أرشيف المقالات

في الإصلاح الاجتماعي

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
في الإصلاح الاجتماعي

إن الله سبحانه وتعالى يطلب من المؤمن أن يكون إيجابيًّا في مجتمعه، إذا رأى منكرًا ينكره، ويُوجِّه الواقعين فيه إلى الخلاص منه، ويحذرهم من خطره، وإذا رأى معروفًا أو خيرًا لا يُمارَس، يأمر بأدائه، ويُعَرِّف به وفَضْلِه، فالمسلم يعمل على إصلاح مجتمعه لقوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وقال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
 
فمما لا شك فيه أن أي شيء إذا أَحْكَمْت غلقه، فإنه إذا كان هناك من يحاول فتحه فمع مضي الزمن سيُفْتَح، فالله سبحانه وتعالى كما رأينا وَضَعَ من المبادئ والأسس الاجتماعية ما يضمَنُ بقاء الجماعة الإسلامية إلى يوم القيامة، ولكن مع وجود النفس الأمَّارة بالسوء، والهوى، والشهوات، وشياطين الإنس والجن، كل هؤلاء يدعون إلى الفساد والتحلل من تلك المبادئ والأسس، فكان لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ دَرْءًا ودفعًا للوساوس والشهوات؛ بحيث لو تغلَّب أحدهم على فردٍ ما، وجد من يُذَكِّره ويعظه، فيبقى الخير.
 
ومجتمعٌ خالٍ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مجتمع يعج بالفتن والشهوات، فهو كالسنبلة، تأتي بها الريح وتذهب، ويصبح ذلك المجتمع عرضة للانحراف والهلاك، وهذا ما حدث مع المجتمع المسلم، فيوم أن غاب الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، أصابت المجتمع فتنةُ المال، ومن بعدها توالت الفتن تترى، فانحط المجتمع في وحلٍ من الشهوات والملذات، فتداعت عليه الأمم، وزالت هيبته، واضمحلت ريادته، فبعد أن كان سائدًا تتْبَعُه الأمم، أصبح مَسُودًا تابعًا لغيره، لا يملك حتى رأيه.
 
ولذلك علق الله تبارك وتعالى خيريَّة هذه الأمة وأفضليتها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، فقدَّم الله أداتَي الإصلاح الاجتماعي على الإيمان به؛ لأنه بغيرهما لن يكون هناك إيمان، إلا بقدرة الله تبارك وتعالى.
 
ونظرًا لأهمية هذا الإصلاح في المجتمع، وجَّهَ الله تبارك وتعالى رسالةً إلى الْمُرَبِّين يوجههم فيها إلى ضرورة توجيه الأولاد إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي دورهم في الإصلاح الاجتماعي، وجاءت هذه الوصية على لسان لقمان الحكيم، وهو يوصي ابنه، قال تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
 
فيصبح لزامًا على المربين آباءً ومعلمين، ليس فقط أن يأمروا هم أبناءهم وطلابهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، بل أن يوجهوهم إلى القيام بهذا الدور فيكونوا هم آمرين وناهين، وأن يقصوا عليهم ما جاء في القرآن من قصص تتعلق بهذا الأمر، ويُظهِروا لهم أهميته وضرورته في الإصلاح، وفضله وثوابه عند الله، كيف أنه دورُ من اصطفاهم الله من رسله وأنبيائه؛ لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور؟ فهم - بالقيام بهذا الدور- يقتدون بالرسل، ويشاركونهم صفةً من صفاتهم، حتى يلمس هذا السلوك شَغَافَ قلوبهم، فيرتبطوا به ويَشِبُّوا عليه، وينفعلوا به.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢