري في أكثر من اثني عشر موضعًا في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)).
ما معنى أحصاها؟ وفي هذا يغلط كثير من الناس، يظن أن إحصاءها هو سردها: "الله، حي، عليم، قدير، سميع، بصير.."، ويبدأ يعدها، ليس هذا هو إحصاءها، معنى إحصائها يقوم على ثلاثة معانٍ، المعنى الأول: عدها من الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، ثانيًا من إحصائها: تفهم معانيها، يعرف أن معنى السميع غير معنى العظيم، ومعنى الكبير غير معنى الحليم، هذا لا يتأتى إلا بالعلم بها والبحث فيها، على طريقة الراسخين في العلم، المعنى الثالث من معاني إحصائها: التقرب إلى الله جل وعلا بها، التقرب إلى الله بالإيمان بها، بدعاء الله بها؛ ولهذا الله جل وعلا يحب من عبده أن يثني عليه بكمالاته، وأعظم كمالات الله أسماؤه سبحانه، في الحديث: ((ألظوا بـ: يا ذا الجلال والإكرام))، والحديث الذي رواه أهل السنن - بأسانيد صحيحة - أن رجلًا قال: (اللهم إني أشهد بأنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد، الفرد، الصمد، المنان، يا بديع السموات والأرض)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد دعا اللهَ باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب))، لماذا؟ لأنه ألظ وألح على الله بأسمائه الحسنى تقربًا وتوسلًا إلى الله بها، ومن المناسب في هذا المقام: أن يدعو الإنسان بما يناسب اسم الله، فإذا دعا برحمة ومغفرة، انتقى من أسماء الله المناسب، "يا رحيم، ارحمنا"، "يا غفور، اغفر لنا"، وإذا كان الدعاء دعاء انتقام أو انتصار، ينتقي من أسماء الله المناسب، "يا قوي، يا جبار، انتقم لنا"، "يا عزيز، يا ذا الانتقام، انتصر لنا ممن ظلمنا"، هل يناسب أن يقول: "اللهم، يا جبار، يا ذا الانتقام، اغفر لنا"؟! هذا غير مستحسن، والعكس صحيح أيضًا، لا يناسب أن يقول: "اللهم، يا رحيم، يا رحمن، اقصم ظهور الجبابرة والظلمة والكفرة"؛ لأن هذا غير مناسب مع أسماء الله جل وعلا.
[والصفات العلى].
إن صفاته عالية، في ذاتها، وفي معانيها، وفي اتصاف الله جل وعلا بها.
أجوبة أسئلة اليوم الثاني:
إن الله أقرب إليه من حبل الوريد بعلمه وإحاطته وإدراكه لحاله، والآية: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16]، تشتمل على معنيين متنوعين، (ونحن)، هي لله جل وعلا، وهو المعظم نفسه بلفظ الجمع، وهو واحد سبحانه؛ لعظمته، وتنوع أسمائه وصفاته، والمعنى الثاني: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾؛ أي: الله جل وعلا، ومن شاء من رسله وجنده، والملائكة من جنده، والمعنيان متنوعان غير متضادين.
إي نعم، استوى إما أن تتعدى بنفسها، استوى الزرع، استوى على سوقه؛ أي: علا وارتفع، أنتم عندكم هنا في اللهجة الدارجة: فلان استوى، بمعنى أنه أتم أمره، واستوى على كذا؛ أي: علا عليه وارتفع عليه واستقر عليه، واستوى إلى السماء، استوى إليها؛ أي: قصدها، استوى إلى كذا؛ أي: قصده.
عالم الغيب والشهادة، يأتي مقيدًا، أما الذي من أسماء الله فهو العليم، أو علام الغيوب، أما العالم، فيجوز أن نطلقها على الله، لأنه عالم، من باب الخبر، لا من باب الوصف والتسمي.
كلهم حكوا: أن الإيمان مجمع عليه عند السلف أنه قول وعمل، وخصصنا هؤلاء؛ لأن الإمام أحمد له كتاب الإيمان، الذي هو السنة، وابنه عبدالله كذلك، والخَلَّال كذلك، ومحمد بن نصر المروزي الملقب بالشافعي الثاني له كتاب السنة، وتعظيم قدر الصلاة، يسمى بكتاب الإيمان.
يتسمى بـ: "الظاهر"؟ أسماء الله جل وعلا منها ما يجوز أن يتسمى به المخلوق؛ كالملك، والعزيز، والظاهر، ورؤوف، ورحيم، يجوز أن يسمى بها المخلوق؛ ولذا جاء في القرآن نسبتها وتسمية المخلوقين بها، ﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴾ [الكهف: 79]، ﴿ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ ﴾ [يوسف: 51]، في سورة براءة: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، هذه يجوز أن يتسمى بها المخلوق، لكن بشرط، أن تعرف أن الاسم ليس كالاسم، وليس المسمى كالمسمى،من أسماء الله ما لا يجوز أن يتسمى به المخلوق؛ كاسم الجلالة الله، هل يجوز تسمية المخلوق الله؟ لا يجوز ذلك، فإذا سمينا المخلوق بأنه ظاهر، أو ناصر، أو رؤوف، أو ملك، فهذا على قدره، وليس ملكه وظهوره ملكًا عامًّا كملك الله جل وعلا وظهوره.
قربه من خلقه عام، لكن هناك قرب خاص لأهل الإيمان، وهذا سيأتينا إن شاء الله في المعية؛ فالله من كل خلقه قريب، لكن المؤمن والصالح والتقي قرب الله منه يقتضي أمورًا أخرى، سيأتي بيانها إن شاء الله في مسألة المعية.
من باب الإخبار عن الله أنه مدبِّر.
..
في اللغة يعني، في لغة العرب، لا حصرها هنا في الذهن، في العلم، يسمى عندهم بالحصر العلمي، أو الحصر الذهني؛ أي: الذي أعلمنا منها تسعة وتسعون اسمًا، أما أسماؤه سبحانه وتعالى فهي لا تحصى؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((أو استأثرت به في علم الغيب عندك))، وإذا قلنا: إنها محصورة، دل على أن تسعًا وتسعين نعلمها، حتى ما استأثر الله بعلمه؟ هذا لا يكون، ولا يليق؛ ولهذا الحصر حصر علمي، أو حصر ذهني.
لا، ما فيها اختصاص، لكن لأنها من أظهر صفاته سبحانه، أنه سميع يدرك المسموعات كلها، وبصير يبصر المبصرات كلها.
كما أن الكعبة قبلة الصلاة......
(جاملها؟! إذا لماذا لا يجامل غيرها من الكفار؟! هذا تمحل في الجواب، وتحريف في كلام الله جل وعلا، نقول: إذا أقروا بأن الدعاء قبلته السماء، لم لم يكن قبلته السفل؟ لأن الله في السماء، وأما الصلاة فقِبلتها الكعبة؛ لأن الله جعلها قِبلة،وهذا الجواب من هؤلاء المتكلمين أو المتأولين يراد منه التمحل، وإساءة الظن حتى بالنبي عليه الصلاة والسلام، النبي يجامل في دين الله؟! إذا كان الله ليس في السماء كيف يجاملها ويكذب عليها؟! إذا ما نصح للأمة وما أبان! وحق على الله أنه ما بعث من نبي إلى أمة إلا دلهم على خير ما يعلمه لهم، وهذا قدح في النبي! بل وقدح في الله الذي مدح النبي بأنه بلغ بلاغًا مبينًا، وأنه أكمل البيان، عليه الصلاة والسلام، لكن الهوى شأنه عظيم!).
هذا تفويض، وسيأتينا أن التفويض معناه عدم العلم بمعاني الصفات، الذي يفوض ما هو؟ عِلمنا بمعانيها أو بكيفياتها؟ العلم بالكيفية، لكن إذا اشتبه على إنسان معنى صفة ولم يدرها، يقول: الله أعلم بها حتى يعلمها، ولا يجوز أن يتدين لله جل وعلا بعدم العلم بها، أو يتدين لله بتفويضها، إلا إذا كان جاهلًا، والجاهل يعلم، فالذي يُفوَّض: علمُ الكيفية.
كلها محكَمة، كل آيات الأسماء والصفات وآيات التوحيد محكَمة، ليس فيها متشابه، في بعض نصوص الصفات تشابه نسبي، يسمى عند العلماء بالتشابه الإضافي على بعض الناس دون بعض، لكن العلماء يدرونها، وهي محكَمة عندهم.
نهايتها، يعني: كمالها، بلغت من الحسن نهايته، يعني: كماله، كمال هذا الحسن،النهاية هنا: الحسن، لا يراد بها أن أسماء الله منتهية، ولكن فيه أن كمالها الذي وصفت به كمال منته.
ما الفائدة من هذا السؤال؟ ما الثمرة منه؟
الله جل وعلا لا يحاسب عبده بما علمه منه، وقدره عليه قدرًا كونيًّا، وإنما يحاسبه بما قدره عليه شرعًا، فلا يحاسبك الله بأنك ذكر، بأنك لم لم تصر أنثى؟! لأن الله قدر عليك هذا، لا يحاسبك الله بأن جعلك إنسانًا ولم يجعلك حمامًا أو صقرًا؛ لأن الله قدر عليك ذلك، وما علمه الله منك في الأزل على نوعين: علم بأنك تفعله، وعلم بأنك لا تفعله، فما فعلته تحاسب عليه؛ لأنه سبق في علم الله، وما لم تفعله لا تحاسب عليه؛ لأنه ليس من فعلك، وليس من اختيارك، فلا بد من هذا القيد.
الشريعة كلها آحاد، ما جاء التواتر إلا في أفراد منها، ولو قصرنا العمل والاعتقاد على ما جاء في المتواتر، ما صح لنا من ديننا شيء، والتفريق بين الآحاد والمتواتر إنما جاء من المعتزلة الذين أثروا به على المتكلمين وأمثالهم، وإلا فإن الصحابة رضي الله عنهم دانوا لله سبحانه وتعالى بما صح عندهم، الذين حولوا قبلتهم من الشام إلى الحرم، من الشمال إلى الجنوب، هل تواتر عندهم أم المخبر واحد؟ المخبر واحد، إذا هذه بدعة وفِرْيَة: التفريق بين المتواتر والآحاد، وعدها ابن القيم في الصواعق المرسلة طاغوتًا عول عليه المعطلة مذاهبهم: التفريق بين أخبار الآحاد، وأنها لا تفيد إلا الظن، وأخبار التواتر، وأنها تفيد اليقين، إذا صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنَّا به وأيقنا به وعملنا به، وهذا مقتضى الشهادة لنا بأنه رسول الله، وإلا ما معنى أن تشهد بأنه رسول الله إذا لم تصدقه في كل ما يخبر به، ثم تنتقي، هذا خبر آحاد أرده، وهذا متواتر آخذ به، نعم المتواتر آكد في الثبوت، ولكن لو صح الآحاد، ولو كان من طريق واحد، فإن هذا نعمل به، أصول الإسلام في أحاديث آحاد، حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، أليس هو حديثًا غريبًا في طبقاته الأربع، ولم ينتشر إلا عن يحيى بن سعيد الأنصاري؟! رواه عنه أربعمائة أو مائتان من الرواة، وما قبله يرويه كل واحد عن واحد، فهو آحاد، وهذا انبنى عليه الإسلام كله، فهو حديث أصل في هذا الدين.
هذا مذهب متأخري المتكلمين من الأشاعرة، أن الاستواء عندهم هو الاستيلاء! أما متقدموهم، فيثبتون الاستواء، كما أثبته أبو الحسن الأشعري وأصحابه وتلاميذه، وابن الباقلاني، بأنه فعل يفعله الله في العرش، يسمى الاستواء، أما المتأخرون بعد الجويني فهم الذين حرفوا معنى هذا الاستواء إلى معنى الاستيلاء، فهذا قول متأخريهم.
جماعة التكفير والهجرة في الحقيقة هم خوارج في مسائل الذنوب والكبائر، في مسائل التكفير والذنوب والكبائر هم خوارج، وليسوا معتزلة، والتكفير والهجرة منهم قوم أهل توقف وتبيُّن، وهؤلاء يوجبون أن ينعزل المسلم عن المجتمعات الكافرة، عن الكفار، إن لم ينعزل بنفسه، ينعزل بإحساسه وشعوره، وهذا من آثار القول بالتكفير الذي هو مذهب أولئك الخوارج؛ ولهذا الخوارج يا إخوان ما انقرضوا، وإنما لا يزال لهم بقايا، حتى يكون آخرهم يتبع الدجال، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام.
نعم، ثابتة عنه، قالها أبو طالب لما أدركهم الضنك والشدة في الشِّعب، وهي ثابتة عنه، وعدها العلماء من المعلقات، حق لها أن تكون من المعلقات؛ لقوة معانيها، وعظيم جرسها، وبراعة مضامينها:
لقد علِموا أنَّ ابنَنا لا مكذَّبٌ
لدينا ولا يُعنَى بقول الأباطل
وأبيضَ يُستسقى الغَمامُ بوجهه
ثِمَالَ اليتامى عصمةً للأرامل
تلوذ به الهُلَّاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
[الشيخ حفظه الله يستعبر في هذا الموضع].
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
تم بحمد الله إتمام تفريغ الشريط الثاني
في الاثنين السادس والعشرين من شهر الله الحرام ذي الحجة
لعام 1426 من هجرة المصطفى عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام