أرشيف المقالات

خواطر إيمانية حول منظومة سلم الوصول (13)

مدة قراءة المادة : 19 دقائق .
2خواطر إيمانية حول منظومة سلم الوصول (13)
 
قال الشيخ حافظ حكمي - رحمه الله -:
فصل فيمَن هو أفضلُ الأمَّة بعد الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وذِكْر الصحابة بمحاسنهم، والكفّ عن مساوئهم، وما شجَر بينهم.






256- وَبَعْدَه الْخَلِيفَةُ الشَّفِيقُ
نِعْمَ نَقِيبُ الأُمَّةِ الصِّدِّيقُ


257- ذَاكَ رَفِيقُ الْمُصْطَفَى فِي الْغَارِ
شَيْخُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ


258- وَهْوَ الَّذِي بِنَفْسِهِ تَوَلَّى
جِهَادَ مَنْ عَنِ الْهُدَى تَوَلَّى


259- ثَانِيهِ فِي الْفَضْلِ بِلاَ ارْتِيَابِ
الصَّادِعُ النَّاطِقُ بِالصَّوَابِ


260- أَعْنِي بِهِ الشَّهْمَ أَبَا حَفْصٍ عُمَرْ
مَنْ ظَاهَرَ الدِّينَ الْقَوِيمَ وَنَصَرْ


261- الصَّارِمُ المُنْكِي عَلَى الْكُفَّارِ
وَمُوسِعُ الْفُتُوحِ فِي الْأَمْصَارِ






 
وبعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - اجتمعتْ كلمةُ الأمَّة على أفضلها، وهو أبو بكر - رضي الله عنه - الذي سُمِّي الصدِّيق، وآمن بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصدَّق به، دونَ ذرَّة من التردُّد أو التقاعس، الذي إذا وُزِن إيمان الأمة بإيمانه، رجح إيمانُه، صاحِب السابقة والفَضْل، الذي كان للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فداءَ الرُّوح والجسد والمال، وهو ثاني اثنين إذْ هما في الغار مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في رحلة الهجرة، وكفَى به فضلاً أن يُذكر في القرآن تصريحًا.
 
وقد ثبَت أبو بكر بعد وفاة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثبوتَ الجِبال الراسيات أمامَ فِتْنتين عظيمتين: ارْتداد قبائلِ العرب عن دِين الإسلام، وفِتْنة مانعي الزكاة.
 
وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد جهَّز جيشًا بقيادة أسامةَ بن زيد للشام، ومات ولم ينفذْه، وأبَى أبو بكر إلا أن يُنفذَه برغم هذه الظروف الصَّعْبة، وقال: والله لا أَحُلُّ لواءً عقَدَه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيده.
 
وقام أبو بكرٍ لحرْب المرتدين ومانعي الزكاة، حتى عادتِ المِلَّة، وثبَت أمرُ الإسلام بهذا الرجل الذي لا نظيرَ له في كلِّ الأُمم.
 
ثم مات أبو بكر بعدَ عامين ونيِّف، وجاء الفاروق عمر أفضلُ الأمَّة بعده، الذي كان إسلامُه فتحًا، وخِلافته عدلاً، وهو الباب الذي حجَب الله به الفِتن، وما كان مِن عبقري يَفري فَرْيَه.
 
وبلغتِ الدولة في عهده أرْقى وأعْلى مستويات الرُّقي والحضارة، واتَّسعتِ الفتوحات اتساعًا كبيرًا، وظلَّ الفاروقُ حاكمًا عادلاً، حتى قتَله غيلةً المجوسيُّ أبو لؤلؤة، فكان مَقْتله نكبةً للمسلمين، ومِفتاحًا للفِتن من بعده.
 
وفَضْل الشيخين معلومٌ متواتر، وكثيرًا ما كان يقول النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر))، فمَن أحبَّهما فهو مؤمن، ومن أبغضهما فهو منافق.
 
قال الشيخ - رحمه الله -:






262- ثَالِثُهُمْ عُثْمَانُ ذُو النُّورَيْنِ
ذُو الْحِلْمِ وَالْحَيَا بِغَيْرِ مَيْنِ


263- بَحْرُ الْعُلُومِ جَامِعُ الْقُرْآنِ
مِنْهُ اسْتَحَتْ مَلاَئِكُ الرَّحْمَنِ


264- بَايَعَ عَنْهُ سَيِّدُ الأَكْوَانِ
بِكَفِّهِ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ


265- وَالرَّابِعُ ابْنُ عَمِّ خَيْرِ الرُّسْلِ
أَعْنِي الإمَامَ الْحَقَّ ذَا الْقَدْرِ الْعَلِي


266- مُبِيدُ كُلِّ خَارِجيٍّ مَارِقِ
وَكُلِّ خِبٍّ رَافِضِيٍّ فَاسِقِ


267- مَنْ كَانَ لِلرَّسُولِ فِي مَكَانِ
هَارُونَ مِنْ مُوسَى بِلاَ نُكْرَانِ


268- لاَ فِي نُبُوَّةٍ فَقَدْ قَدَّمْتُ مَا
يَكْفِي لِمَنْ مِنْ سُوءِ ظَنٍّ سَلِمَا






 
والثالث في الفَضْل والإمامة والخِلافة: عثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - الذي كان حليمًا حييًّا، عالِمًا بالقرآن عابدًا، وقد أخبر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الملائكة تستحيي من عثمان.
 
وُصِف بذي النورين؛ لأنَّه تزوَّج ابنتَي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واحدةً تلوَ الأخرى: رقية، وأم كلثوم.
 
وقد صعِد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا على جبل أُحد، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: ((اثبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عليك نبيٌّ وصِدِّيق وشهيدان))؛ رواه البخاري.
 
ومِن فضائله - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وضَع كفَّه؛ ليبايع عنه في بيعة الرضوان، لَمَّا أُشيع أنه قد قُتِل.
 
وقد بلغتِ الفتوحاتُ في عهد عثمان - رضي الله عنه - مبلغًا كبيرًا لم تبلغْه الدولة مِن قبل.
 
ثم قُتِل - رضي الله عنه - دون أن يَخْلَع قميصَ الخِلافة، واختار أن يُراقَ دمُه هو؛ حتى يحقنَ دماء المسلمين، فاللهمَّ اجزِه عن الإسلام خيرَ الجزاء.
 
والرابع في الفضْل والخِلافة: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أوَّل مَن آمن مِن الصبيان، وصاحِب السابقة والرِّيادة، والقرابة والمصاهرة مِن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المفدِّي للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمُهْجته إذْ نام في فراشه يومَ أن اجتمعوا لقتْل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكان على صِغَر سِنِّه شجاعَ القَلْب، كبيرَ العزم.
 
كانت خلافتُه بالإجماع - رضي الله عنه - وما نازَعه معاويةُ الخلافة؛ وإنما كان يُريد أن يأخذَ بدَمِ ابن عمه عثمان.
 
قاتَلَ عليٌّ - رضي الله عنه - الخوارجَ (أصحاب البِدع)، وحاول جاهدًا دَرْءَ الفتن التي أطلَّتْ برأسها على الأمَّة، ووقعتْ وقائع ومعارك بيْن المسلمين، كالجَمَل وصِفِّين.
 
وكانت طائفةُ علي - رضي الله عنه - هي أدْنَى الطائفتين إلى الحقِّ، مع عُذْر الطائفة الأخرى بالاجتهاد، وقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - (والحديث في الصحيحين): ((إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجْتَهَد، ثُمَّ أَصابَ، فَلَهُ أجْرانِ، وإذا حَكَمَ فاجْتَهَد، ثُمَّ أخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ)).
 
فخطؤُهم يغفره الله - عزَّ وجلَّ - لِمَا لهم من السَّبْق والفضْل، ولا يَحِلُّ لأحد أن يُكفِّر أو يبدِّع أو يفسِّق أحدًا منهم، كما فعلتِ الشيعة الروافض؛ إذ كفَّروا معظمَ الصحابة، هذا من ناحية، ومِن ناحية أخرى غَلَوْا في تفضيل علي - رضي الله عنه - حتى قالت بعضُ طوائفهم بألوهيته، فحرَّقهم بالنار، ثم نَدِم على فِعْله بعد ذلك، وغرَّهم ما جاء في فضائله: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خلَّفَه في غزوة، وأراد أن يُطيِّبَه في قعوده مع النِّساء والصبيان، فقال له (والحديث في الصحيحين): ((أمَا ترْضَى أن تكون منِّي بمنزلة هارونَ مِن موسى، غير أنَّه لا نبيَّ بعدي))، فضلُّوا ضلالاً مبينًا.
 
قال الشيخ - رحمه الله -:






269- فِالسِّتَّةُ الْمُكَمِّلُونَ الْعَشَرَهْ
فَسَائِرُ الصَّحْبِ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ


270- وَأَهْلُ بَيْتِ الْمُصْطَفَى الأَطْهَارُ
وَتَابِعُوهُ السَّادَةُ الأَخْيَارُ


271- فَكُلُّهُمْ فِي مُحْكَمِ الْقُرْآنِ
أَثْنَى عَلَيْهِمْ خَالِقُ الأَكْوَانِ


272- فِي الْفَتْحِ وَالْحَدِيدِ وَالْقِتَالِ
وَغَيْرِهَا بِأَكْمَلِ الْخِصَالِ


273- كَذَاكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
صِفَاتُهُمْ مَعْلُومَةُ التَّفْصِيلِ


274- وَذِكْرُهُمْ فِي سُنَّةِ الْمُخْتَارِ
قَدْ سَارَ سَيْرَ الشَّمْسِ فِي الْأَقْطَارِ


275- ثُمَّ السُّكُوتُ وَاجِبٌ عَمَّا جَرَى
بَيْنَهُمُ مِنْ فِعْلِ مَا قَدْ قُدِّرَا


276- فَكُلُّهُمْ مُجْتَهِدٌ مُثَابُ
وَخِطْؤُهُمْ يَغْفِرُهُ الْوَهَّابُ






 
وبعْدَ الخُلفاء في الفضْل بقيةُ العشَرة المبشَّرين، وهم: طلحة، والزُّبَير، وسعْد بن أبي وقَّاص، وعبدالرحمن بن عوْف، وسعيد بن زَيْد، وأبو عُبَيدة بن الجرَّاح - رضوان الله عليهم - ثم أهل بيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأزواجه، وأهل بدر، وأصحاب بيْعة الرِّضوان، وبقية الصحابة الكرام.
 
وفضل الصحابة معلومٌ متواتِر لا يُنكره إلا جاحِد.
 
زكَّاهم الله - عزَّ وجلَّ - في القرآن وعدَّلهم، فقال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]، وقال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: 18]، وقال كذلك: ﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [الحديد 18-19]، وقال في سورة محمد، وهي سورة القِتال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد: 2].
 
وصفاتهم واردةٌ معلومةٌ في التوراة والإنجيل؛ قال - سبحانه -: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
 
أمَّا سُنَّة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمليئةٌ بالأخبار الواردة في فضْل الصحابة، ويَكْفي في فضْل أهل بدر ما جاء في الصحيحين: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال عن أهل بدر: ((لعَلَّ اللهَ أَنْ يَكونَ قَدِ اطَّلَعَ على أَهْلِ بَدْرٍ، فقال: اعْمَلُوا ما شِئْتمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُم)).
 
ويَكْفي ما جاء في الصحيحين أيضًا مِن تحذيره الشديد لكلِّ الخَلْق سوى الصحابة حين قال: ((لا تَسُبُّوا أَصْحابي؛ فلو أَنَّ أحَدَكم أَنْفَقَ مِثْل أُحُدٍ ذَهَبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نَصِيفَه)).
 
ويجب أن نسكتَ عمَّا شجَر بيْن الصحابة من الخِلاف والفِتنة، والسكوت معناه: ألا نبدِّع أو نكفِّر منهم أحدًا، وليس معناه ألا ندرسَ هذه الأحداث، ونصِل للحقِّ فيها، بل هذا مطلوب؛ لأنَّه كثرتِ الأكاذيب على هذه الحِقْبة من التاريخ خاصَّة، وشاعَتْ روايات باطلة تنسب للصحابة ما لم يفْعلوه، وأُلِّفت كتب تستقي من هذه الأباطيل، ولا أحدَ يميِّز من العامة.
 
فالواجب على العَبْد أن يحبَّ هؤلاء الصحابة جميعًا، ويُحسِن الظن بهم، ويترضَّى عنهم؛ إذ هم ليسوا كمَن بعْدَهم.
 
ثم قال الشيخ - رحمه الله -:
خاتمة في وجوب التمسُّك بالكِتاب والسنَّة، والرُّجوع عند الاختلاف إليهما، فمَا خالفهما فهو رَدٌّ:






277- شَرْطُ قَبُولِ السَّعْيِ أَنْ يَجْتَمِعَا
فِيهِ إِصَابَةٌ وَإِخْلاَصٌ مَعَا


278- لِلَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ لاَ سِوَاهُ
مُوَافِقَ الشَّرْعِ الَّذِي ارْتَضَاهُ


279- وَكُلُّ مَا خَالَفَ لِلْوَحْيَيْنِِ
فَإِنَّهُ رَدٌّ بِغَيْرِ مَيْنِ


280- وَكُلُّ مَا فِيهِ الْخِلاَفُ نُصِبَا
فَرَدُّهُ إِلَيْهِمَا قَدْ وَجَبَا


281- فَالدِّينُ إِنَّمَا أَتَى بِالنَّقْلِ
لَيْسَ بِالاَوْهَامِ وَحَدْسِ الْعَقْلِ






 
ختَم الشيخُ نظمَه بكلام عن شروط قَبول العمل، وهو ما يُناسِب آخر الكلام، وكأنَّه يدعو الله - عزَّ وجلَّ - ليقبلَ هذا العمل.
 
وشروط قَبول العمل عند الله ثلاثة: الإيمان، والإخلاص، ومتابعة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
وهذا اجتمع في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، والعمل الصالِح ما كان خالصًا لله، وابتُغي به وجهه، وصوابًا؛ أي: على السنَّة.
 
وهنا لنا وقفةٌ يسيرة؛ فاتِّباع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واجب، وليس ترَفًا أو من حِلية الأعمال، بل لا متبوعَ إلا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسُنَّته وحيٌ وتشريع كالقرآن، وهو القائل: ((ألاَ إنِّي أُوتيتُ الكتابَ ومثْلَه معه، ألا إني أوتيتُ القرآن ومثْلَه معه، ألاَ يوشِك رجلٌ شبعانُ على أريكته، يقول: عليكم بالقرآن؛ فما وجدتُم فيه من حَلال فأحِلُّوه، وما وجدتُم فيه من حرام فحرِّموه، ألا لا يَحِلُّ لكم لحمُ الحِمار الأهلي...))؛ الحديث.
 
وقد فَهِم الصحابةُ الكرام قضيةَ الاتباع فهمًا عميقًا، واتَّضح هذا الفَهْم في أعمالهم، وعيشهم، ونُصْحهم للولاة، ودعْوَتهم للناس.
 
ويُبيِّن ما نقول هذه القِصَّة التي حدثتْ في عصر الصحابة:
فعن عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني، قال: حدثني أبي قال: كنا نجلس على بابِ عبدالله بن مسعود قبلَ صلاة الغداة، فإذا خرَج مَشَيْنَا معه إلى المسجد، فجاءَنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَج إليكم أبو عبدالرحمن بعدُ؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرَج، فلمَّا خرَج قمنا إليه جميعًا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبدالرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرتُه، ولم أرَ - والحمد لله - إلا خيرًا، قال: فما هو؟ فقال: إنْ عِشتَ فستراه، قال: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جُلوسًا، ينتظرون الصلاة، في كلِّ حلقة رجل، وفي أيديهم حَصًى، فيقول: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة، فيقول: هلِّلوا مائة، فيهلِّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيُسبِّحون مائة، قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئًا؛ انتظارَ رأيك، قال: أفلا أمرتَهم أن يَعدُّوا سيئاتهم، وضمنتَ لهم ألاَّ يضيعَ من حسناتهم شيء؟!
 
ثم مضَى ومضيْنا معه، حتى أتَى حلقة من تلك الحلق، فوَقَف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن، حصًى نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدُّوا سيِّئاتكم، فأنا ضامنٌ ألاَّ يضيع من حسناتكم شيء، وَيْحكم يا أمَّةَ محمد! ما أسرعَ هلكتَكم! هؤلاء صحابة نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - متوافِرون، وهذه ثيابه لم تَبْلَ، وآنيته لم تُكْسر، والذي نفسي بيده، إنَّكم لعلَى مِلَّة هي أهدى مِن ملَّة محمد، أو مفتتِحو بابِ ضلالة.
 
قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن، ما أردْنا إلا الخير، قال: وكم مِن مريد للخير لن يصيبَه؛ إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حدَّثَنا: ((إنَّ قومًا يقرؤون القرآن، لا يُجاوز تراقيَهم، يمرقون من الإسلام كما يمرُق السَّهْم من الرمية))، وايمُ الله، ما أدري لعلَّ أكثرَهم منكم، ثم تولَّى عنهم.
 
فقال عمرو بن سلمة: فرَأَيْنا عامَّةَ أولئك الحلق يُطاعنوننا يومَ النَهْرَوان مع الخوارج.
 
قال الألباني: وهذا إسناد صحيح.
 
فما وافق الشَّرْع فهو المقبول، وما خالَفَه هو المردود؛ ((مَن عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عليه أَمْرُنا فَهُوَ رَدٌّ)).
 
ولا يَسعُ مسلمًا عند التنازُع ألاَّ يرْجِع إلى الكتاب والسنَّة ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء: 56]، وهما مصدرُ الدِّين، ولكن هناك قيْدٌ مهمٌّ، ألا وهو أنْ يكون ذلك بفَهْم الصحابة؛ لأنَّهم أخذوا الدِّين والوحي من فَمِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأوْجب الله على كلِّ البشر أن يكون إيمانُهم بمِثْل ما آمَن به الصحابة ﴿ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 137].






الْعِلْمُ قَالَ اللَّهُ قَالَ رَسُولُهُ
قَالَ الصَّحَابَةُ لَيْسَ خُلْفٌ فِيهِ


مَا الْعِلْمُ نَصْبَكَ لِلْخِلاَفِ سَفَاهَةً
بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَ قَوْلِ فَقِيهِ






 
ثم ختم الشيخ هذا النظم المبارك قائلاً:






282- ثُمَّ إِلَى هُنَا قَدِ انْتَهَيْتُ
وَتَمَّ مَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ


283- سَمَّيْتُهُ بِسُلَّمِ الوُصُولِ
إِلَى سَمَا مَبَاحِثِ الأُصُولِ


284- وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى انْتِهَائِي
كَمَا حَمِدْتُ اللَّهَ فِي ابْتِدَائِي


285- أَسْأَلُهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ
جَمِيعِهَا وَالسَّتْرَ لِلْعُيُوبِ


286- ثُمَّ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أَبَدَا
تَغْشَى الرَّسُولَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدَا


287- ثُمَّ جَمِيعَ صَحْبِه وَالآلِ
السَّادَةِ الأَئِمَّةِ الأَبْدَالِ


288- تَدُومُ سَرْمَدًا بِلاَ نَفَادِ
مَا جَرَتِ الأَقْلاَمُ بِالْمِدَادِ


289- ثُمَّ الدُّعَا وَصِيَّةُ الْقُرَّاءِ
جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا اسْتِثْنَاءِ


290- أَبْيَاتُهَا (يُسْرٌ) بِعَدِّ الجُمَّلِ
تَأْرِيخُهَا (الغُفْرَانُ) فَافْهَمْ وَادْعُ لِي






 
ختَم الشيخ - رحمه الله - منظومتَه (سُلَّم الوصول) بحمد الله والثناء عليه، كما فعَل في ابتدائها، وثنَّى بالصلاة على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وآله وصحابته الكِرام (الأئمة الأبدال)؛ أي الصالحين المتَّبعين، لا الأبدال والأقْطاب الذين يَعتقد غلاةُ الصوفية أنَّهم يُدبِّرون الكون.
 
وأبيات المنظومة (290) بيتًا، وهي بغير المقدِّمة وأواخر الخاتمة (270) بيتًا، وهو ما قصَده الشيخ بقوله: "يُسْر"، فيكون عددها بحِساب الجُمَّل (على ترتيب أبجد هوَّز) كالآتي:
الياء: 10، والسين: 60، والراء: 200، فيكون المجموع: 270 بيتًا.
 
وتارِيخ نظْمها وكتابتها (الغفران): فالألف: 1، واللام: 30، والغين: 1000، والفاء: 80، والراء: 200، والألف الثانية: 1، والنون: 50، فيكون تاريخها: 1362 مِنَ الهجرة.
 
وقد سأل الشيخُ قُرَّاءَه الدعاءَ له؛ فنقول: اللهمَّ اغفرْ له وارحمه، واجزِه خيرَ الجزاء، وارْفع درجاتِه في أعْلى عليِّين.
 
ونحن كذلك نختِم بالدعاء: اللهمَّ إنا نسألك بأسمائك الحُسْنى، وصفاتك العلا أن تجعلَ كلَّ ما كتبْناه في موازين حسناتنا يومَ القيامة، وأن تجعلَه حُجَّة لنا لا علينا.
 
سبحانك اللهمَّ وبحَمْدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفِرك وأتوب إليك.

شارك الخبر

المرئيات-١