أرشيف المقالات

هل نجح خادم اليهود؟

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 للأستاذ نقولا الحداد لم ينجح ترومان ولم يفشل دبوي.
وإنما نجح الحزب الديمقراطي وفشل الحزب الجمهوري؛ لأن أكثرية الشعب الأمريكي الساحقة هي ديمقراطية المبدأ.
إن المبدأ الجمهوري يميل إلى تعضيد الرأسمالية، وجميع أعوانه ماليون وممن يلوذون بالماليين وأصحاب الأعمال الكبرى المساهمون والمضاربون وكل من يشتغل بتثمير المال.
وأما المبدأ الديمقراطي فيعضد العمل وأعوانه الزراع والصناع وأهل الحرف والمهن والصناعات والمستخدمون ومتوسطو الحال.
وهم لاشك السواد الأعظم من الشعب.
ومع ذلك صوت كثيرون منهم مع دبوي اعتباراً لشخصيته لا لمبادئه.
ولكنهم لم يكفوا الترجيح كفنه. ولطالما غرس الصهيونيون الأفاكون في عقول الناس أن الرعاية الأمريكية في أيديهم وأنهم إذا راعوا ترومان كان ترومان، وإذا راعوا غيره كان غيره.

ولعل ترومان كان يظن هذا أيضاً.
ولكن لما حميت معركة الانتخابات انحاز يهود ولاية نيويورك (وتعدادها 18 مليوناً ويهودها ثلاثة ملايين وهم لصف يهود أمريكا كلها) انحازوا إلى دبوي لأن مصالحهم المالية تكون مضمونة في عهد رياسة دبوي ولاتهمهم فلسطين عشر معشار ما تهمهم ماليتهم.
وكان رجال العلم والسياسة والأعمال والمال والاقتصاد يراهنون مائة إلى واحد مع دبوي ليقينهم أن دبوي رجل الساعة.
وهو أكفأ ألف مرة من ترومان.
ولذلك صوت معه كثيرون من الديمقراطيين (من خصوم حزبه).
ومع ذلك خاب وخسروا الرهان.
وقد نسى هؤلاء المراهنون عواطف الأمة.
الأمة لا تسعى وراء العلم والمقدرة السياسية ونحوهما، وإنما تسعى لمن يضمن لها مصلحة الفرد أولا ومصلحة الجمهور أخيراً.
ولذلك انتخب ترومان بل لأنه كفيل بتنفيذ المبادئ الديمقراطية.
فليس ترومان هو الذي انتصر، وإنما الديمقراطية هي التي انتصرت.
وستظل تنتصر مادام الحزب الجمهوري يناصر المال وأصحاب المرافق وأسباب الأرزاق يتحكمون فيه. هذه سنة الاجتماع الأخيرة.
والحزب الجمهوري لن تقوم له قائمة بعد الآن إلا إذا نقح مبادئه وعد لها كثيراً بحيث تستهوي طبقة المتعيشين بكدهم وكدحهم. كان الحزب الجمهوري متفوقاً على عهد تيودور روزفلت السابق الذي تولى رئاسة الجمهورية مرتين، وكان في سياسته يخالف مبادئ حزبه أحياناً ليمالئ الحزب الديمقراطي.
وكان كثيرون من الرؤساء السابقين جمهوريين لأن الصولة كانت للماليين وأرباب الأعمال الكبرى أيام كانت سياسته الولايات المتحدة الأمريكية عرضة للرياح السياسية الخارجية ويخشى عليها منها يوم كانت الولايات المتحدة لا تزال الثالثة بين الدول الكبرى فكانت تحتاج إلى قيادة رأسماليين وأرباب أعمال - قيادة متيمة قوية.
ولكن لما خرجت من الحرب الكبرى الأولى وأسطولها الثاني شرعت تستقل في كيانها وتطغى في بنيانها.
وما شبت الحرب الثانية الأخيرة حتى صار أسطولها البحري الأول وأسطولها الجوي الأول وقوتها البرية ترعب.
حينئذ صارت تطمح إلى الاستعمار التجاري والبترولي.
فلم تعد تستند إلى حزب جمهوري رأس مالي بل إلى حزب شعبي عملي صناعي زراعي.
فقويت فيها الديمقراطية.
فمن يكن مرشح الحزب الديمقراطي يحرز قصب السيق ولو كان مغفلاً. ولعل القارئ يعجب ويتساءل: لماذا صوت يهود ولاية نيويورك لدبوي وهم نصف يهود أمريكا؟ والجواب أن اليهود رأسماليون، فيهرعون إلى حيث تكون خيانة المال.
فصوتوا مع الجمهوريين لأن الضمانة هناك أشد، وما كان تشدق الصهيونيين بأن ترومان يسترضيهم لكي يصوتوا له إلا أفكا وبهتاناً.
ودعاية في الشرق فقط. ولا ريب أن ترومان كان يراعي خواطرهم إلى حد ما لكي يكسبهم في معركة الانتخابات؛ ولكنه لم يحتج إليهم وعنده معظم الشعب وأخيراً عرف نفاقهم حين صوتوا لدبوي.
فهل يا ترى يبقى مغفلاً يخدم أغراضهم كما يزعمون، أم أنه يشيح بوجهه عنهم بعد الآن وينظر إلى مصلحة بلاده قبل مصلحتهم وأمامه أربع سنين هو فيها غني عن اليهود، على فرض أنهم ينفعونه بشيء؟ مع كل ذلك لم يخدمهم الخدمة الجلي كما كانوا يتوقعون.
كانوا ينتظرون أن يجهز لهم قوة عسكرية كافية لتنفيذ مشروع التقسيم.
ولو فعل لتم التقسيم فعلا في يوم واحد.
ولكن لم يشأ أن يفعل ولم يستطع أن يفعل لأن الكونجرس لا يوافقه على أن يرسل أبناءه الشبان الأمريكان لكي ينشئوا دولة لبني إسرائيل. أما الآن فلا ندري هل يصر ترومان على أن يحول دون مشروع العقوبات لنا قضي الهدنة وهو يعلم أن اليهود لا العرب كانوا ولا يزالون ينقضونها.
فكان يود أن ينقذهم من العقوبات. على أن الأمر المضحك في هذه الهدنة أنها تنقض كل ساعة ومجلس الأمن يتهدد كل ساعة ناقضيها بالعقوبات.
وإلى الآن لم نر عقوبة وقعت على ناقض هدنة. وأغرب من كل غريب أن مندوب أمريكا في مجلس الأمن يقترح تأليف لجنة لبحث إجراءات تنفيذ الهدنة، حتى إذا خالفها أحد الطرفين كان على الجنة أن تبادر إلى دراسة ما تراه إجراءات تأديبية لتوقعها على المخالف.
ووجه الغرابة هو وضع الحصان وراء العربة لا أمامها؛ لأن العادة في كل تشريع أن يكون إعلان العقوبة قبل ارتكاب الجناية أي بعد أن يعلم أي الفريقين نقض الهدنة. والهدنة تنقض كل يوم ويبلغ خبرها إلى مجلس الأمن ولا تكون نتيجة البلاغ إلا تكرار دعوة مجلس الأمن العرب واليهود إلى احترام الهدنة، وهو يعلم أن اليهود لا العرب هم الذين ينقضونها.
وإلى الآن لم يعترف مجلس الأمن بأن الهدنة غير محترمة.
فما معنى إصدار أوامر لا تحترم يوماً بعد يوم؟ والله لو كان صبيان يتولون الأمر لربأوا بأنفسهم أن يكرروا إصدار هذه الأوامر السخيفة. وختام نذكر الهدنة بالخير ولم نعرف الهدنة ساعة واحدة.
ما نحن إلا في حرب.
فعلى جامعتنا العربية إن كانت تحسن عملا أن تنعى الهدنة لمجلس الأمن وتبلغه أننا في حرب ما دام اليهود يتهجمون ونحن مضطرون أن ندافع - حتام تمثل هذه المهزلة؟ والمهزلة الكبرى أن مجلس الأمن (الموقر) لا يريد أن يلتفت إلى مسألة اللاجئين الذين أشفوا على الهلاك كأن آمرهم لا يعنيه وكأن نكبتهم ليست من نتائج القضية التي ينظر فيها أو يتولى أمرها أو كأنها ليست من مخلات الأمن التي هي في دائرة اختصاصه. اليهود الملاعين طغوا وبغوا وقتلوا ونكلوا وأخرجوا الناس من بيوتهم إلى العراء ومجلس الأمن الموكل بالأمن يترك أمر المشردين لأهل البر والإحسان. فما هو الأمن الموكل به مجلس الأمن؟ إن أقذار اليهود واقعة على رأس مجلس الأمن وقد تورط كل بدنه فيها.
ومع ذلك لا يزال يزعم أنه يحافظ على الأمن. أي أمن هذا يا هؤلاء؟ أليس لكم عيون تبصر وآذان تسمع وقلب تفقه؟ ألا تخجلون أن يركبكم الصهيونيون وينخسوكم بالمناخيس؟ أن كان في عروقكم دم يجري بالنخوة والمروءة فحصلوا من يهود العالم المتضامنين الأموال التي نهبها الصهيونيون من العرب وأنفقوها على اللاجئين والمشردين، وإلا فمجلس الأمن وهيئة الأمم لليهود شركاء، وهم جميعاً في العدوان والطغيان سواء. نقولا الحداد.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ١