أرشيف المقالات

من صور الإساءة إلى الأطفال

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الحمد لله الذي بحمده تدوم النعم، وبشكره تزول النقم، والصلاة والسلام على رسوله المرسل لخير الأمم، وبعد، فتُعد ظاهرة الإساءة للأطفال إحدى الظواهر الاجتماعية السلبية التي تُعاني منها كثيرٌ من المجتمعات المُعاصرة نتيجةً للعديد من الأسباب المختلفة التي تتكرر بين الأجيال المختلفة بصورٍ مباشرةٍ وغير مباشرة.
وهنا لابد من توضيح أن المقصود بالإساءة إلى الأطفال يتمثل في أي تعاملٍ مباشرٍ أو غير مباشر يؤدي إلى حصول أي نوعٍ من أنواع الإيذاء الجسمي أو النفسي لهم نتيجةً لسوء التعامل المقصود أو غير المقصود في أي موقفٍ من المواقف الحياتية.
ومن صور تلك الإساءة عدم اللطف في التعامل القولي أو الفعلي معهم كالعنف والقسوة في التعامل معهم ، أو إغلاظ القول لهم ، أو الصراخ عليهم ، أو العبوس في وجوههم ، أو عدم التواني عن شتمهم أو تعييرهم ، أو السُخرية منهم وتحقيرهم ، أو تخويفهم ، أو ضربهم ، أو حبسهم الانفرادي وحرمانهم من اللعب والتسلية ، أو إحراقهم بالنار ، أو تهديدهم وحرمانهم من حقوقهم ، أو الاعتداء عليهم وإيذائهم بأي نوعٍ من الأذى القولي أو الفعلي الذي يجرح كرامتهم ويُقلل ثقتهم بأنفُسهم ، ونحو ذلك من الأقوال أو الأفعال التي تُسيء بطريقةٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة إلى شخصياتهم ، أو تؤثر على نفسياتهم ، أو تُفقدهم سعادتهم ، أو تنعكس على تعاملاتهم بشكلٍ سلبي. 

ويندرج تحت صور هذه الإساءات الإهمال المتعمد لحاجاتهم ومتطلباتهم الضرورية للحياة وحرمانهم منها ، ومن الصور المنتشرة في بعض المجتمعات استغلالهم في بعض الأعمال أو النشاطات غير المشروعة أو غير المناسبة لأعمارهم. 

والحقيقة التي لا شك فيها أن كل أنواع الإساءات الجسميةً أو النفسية ، أو القولية أو الفعلية ، أو غيرها تُعد ذات أضرارٍ كبيرةٍ وسلبياتٍ خطيرة عليهم سواءً أكانت هذه الأضرار والسلبيات آنيةً أو مُستقبلية ، ومن الطبيعي أن تكون هذه الأضرار والسلبيات تبعًا لنوعية الإساءة وقوتها وكيفية حصولها .

أما أسباب انتشار هذه الظاهرة ، فيُمكن أن يرجع إلى عدة أسبابٍ يأتي من أبرزها ما يلي :
1= ضعف الوازع الديني وانعدام مبدأ المراقبة الذاتية ، وعدم الخوف من الله تعالى عند البعض بصورةٍ لا يتوانى معها عن القيام بأي نوعٍ من أنواع الإساءة للأطفال .
2= عدم تطبيق الأحكام والحدود الشرعية بشكلٍ فوريٍ يردع المعتدين ، ويؤدب المسيئين لبراءة الطفولة ، وبخاصةٍ في بعض حالات الإساءة التي تستوجب ذلك ؛ فإن من أمن العقوبة أساء الأدب كما هو معلوم .
3= انخفاض نسبة الوعي عند بعض الآباء والأُمهات بحقوق الأطفال وواجباتهم على النحو الصحيح ، وعدم إحساسهما بعِظم المسؤولية نحو تربية أطفالهم وأهمية العناية بهم ، ويرجع ذلك غالبًا لصغر السن ، أو عدم الاكتراث واللامبالاة بهذا الشأن .
4= عدم توافر الأمن والاستقرار الأُسري في المنزل نتيجةً لكثرة النزاعات والمُشكلات الأُسرية بين الأبوين الأمر الذي يترتب عليه الخلاف المستمر ، وانعدام التفاهم حول كيفية تربية الأطفال والعناية اللازمة بهم . 
5= انتشار بعض الظواهر الاجتماعية السلبية بشكلٍ ملحوظ ، ولاسيما أنها تلعب دورًا كبيرًا في انتشار ظاهرة سوء معاملة الأطفال كإدمان المخدرات ، أو شرب المُسكرات ، أو بعض حالات التفكك الأُسري ، أو الخلافات الزوجية ، أو الانفصال بين الزوجين ، أو اليُتم ، أو البطالة والفقر ، ونحو ذلك من الظواهر الأُخرى التي لها أثرٌ كبير في انتشار صور الإساءة إلى الأطفال . 
6= عدم تواني الكثير من وسائل الإعلام الحديثة عن بث ونشر وتكريس بعض المفاهيم المغلوطة ذات العلاقة بهذا الشأن بصورٍ مؤسفةٍ تُشجع في مضمونها بطريقةٍ مُباشرةٍ أو غير مباشرة على الفساد والإفساد في شتى مناحي الحياة .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن من المؤكد أن كثيرًا ممن يُسيئون التعامل مع الأطفال لا يُدركون خطورة ما يقومون به، أو أنهم ممن يفتقدون إلى الوعي الكامل بمضار ذلك التصرف الخاطئ وسلبياته ، وربما كانوا أثناء إساءتهم للأطفال في حالةٍ من الغضب الشديد ، أو عدم الوعي والإدراك ، أو نحو ذلك . 

وهنا يمكن القول : إنه إذا كان هناك من الآباء والأُمهات من لا يتعامل بمنهج الإسلام السامي ، وتربيته المثالية ، وتعاليمه السمحة مع الأطفال ، فلا شك أن مرد ذلك إلى أحد الأسباب التالية : 
أولاً / الجهل وعدم المعرفة والإلمام اللازم بالمنهج التربوي الإسلامي الصحيح في كيفية التعامل مع الأطفال . 
ثانيًا / عدم القدرة على تطبيق هذا المنهج لأسبابٍ مختلفة كالمرض أو المُشكلات الصحية ، أو الفقر والحاجة ، أو نحو ذلك . 
ثالثًا / أن يكون البعض منهم على قناعةٍ تامةٍ بأن ما يقوم به هو المنهج الصحيح الذي عليه أن يمارسه ويتعامل به مع الأطفال ، وهذا واحدٌ من الأخطاء الشائعة التي تنتشر عند فئةِ ليست بالقليلة من أفراد المجتمع . 

وختامًا : فإن ظاهرة الإساءة إلى الأطفال بأي صورةٍ من الصور تُعد خلالاً اجتماعيًا له العديد من السلبيات ويترتب عليه الكثير من المفاسد ، ونحن مطالبون بأن نتصدى لهذه الظاهرة المؤسفة ولغيرها من الظواهر السلبية بكل ما يُمكن من الطرائق والكيفيات الفردية والمجتمعية التي تكفل لنا بإذن الله تعالى حماية المجتمع من كل ما يؤثر عليه ويُهدد سلامة أفراده . 
والله تعالى أسأل لنا جميعًا التوفيق والسداد ، والصلاح والفلاح، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. 


صالح بن علي أبو عرَّاد

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢