إلى رواد العمل الخيري: لا تنسوا قلوبكم
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
إلى رواد العمل الخيري: لا تنسوا قلوبكمالحمد لله، وبعد:
فإن الأهداف الساميةَ التي يسعى القائمون على العمل الخيري - أيًّا كان موقعهم - في تحقيقها، تجعلُهم في مصافِّ العظماء وإن لم يشعروا، وإن الجهود العظيمة التي يقومون بها من إطعام الطعام، وكسوة الفقراء، والسعي على الأرملة واليتيم، وإعانة المحتاج، وإيواء الأيتام وتربيتهم، والتعليم والإرشاد، وبذل المعروف، ونحوها، من تفريج الهموم، وتنفيس الكروب على الأُسَر والمحتاجين، ومساعدة الشباب على التعفُّف وغيرها - تتطلَّب منهم الحرصَ على سلامةِ هذه الجهود، ونقاء هذه الأهداف مِن أن تشوبَها شائبةٌ؛ لتبقى عظيمةً في الدنيا والآخرة.
فالعاملون في المجالِ الخيري ومنفعةِ الناس، مِن فضل الله - سبحانه وتعالى - عليهم أنْ هيَّأ لهم عملاً ومؤسَّساتٍ توفِّر لهم المكانَ والوسائل؛ ليكونوا سببًا مِن أسبابِ الخير والرحمة في المجتمعاتِ، وبهذا ينبغي أن يشعُروا بنعمةِ الله عليهم وفضلِه، وما اختاره لهم مِن مهمة؛ ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4].
وحتى تبقى أعمالُهم صافيةً سليمةً سامقة، عليهم بتعهُّد قلوبهم، ومراقبة أحوالهم مع الله - سبحانه وتعالى - من أول قدم يضعونها في هذا الطريق، وفي أثناء الطريق، وحتى النهاية؛ ويكون ذلك بسلوكٍ مستمرٍّ، وبرنامج ثابت في مسارين، هما:
الأول: العناية بأعمال القلوب:فيبقى الإخلاصُ سيدَ الموقف دائمًا، وتعهده ومجاهدة النَّفس فيه، لا يغفل عنها العامل؛ فمداخلُ النفس ومصايدُ الشيطان أخفى من أن تراها العيون، وأبعدُ من أن تدركَها الظنون، وليس أعرف بها من صاحبها، فيجاهد المرءُ نفسَه، ويجدِّد عزمه، ويصقل نيتَه باستمرار؛ ليحفظ جوهرَ جهده، وينال أجرَه من ربِّه كاملاً، فتطيب نفسُه - بإذن الله تعالى - وتسعَد في الدنيا والآخرة.
ويتحرى الصدق مع الله في أعماله، ويحرص بكلِّ ما أوتيَ من قوة أن يقدِّم عملاً صادقًا، يدفعُهُ الشعورُ الداخليُّ، ويَزينُه الأسلوبُ الحسنُ، ويَردفه الشكرُ لله والحمد له وحده على توفيقِه، ويسبقه الدعاءُ بالتوفيق والسداد، ويمنعُ عنه المنَّ والحديثَ بالإنجازِ لغير مصلحةٍ شرعية معتبرة لا شخصية، ويحرسه من ثناءِ الناس ومدحهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
الثاني: دوام الاتصال بالله - سبحانه وتعالى - والتعلق بما عنده: فالعاملُ في المجال الخيري قد يَغرَق في زحمةِ العمل، وينشغلُ في موجةِ المهام المكلَّف بها، وقد ينسى حتى مصالحَه الشخصيةَ أحيانًا، خاصة إذا أَعطى العمل كليتَه وجهدَه، وشعورَه ونفْسَه وأنفاسه، وهو - ولا شك - في مرتبةٍ عظيمة وعزةٍ وشرف كبير، غير أنه يقعُ في غفلةٍ وسهو - وإن لم يقصد - عن أن يخصصَ له وقتًا وعملاً - وإن قل - يكونُ بينه وبين الله تعالى؛ كصلاةِ ليلٍ، أو خَلوة ذِكر، أو جلسة تدبُّرٍ لآياتٍ من كتاب الله، أو لحظة دعاء واستغفار ينطرحُ فيها بين يدي مولاه، معترفًا بفقره إليه، سائلاً مستغفرًا راجيًا، يملأُ قلبه إيمانًا ويقينًا؛ ليكونَ وقودَه الذي لا ينتهي في طريقِه إلى اللهِ سبحانه وتعالى، فلا غنى لأحدٍ - مهما بلغ جهدُه وجهادُه - عن أن يكونَ له اتصالٌ بخالقِهِ ورازقه؛ ولذا لا تستغربْ مِن عظيمِ الإنجازات التي حققها الصحابةُ - رضوان الله عليهم - في برهةٍ من الزمن؛ فقد كانوا مع عظيم الجهود والأعمال التي يقومون بها، كانوا على اتصالٍ دائم بالله - سبحانه وتعالى.
وحتى يتغلبَ على حظوظ النفس، ويتذوقَ حلاوة الصبر على صعوبة العمل، أو قلة ذات اليد وضعف المردود الدنيوي - لتكن الجنةُ والفوز برضوان الله -تعالى- قضيةً حاضرة بين عينيه، ممتلئًا بها خاطرُه، ومتعلقًا بها قلبُه في كلِّ حركةٍ وسكون، وجهد ومهمة في هذا الطريق.
إلى روَّاد العمل الخيري وجنوده: هنيئًا لكم عظيم المهمة وشريف المنزلة، والتي تجعلكم أحرصَ على سلامتِها مِن حرصِكم على سلامة أبدانِكم.
سدَّد اللهُ خطاكم، وبارك في جهودكم، وتقبَّل أعمالَكم، ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].
وصلى اللهُ وسلَّم على النبيِّ الكريم وآله وصحبه أجمعين.