أرشيف المقالات

سماع الأغاني في الأعراس

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2سماع الأغاني في الأعراس
إن الغناء واستماع الموسيقى من الأمور التي عمت بها البلوى، وانتشرت في أفراحنا انتشار النار في الهشيم، وأصبحت الآن من مراسم الأفراح، وأصبح الآن في معتقد الناس أن العرس الذي ليس فيه غناء ليس بفرح، بل يرمون أصحاب هذا الفرح بالرجعية والتخلف؛ فلنعلم جميعًا أن الغناء حرام بنص القرآن وصحيح السنة وإجماع من يُعتد به من سلف الأمة.   • الأدلة من القرآن على تحريم الغناء: الدليل الأول: قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإذا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [لقمان: 6-7]. أخرج الحاكم وصححه البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "والله الذي لا إله غيره هو الغناء، يرددها ثلاث". قال ابن كثير: وكذا قال ابن عباس، وعلى بن أبي طالب وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول.   وقال ابن كثير رحمه الله في هذه الآية: لما ذكر الله تعالى السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله وينتفعون بسماعه، عطف بذكر حال الأشقياء الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على سماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب.   الدليل الثاني: قوله تعالى: ﴿ قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا * وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 63-64].
قال مجاهد: صوت الشيطان اللهو والغناء. ومعنى الآية: أي استفزز الساهين واللاهين بصوتك الذي هو الطرب والغناء، وما صاحبه من موسيقى وغيرها من المعازف، وأزهم أزًّا وحركهم إلى المعصية، ومرنهم على الفاحشة ومرنهم على الفجور، فكل من سمع الغناء فليعلم أن الشيطان قد استحوذ عليه فصار من حزبه وقد دعاه الشيطان فقال: لبيك.   قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذه الآية دليل على تحريم الغناء والمزامير واللهو، فما كان من صوت الشيطان أو فعله فيجب التنزه عنه، ثم أيد ما استنبطه بالحديث الذي رواه الإمام أحمد عن نافع مولى ابن عمر قال: "كنت أسير مع ابن عمر فلما سمع زمارة راعٍ فوضع أصبعيه في أذنيه وعدل راحلته إلى الطريق وهو يقول: يا نافع أتسمع، فأقول: نعم فيمضي حتى قلت: لا.
فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راعٍ فوضع أصبعيه في أذنيه كما فعلت". وفي رواية: "فصنع مثل هذا". قال القرطبي: وهذا في غناء هذا الزمان، عندما كان يخرج عن حد الاعتدال فكيف بغناء زماننا. يا الله، القرطبي يقول هذا وهو من القرن السادس من الهجرة، فكيف لو رأيت يا قرطبي زماننا؟   الدليل الثالث: قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]. قال محمد بن الحنفية - رحمه الله -: الزور هنا هو الغناء. والمعنى: أنهم لا يحضرون مجالس الباطل، وإذا مروا بكل ما يلهي من قول وعمل أكرموا أنفسهم أن يقفوا عليه أو يميلوا له، وقال الكلبي: لا يشهدون الزور: يعنى لا يحضرون مجالس الباطل.   الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الأنفال: 35]. قال ابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة: • المكاء: الصفير • التصدية: التصفيق والمقصود: أن الذين يصفقون ويصفرون في مزمار ونحوه، فيهم شبه من هؤلاء الذين كانوا يصفقون حول البيت ويتخذون ذلك عبادة.   • أما الأدلة من السنة فكثيرة نكتفي بحديث واحد لعدم الإطالة: ما أخرجه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف" ومعنى الحديث أنه سوف يأتي قوم يستحلون المحرمات ومنها: فروج النساء، ولبس الحرير أي للرجال وشرب الخمر، ويستمعون المعازف والغناء ويقولون: هذا مباح، فيعزفون ويطبلون ويرقصون ويغنون، وإذا جابهتهم وأنكرت عليهم قالوا: هذا مباح وقد صحت نبوته صلى الله عليه وسلم بذلك.   ويستفاد من الحديث تحريم الغناء وذلك من وجوه: • الأول: قوله يستحلون: إذًا الأصل حرمته لكنهم يستحلون ما حرم الله. • الثاني: اقترانه بالزنا والخمر ولبس الحرير وكل هذه الأمور محرمة.   قال ابن القيم - رحمه الله -: ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم الغناء وآلات الملاهي، فأقل ما يقال: أنها شعار الفُسَّاق وشربة الخمور. وما أخرجه الترمذي بسند حسن عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير شياطين، وصوت عند مصيبة" (صحيح الجامع: 5194).   وفي رواية أخري أخرجها البزار والضياء بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة" والمقصود بالمزمار عند النعمة هو الآلة التي يزمر بها.
(السلسة الصحيحة: 428، صحيح الجامع: 3801).   قال القرطبي وابن تيمية – رحمهما الله -: فيه دلالة علي تحريم الغناء، فإن المزمار هو نفس صوت الإنسان يُسمي مزمارًا كما في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه: لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود" (متفق عليه).أهـ وكان ابن عباس وعبد الله بن مسعود يقولا: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. وكان مالك يقول عن الغناء: "إنما يفعله عندنا الفاسق" ولذا كان القانون المصري سنة 1938 يرد شهادة المغنى والممثل. وكان الضحاك يقول: "الغناء مفسدة للقلب ومسخطة للرب". وكان الفضيل بن عياض يقول: "الغناء رقية الزنا".   ملاحظات وفوائد: 1- استخدام الرجال أنواع المعازف غير مسموح به حتى ولوكان دُفًّا؛ لأن الذي أبيح لهم الضرب بالدف هم النساء، وأما الرجال فلم يثبت إباحته لهم وأما حديث: "واضربوا عليه بالدفوف" فلا يصح الاستدلال به؛ لأنه حديث ضعيف. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (9/ 226): واستدل بعضهم بقوله: "واضربوا" على أن ذلك لا يختص بالنساء لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن بذلك للنساء، فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن.   2- الغناء المشروع للنساء هو ما كان بكلمات مباحة ليس فيها غزل، أو ما يثير الغرائز ويدعو إلى الفجور والمعاصي، كما هو حال كثير من الأغاني المنتشرة الآن، فكل ذلك حرام، وتزداد حرمته إذا صاحب ذلك نوع من أنواع المعازف، حتى ولو كان الدف فقط له جلاجل تصتكك بعضها ببعض.   قال ابن رجب رحمه الله في نزهة الأسماع في مسألة السماع صـ41: إنما كانت دفوفهم نحو الغرابيل، وغناؤهم إنشاد أشعار الجاهلية في أيام حروبهم، وما أشبه بذلك، فمن قاس ذلك على سماع أشعار الغزل مع الدفوف المصلصلة إلى التي فيها جلاجل فقد أخطأ غاية الخطأ، وقاس مع ظهور الفرق بين الفرع والأصل.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير