أرشيف المقالات

عناية الصحابة رضي الله عنهم بطلب العلم وتعليمه-1 - فهد بن عبد العزيز الشويرخ

مدة قراءة المادة : 21 دقائق .
الحمد لله رب العالمين، الذي رفع منزلة العلم وأهله، فجعلهم في الخير قادة، وفي الهُدى أئمة وَسادة.
والصلاة والسلام على أشرف وأفضل معلم للبشرية، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، القائل: إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا؛ ولكنهم ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍّ وافر.
ورضي الله عن الصحابة الكرام، الذين قال فيهم ابن مسعود رضي الله عنه: إنهم أبرُّ الأمة قلوبًا، وأعمقها علومًا، وأقلُّها تكلُّفًا.
لقد كان للصحابة رضي الله عنهم عناية بالعلم، فتعلَّمُوه وعلَّمُوه لغيرهم، وقد جمعتُ بفضل الله وكرمه ما تيسَّر لي من أقوالٍ وأفعالٍ لهم حول طلب العلم وتعليمه، أسأل الله الكريم أن ينفعني وجميع المسلمين بما جمعتُ، ولا يخفى أن المقصود بالعلم: العلم الشرعي المبني على ما جاء في الكتاب والسنة، فهو العلم النافع، المحقق لسعادة الدارين: الدنيا والآخرة.
فضل العلم
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "كفى بالعلم شرفًا أن يدَّعيه من لا يُحسِنُه، ويفرح به إذا نُسب إليه"؛ [ابن جماعة في تذكرة السامع].
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: "مُعلِّم الخير، يستغفر له كلُّ شيء حتى الحوت في البحر"، وعنه قال: "ما يسلك رجل طريقًا يلتمسُ فيه العلم، إلا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة "؛ [ابن أبي شيبة في المصنف].
وعنه قال: "تذاكر العلم بعض ليلة أحبُّ إليَّ من إحيائها"[عبدالرزاق في المصنف].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "أغدُ عالِمًا أو مُتعلِّمًا، ولا خير فيما سواهما"
وعنه قال: "منهومان لا يشبعان: صاحب العلم، وصاحب الدنيا، ولا يستويان؛ أما صاحب العلم فيزداد رضا للرحمن، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان، ثم قرأ: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: "معلِّم الخير والمتعلم في الأجر سواء، وليس لسائر الناس بعد خير"، وعنه قال: "الناس عالم ومُتعلِّم، ولا خيرَ فيما بعد ذلك".
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: "لا يزال الناس بخيرٍ ما بقي الأوَّل حتى يتعلَّم الآخر، فإذا هلك الأوَّلُ قبل أن يتعلَّم الآخرُ هلك الناس".
وعن كعب رضي الله عنه قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلَّا متعلِّمَ خيرٍ أو مُعلِّمَه
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "منهومان لا يشبعان: طالب علم، وطالب دنيا"؛ [الدارمي في السنن].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "مذاكرة للعلم ساعة خيرٌ من قيام ليلة"؛ [الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقِّه].
الحثُّ على طلب العلم
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "تفقَّهوا قبل أن تُسودُوا".[ البخاري في الصحيح]
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "إن الرجل لا يُولَد عالِمًا؛ وإنما العلم بالتعلُّم"؛ [ابن أبي شيبة في المصنف].
وعنه قال: "عليكم بالعلم قبل أن يُقبَض، وقبْضُه أن يذهب بأصحابه، عليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه، أو يفتقر إلى ما عنده"، وعنه قال: "أغد عالِمًا، أو مُتعلِّمًا، أو مستمعًا، ولا تكن الرابع فتهلك"، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: "ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجُهَّالكم لا يتعلمون، فتعلَّموا قبل أن يُرفَع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء"؛ [الدارمي في السنن].
التنبيه إلى أهمية الإخلاص في طلب العلم
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "لا تعلموا العلم لثلاث: لتُماروا به السفهاء، وتُجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله؛ فإنه يدوم ويبقى، وينفذ ما سواه...كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سُرج الليل، جدد القلوب ، خلقان الثياب، تُعرفون في أهل السماء، وتخفون على أهل الأرض"؛ [الدارمي في السنن].
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "من طلب العلم لأربع دخل النار - أو نحو هذه الكلمة - ليُباهي به العلماء، أو ليُماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، أو ليأخذ به من الأمراء"؛ [الدارمي في السنن].
الحرص على تحصيل العلم
التفرغ لطلب العلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفقُ بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطنه، ويحضُرُ ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون"؛ [البخاري في الصحيح].
 
 التناوب في طلب العلم إذا تعذَّر التفرغ له:           
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "كنت أنا وجارٍ لي من الأنصار، في بني أمية بن زيد، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئتُه بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك"؛ [البخاري في الصحيح].
اغتنام وجود العلماء لطلب العلم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "لما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ لرجل من الأنصار: يا فلان، هلمَّ فلنسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا بن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ ترى؟! فترك ذلك، وأقبلتُ على المسألة...
قال: وكان ذلك الرجل بعد ذلك يراني، وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحتاج الناس إليَّ، فيقول: كُنتَ أعقلَ مني يا بن عباس"؛ [البخاري في الصحيح].
العلم ما أورث الخشية من الله
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "ليس العلم بكثرة الرواية؛ ولكن العلم الخشية"؛ [الأصبهاني في حلية الأولياء]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، قال: من يخشى الله فهو عالم"؛ [الدارمي في السنن].
طلب العلم على العلماء الراسخين فيه
عن عبدالرحمن بن يزيد، قال: "أتينا حُذيفة، فقلنا: دُلنا على أقرب الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم هَدْيًا وسَمْتًا ودلًّا نأخذ عنه ونسمع منه، فقال: كان من أقرب الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم هَدْيًا وسَمْتًا ودلًّا ابنُ أُمِّ عبدٍ حتى يتوارى عنِّي في بيته"؛ [أحمد في المسند]
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "لا يزال الناس صالحين متماسكين، ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا"؛ [عبدالرزاق في المصنف].
وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: "قالت لي عائشة : يا بن أختي، بلغني أن عبدالله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج ، فالْقَه فاسأله؛ فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علمًا كثيرًا، قال: فلقيته فسألته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ [مسلم في الصحيح].
الاتباع والحذر من الابتداع
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "إنكم ستجدون أقوامًا يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع، وإيَّاكم والتنطُّع، وإيَّاكم والتعمُّق، وعليكم بالعتيق"؛ [الدارمي في السنن].
الحفظ
الحفظ على قدر النية:
عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: "إنما يحفظ الرجل على قدر نيَّته"؛ [الدارمي في السنن].
  الذنوب سبب للنسيان وعدم الحفظ:
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "إني لأحسب الرجل ينسى العلم، كان يعلمه بالخطيئة يعملها"؛ [الدارمي في السنن].
 الحرص على حفظ السنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، مَنْ أسعدُ الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لقد ظننْتُ يا أبا هريرة ألَّا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّل منك لما رأيتُ من حرصك على الحديث، أسعدُ الناس بشفاعتي يوم القيامة مَنْ قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» ))؛ [البخاري في الصحيح].
تقييد العلم وكتابته
عن عمر بن الخطاب وابنه عمر وأنس رضي الله عنهم، قالوا: "قيِّدوا العلم بالكتاب"؛ [الدارمي في السنن]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب الحديث، ولا أكتب"؛ [البخاري في الصحيح].
مذاكرة المحفوظ ومراجعته
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث، فإذا قُمْنا تذاكرناه فيما بينا حتى نحفظه"؛ [الخطيب في الجامع]
 وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: "تذاكروا؛ فإن الحديث يُذكر بعضه بعضًا"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا سمِعتم منِّي حديثًا فتذاكروه بينكم"؛ [الخطيب في شرف أصحاب الحديث].
الرحلة لطلب العلم
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن نزلت، ولا أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه"؛ [البخاري ومسلم].
 عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: "بلغني حديث عن رجل سمِعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريتُ بعيرًا، ثم شددتُ عليه رحلي، فسرتُ إليه شهرًا، حتى قدمتُ عليه الشام ، فإذا عبدالله بن أُنيس، فقلتُ للبواب: قُل له جابر على الباب، فقال: ابن عبدالله؟ قلتُ: نعم، فخرج يطأُ ثوبه، فاعتنقني واعتنقتُه، فقلتُ: حديثًا بلغني عنك أنك سمِعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيتُ أن تموتَ، أو أموتَ قبل أن أسمعه"؛ [أحمد في المسند].
وعن عبدالله بن بريدة: "أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وهو بمصر، فقدم عليه وهو يمدُّ ناقة له، فقال: إني لم آتِكَ زائرًا؛ إنما أتيتُكَ لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجوت أن يكون عندك منه علم"؛ [أحمد في المسند].
أخلاق وآداب المتعلم
التخلق بجميل الآداب ومكارم الأخلاق :
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يا طالب العلم، إن العلم ذو فضائل كثيرة، فرأسُه التواضُع، وعينه البراءة من الحسد ، ولسانه الصدق ، وقلبه حسن النية، ويده الرحمة، وحكمته الورع، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة، وسيفه الرضا ، وفرسه المداراة، وماله الأدب، وذخيرته اجتناب الذنوب، وزاده المعروف، ورفيقه صحبة الأخيار"؛ [الخطيب في الفقيه والمتفقه].
الذهاب للعالم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "كنتُ لآتي الرجل في الحديث، يبلغني أنه سمِعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلًا فأتوسَّدُ ردائي على بابه، فتسفي الريحُ على وجهي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا بن عم رسول الله، ما جاء بك؟ ألا أرسلتَ إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا حق أن آتيك، فأسأله عن الحديث"؛ [الدارمي في السنن].
وعن زر بن حبيش رضي الله عنه، قال: "أتيت صفوان بن عسال، فقعدت على بابه، فخرج فقال: ما شأنك؟ قلت: أطلب العلم، قال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رِضًا بما يطلب"؛ [النسائي في السنن].
مهابة العالم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قلتُ: يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت: والله إن كنتُ لأريدُ أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيعُ هيبةً لك، قال: ما ظننتُ أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به"[البخاري ومسلم].
 وعن سعيد بن المسيب رحمه الله، قال: "قلت لسعد بن أبي وقاص: إني أُريد أن أسألَكَ عن حديث وأنا أهابك أن أسألك عنه، فقال: لا تفعل يا بن أخي إذا علمت أن عندي علمًا فسَلْني عنه، ولا تهبني"؛ [أحمد في المسند].
عدم إزعاج العالم في وقت راحته:
كان ابن عباس رضي الله عنهما: "يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريدُ أن يسأله عن الحديث، فيُقالُ له: إنه نائم، فيضطجع على الباب، فيُقال له: ألا نوقظه؟ فيقول: لا"، وعنه رضي الله عنهما قال: "وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار، وإن كنتُ لأقيل بباب أحدهم، ولو شئت أن يُؤذَن لي عليه لَأُذِنَ لِي عَلَيْهِ؛ ولكن أبتغي بذاك طيب نفسه"؛ [الخطيب في الجمع لأخلاق الراوي].
احترام العالم وتوقيره:
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "من حقِّ العالم عليك ألَّا تفشينَّ له سرًّا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا تجلسنَّ أمامه، وأن تحفظ سِرَّه ومغيبه ما حفظ أمر الله"؛ [الخطيب في الفقيه والمتفقه].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يأخذ بركاب دابَّة زيد بن ثابت الأنصاري، ويقول: "هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا"، وفي رواية: فقال له زيد: "أنت ابن عمِّ رسول الله"، فقال له ابن عباس: "وأنت أنت، ورُئِيَ رضي الله عنهما يأخُذُ بركاب أُبي بن كعب، فقيل له: أنت ابن عمِّ رسول الله، تأخذ بركاب رجل من الأنصار؟ فقال: إنه ينبغي للحَبْر أن يُعظَّمَ ويُشرَّف"؛ [الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي].
 
آداب مجلس العلم
عدم الإطالة خشية الإملال والسآمة:
قال رجل لابن مسعود رضي الله عنه: "يا أبا عبدالرحمن، لودِدْتُ أنك ذكَّرتنا كل يوم، قال: أما إنه ما يَمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكُم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه يتخوَّلنا بها مخافة السآمة علينا"؛ [البخاري في الصحيح].
 وقال رضي الله عنه: "حدِّث القوم ما رمقوك بأبصارهم، فإذا رأيتهم تثاءبُوا، واتَّكأ بعضُهم على بعض، فقد انصرفت قلوبُهم فلا تُحدِّثهم"؛ [الخطيب في الجامع].
وقال رضي الله عنه: "لا تملوا الناس"؛ [الدارمي في السنن].
توقير مجلس العلم:
عن أسامة بن شريك رضي الله عنه، قال: "أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كأنما على رؤوسهم الطير، فسلَّمت ثم قعدت"؛ [أبو داود في السنن].
إحضار الصغار لمجالس العلم، وأدبهم مع وجود الكبار:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، حدثوني: ما هي؟))، قال: فوقع الناس في شجر البوادي، قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ثم قالوا: حدِّثنا: ما هي يا رسول الله؟ قال: ((هي النخلة))؛ [البخاري ومسلم]، وفي رواية قال ابن عمر: فإذا أنا عاشر عشرة أنا أُحدِّثهم، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرِهت أن أتكلَّم، فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، وحدثته بما كان في نفسي أنها النخلة، فقال عمر: لأن تكون قلتها أحبُّ إلى من حُمُر النِّعَم.
البكور في الحضور لمجلس العلم:
عن نافع رحمه الله، قال: سألت ابن عمر عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( «اللهم بارك لأُمَّتي في بكورها» ))؛ فقال: في طلب العلم، والصف الأول؛ [الخطيب في الجامع].
جلوس المتعلم حيث انتهى به المجلس:
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: "كنا إذا انتهينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، جلس أحدنا حيث انتهى"؛ [أبو داود في السنن].
أدب السؤال
إدراك العلم بالسؤال:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "والله ما نزلت آية إلَّا وقد علمت: فيمَ أنزلت؟ وأين أنزلت؟ وإن ربي وهب لي قلبًا عقولًا ولسانًا سؤولًا"؛ [الأصبهاني في حلية الأولياء].
وسُئِلَ ابن عباس رضي الله عنهما: "بِمَ أدركت العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول"؛ [أحمد في فضائل الصحابة].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "زيادة العلم الابتغاء، ودرك العلم السؤال"؛ [ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله].
الحياء لا يمنع من السؤال والتفقُّه في أمور الدين:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "لا يستحيي جاهل أن يسأل عمَّا لا يعلم"؛ [الأصبهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "نعم النساء نساءُ الأنصار، لم يكن يمنعهنَّ الحياءُ أن يسألنَ عن الدين، ويتفقهنَ فيه"؛ [مسلم في الصحيح].
السؤال فيما لا يُعرفُ ويُشكل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ؛ فيه ساعة لا يُصادفها عبدٌ مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجةً إلا أعطاه إيَّاها))، قال أبو هريرة: ثم لقيت عبدالله بن سلام فحدثته، فقال: قد علمت أيَّة ساعةٍ هي، قال أبو هريرة: فأخبرني بها، قال: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقال أبو هريرة: كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة، وقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُصادفها عبد مسلم وهو يصلي))، وتلك الساعة لا يُصلَّى فيها؟ فقال عبدالله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى يُصلِّي))؟ قال أبو هريرة: بلى، قال عبدالله بن سلام: هو ذاك"؛ [أبو داود في السنن].
عدم سؤال العالم في وقت وحال غير مناسب له:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كنتُ آتي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا رأيته نائمًا لم أوقظه، وإذا رأيته مغمومًا لم أسأله، وإذا رأيته مشغولًا لم أسأله"؛ [الخطيب].
عدم السؤال عن مسائل لم تقع:
كان زيد بن ثابت الأنصاري إذا سُئل عن الأمر يقول: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم، قد كان، حدَّث فيه بالذي يعلم والذي يرى، وإن قالوا: لم يكن، قال: فذروه حتى يكون، وسُئل عمار بن ياسر عن مسألة، فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: دعونا حتى تكون، فإذا كانت تجشمناها لكم، وعن مسروق كنت أمشي مع أُبي بن كعب، فقال فتى: ما تقول يا عمَّاه في كذا وكذا؟ قال: يا بن أخي، أكان هذا؟ قال: لا، قال: فأعْفِنا حتى يكون، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: يا أيها الناس، لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله، فيذهب بكم هنا وهنا، فإنكم إن لم تعجلوا بالبلاء قبل نزوله، لم ينفكَّ المسلمون أن يكون فيهم مَنْ إذا سُئل سدَّد، وإذا قال وُفِّق؛ [الدارمي في السنن]، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه خرج على الناس، فقال: أحرج عليكم أن تسألونا عمَّا لم يكن، فإن لنا فيما كان شغلًا؛ [الخطيب في الفقيه والمتفقه].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢