أرشيف المقالات

ضعف مواجهة الظواهر والعادات الدخيلة

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2ضعف مواجهة الظواهر والعادات الدخيلة   مضى معنا - في مناسبات سابقة - حديثٌ مُفصَّلٌ عن مجموعة من الظواهر والعادات الغريبة التي تسرَّبَتْ إلى بلاد المسلمين، فتأثَّر بها بعضُ شبابنا أيما تأثُّر، وتفاعلوا معها بكثير من الاهتمام والحرص حتى صارت عندهم نمَطَ حياةٍ، وطريقةَ تفكيرٍ، وأجملْنا هذه العادات الدخيلة في ست عادات: ظاهرة الوشم، وظاهرة قصَّات الشعر المعاصرة، وظاهرة ثقب الجسد بالأقراط، وظاهرة لُبْس الثياب الممزَّقة، وظاهرة تشبُّه الرجال بالنساء، وتشبُّه النساء بالرجال، ثم ظاهرة لُبْس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية، ثم ذكرنا أن لهذه المظاهر دوافعَ موضوعيةً عديدةً، ذكرنا منها تقصير بعض الأُسَر في تنشئة الأبناء على مواجهة هذه العادات، والاستعمال السيئ للأجهزة الإلكترونية، وبخاصة الهاتف المحمول.   ونودُّ اليوم - إن شاء الله تعالى - أن نطرق الدافع الثالث الذي يتجلَّى في ضعف مواجهة هذه العادات، مركزين على جهتين اثنتين: • مؤسسات التعليم والتربية التي يُنتظر منها أن تستنفر جميع المؤهلات الإدارية والتربوية، في منهج تكامُلي يشمل جميع الموادِّ والعلوم - المحضة منها والإنسانية - لتخريج الطلاب الأَكْفَاء، والعلماء الصالحين الذين تنتظرُهم الأُمَّة، مع توسيع الوعاء الزمني لما يُسمَّى بالتربية الدينية المركزة على تعليم أبنائنا أمور عقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وحدود تقليد غيرهم.   يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيَّته لجميع المدرسين: "إنَّكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالِك، رعاياها أطفال الأُمَّة، فسُوسُوهم بالرِّفْق والإحسان...
إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأُمَّة بين أيديكم، سَلَّمَتْهم إليكم أطفالًا، لتردُّوها إليها رجالًا، وقدَّمَتْهم إليكم هياكلَ، لتنفخوا فيها الرُّوح، وألفاظًا لتعمروها بالمعاني، وأوْعِية لتملؤوها بالفضيلة والمعرفة"، وفي الحديث: ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))؛ مسلم.   ومن الإجراءات الإدارية الوجيهة ضرورة تفعيل القانون الداخلي للمؤسسات التعليمية الذي برع بعض المديرين ومساعديهم - جزاهم الله خيرًا - في التنصيص فيه - وبعبارات واضحة - على ضرورة ارتداء اللباس الذي يتماشى مع مقتضيات الوقار والحشمة، مع لُبْس الوزرة للذكور والإناث منسدلةً إلى الركبتين، وذاتَ كُمَّين طويلين، وخاليةً من الكتابات والرسومات، مع التشديد على منع ارتداء السراويل الممزَّقة، والمشقوقة، والمترهِّلة، والتنبيه على المخاطر الاجتماعية والتربوية والصحية للوشوم التي بدأت تغزو بعض شبابنا، والمنع من قصَّات الشعر الغريبة المنافية لعاداتنا وثقافتنا، وبخاصة حلاقة القزع، ومنع استعمال بعض الفتيات لمظاهر الزينة المثيرة، مع الأمر المتكرِّر بحُسْن السلوك والانضباط اللذين يجب أن يحكما علاقة المتعلِّم بغيره داخل المؤسسة التعليمية وفي محيطها، في أفق سَرَيانِهما في علاقاته العامة، وهو عمل يستحقُّ أهلُه كل التقدير والاحترام، فَسقيًا لهم وَرَعْيًا، ﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 136].   لقد فطنت بعض المؤسسات الغربية والشرقية إلى خطورة تفشِّي هذه العادات، فبادرت إلى إصدار قوانين زاجرة، ومبادرات رادعة: • ففي بلجيكا، صدر بيانٌ يمنع السراويل الممزَّقة والضيِّقة جدًّا في الثانويات، وينصُّ على طرد أصحابها، وأعلنت بعض المدارس والثانويات هناك عن تغيير قوانينها في بداية الموسم الدراسي الجديد لسنة: 2018 -2019، وتمَّ إشعار أولياء أمور التلاميذ أن الثانويات لا تسمح بارتداء السراويل الممزَّقة والضيقة، وبعض أنواع الأحذية غير العادية، وكلُّ مَنْ يُخالف قوانين الثانويات والمدارس الجديدة المكتوبة في البيان، سيتمُّ طردُه حتى يلتزم بالقانون.   • وفي فرنسا منعت إدارة أحدِ المعاهد المعروفةِ المتعلمين من دخول الأقسام بالسراويل الممزَّقة، وأجبرتهم على العودة إلى منازلهم لتغييرها بملابس تليق بالمؤسسة التربوية؛ بل إن بعض المتعلمين أُجبِروا على الانتظار أمام المعهد إلى حين وصول أوليائهم الذين جلبوا لهم ملابس أخرى.   • وأُثيرت في إحدى الدول قضية الملابس المشوَّهة التي لا تنسجم مع الفضاء الجامعي، وانضمَّ إليها إطلاق حملة مجتمعية لحظر ارتداء تلك الألبسة التي تخدش الحياء، ولا تتوافق مع تقاليد البلد، مع التنبيه إلى أن الحفاظ على تعاليم الإسلام والأخلاق العامة وتقاليد المجتمع، مطلبٌ مُهِمٌّ يحمي الأسرة والمجتمع جميعًا.   وهذا التعاون بين المؤسسة التعليمية والمجتمع، أمرٌ وَجَد له مساغًا في بعض الدول الغربية أيضًا: • ففي ولاية "لويزيانا" يتمُّ تغريم الشخص الذي يرتدي السروال المتدلي 500 دولار أمريكي وَفْقًا لقانون تم إقرارُه عام 2004 م، يمنع الفرد من إظهار ملابسه الداخلية.   • وقررت إدارة النقل بمدينة "فورت وورث"، إحدى مدن ولاية "تكساس"، منع مرتدي هذا النوع من السراويل من ركوب حافلاتها؛ استجابةً لشكاوى الركاب، وذلك بعد أن وضعت على الحافلات شعارات توجيهية.   • وصوَّت مجلس مدينة "أوكالا" بولاية "فلوريدا" الأمريكية على قانون يمنع هذه السراويل في الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية.   الإعلام: لقد أصبح للإعلام تأثيرٌ قويٌّ في تشكيل نمط حياة كثير من الشباب، تأثيرٌ في المظهر الخارجي، وتأثيرٌ في السلوك الاجتماعي، وتأثيرٌ في العلاقات التواصلية بين الأفراد، وبخاصة أفراد الأسرة الواحدة، حين صار لكل فرد جهازه الإعلامي، يُقلِّب فيه ما يراه مناسبًا له من أخبار، أو دعايات، أو إشهارات، أو أفلام ومسلسلات، أو نقاشات لموضوعات معينة غالبًا ما تُحدِث الشقاق والخلاف بين الآباء والأبناء.   وبما أن الغرب له السبق في العولمة الإعلامية، حتى إن دولة تجتهد ليلَ نهارَ في إعادة تشكيل أخلاق المسلمين بإنتاج شريط فيديو إباحي جديد كل 39 دقيقة، فإن ثقافة الأجانب صارت حاضرةً في كثيرٍ من البرامج الثقافية والاجتماعية والتحليلية، مما ينعكس على شبابنا بألوان من الظواهر السلبية؛ مثل: الاغتراب، والعزلة، والقلق الذي قد يفضي أحيانًا إلى الاكتئاب، والعدوانية، والميل إلى الانحراف، وسلطة المال والنساء، وحب الاستهلاك، وحب الظهور بمظهر الإنسان المعاصر، المهتم بقضايا الأناقة والجمال.   أما البرامج التليفزيونية، فتعرض أفلامًا ومسلسلات وحتى إشهارات غالبًا ما تُظهِر الفتيات ذوات المستوى الاجتماعي الراقي بملابس غير محتشمة، ومع تكرُّر المشهد، يترسَّخ في نفوس كثير من الفتيات أن الاتِّصاف بالرُّقي الاجتماعي، وتحقيق إعجاب الناس، والنعت بالتحضُّر والحداثة؛ إنما هو بالخروج عن هذا اللباس الساتر، والظهور بمظهر المتحرِّرة من القيود، الثائرة على الأعراف.   ومن أخطر البرامج، تلك المصورة تصويرًا موسيقيًّا، بحيث تُركِّز على لقطات إيحائية معينة، تُحدِث مفعولًا تأثيريًّا سريعًا في نفوس المهووسين بهذا النمط من اللهو والعبث الذي يُروِّج غالبًا لنمط الحياة الغربية.   ففي دراسة ميدانية أُجريت على نحو مائة أغنية من أغاني الشباب المصوَّرة التي جمعت بين حبكة الصورة المروِّجة للأخلاق الهابطة، ولون الموسيقى الذي ابتُلي به هؤلاء الشباب، فتبيَّن أن هذه الأغاني اشتملت على 7353 لقطة، منها 2056 مشهدًا راقِصًا، و1409 لقطات مثيرة، و2400 لقطة قريبة، و146 لقطة يلامس فيها الرجالُ النساءَ.   وأثبتت دراسة أخرى على مجموعة من الفضائيات العربية المشهورة، أن نسبة اللقطات المثيرة بلغت 77%، أما اللقطات الراقصة والحركية فبلغت 51%، وإيماءات الوجه الموحية بلغت 10%، وبلغت الألفاظ الهابطة 10%.   فكيف إذا أضفنا إلى كل هذه الدراسات، إغراق العالم بالقنوات الفضائية التي تجاوزت 5000 فضائية، من بينها 520 فضائية تبثُّ باللغة العربية، ووجود أكثر من 20 مليون موقع إباحي مفتوح على الإنترنت، وأكثر من 372 مليون صفحة، تُروِّج موادَّ جنسيةً مختلفةً.   قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]. وَغُضَّ عن المحارمِ منكَ طَرْفًا طَمُوحًا يفتِنُ الرجُلَ اللَّبِيبا ‏ فخائنةُ العيونِ كَأُسْدِ غابٍ إذا ما أُهمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبا ‏ ومَنْ يَغضُضْ فُضولَ الطَّرْفِ عنها يَجدْ في قلبه روحًا وطِيبا



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير