أرشيف المقالات

رسالة إلى كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
رسالة إلى كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر
﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾
 
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فإن الله عز وجل خاطب نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ورائهن نساء الأمة جميعًا، قائلًا: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]، وهذه بعض أقوال المفسِّرين في بيان معنى التبرُّج المذكور في الآية:
قال أبو عبيدة بن المثنى: التبرُّج: هو أن يُبرزْنَ محاسنَهُنَّ فيُظهرنْها[1].
وقال أبو إسحاق الزَّجَّاج: التبرج: إظهار الزينة، وما تُستدعَى به شهوةُ الرجل[2].
ونقل الطبري عن بعض المفسرين قوله: التبرُّج: هو إظهار الزينة، وإبراز المرأة محاسنَها للرجال[3].
 
وقال القرطبي: التبرُّج: التكشُّف والظهور للعيون، ومنه: بروج مُشيَّدة، وبروج السماء والأسوار؛ أي: لا حائل دونها يسترها[4].
وقال الله عز وجل: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 60].
 
قال المفسِّرون[5]: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا ﴾: هن كبيرات السن، اللاتي انقطع عنهن الحيضُ، ويئسن من الولد، واللاتي بلغْنَ ألَّا يكون لهن في الرجال حاجة، ولا للرجال فيهن حاجة، قد أذن الله لهن في التخفُّف في التستُّر، فليس عليهن من الحرج في التستُّر كما على غيرهن من النساء، ومع ذلك فإن الله عز وجل لم يأذن لهُنَّ في التبرُّج بزينةٍ، فكيف بالمرأة الشابة، فإن النهي في حقِّها أشدُّ!
 
ومع نهي الله عز وجل المؤمنات عن التبرُّج، فقد أمرهن بالتستُّر بالخمار والجلباب؛ فقال تبارك وتعالى: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ﴾ [النور: 31].
وخُمُر: جمع خِمار.
وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].
 
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صِنْفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسْنِمة البُخْت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجِدْنَ ريحَها، وإن ريحها ليُوجَد من مسيرة كذا وكذا))[6]، وفي رواية: ((وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة))[7].
 
ففي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك صنفينِ من الناس سيكونان من أهل النار في الآخرة، وهذان الصنفان لم يرهما النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ أي: إنهما سيأتيان من بعده، وذكر الصنف الثاني منهما بقوله: ((ونساء كاسيات عاريات))، وكاسيات: جمع كاسية؛ أي: تلبس ثيابًا، فكيف تكون هؤلاء النساء كاسيات وعاريات في نفس الوقت؟! فهذا الحديث من معجزات النبوَّة؛ إذ إنه تحقَّق حرفيًّا منذ زمن قريب، فتجد المرأة تلبس الثياب الضيِّقة أو الشفَّافة أو القصيرة، التي تُظهِر مفاتنها، وتُبرِز عورتها، وتخرج تسير في الطُّرقات ولا تبالي! فهي كاسية بالاسم، عارية في الحقيقة، فما هو جزاء هؤلاء الكاسيات العاريات كما جاء في هذا الحديث؟ جاء في أول الحديث أنهُنَّ من أهل النار، ثم في آخره أنهنَّ لن يدخلن الجنة، ولن يجِدْنَ ريحها، فلا أدري هل هناك امرأة عاقلة تشتري النار وتبيع الجنة بثيابٍ ضيقةٍ، لا تستطيع أن تعيش إلا بها؟! وهل هناك رجل عاقل يعرض نفسه وأهله لسَخَط الله وعذابه بتفريطه في رعايتهن وتعليمهن أمرَ دينِهنَّ، وأمرهن بطاعة الله ورسوله؟!
 
وفي الختام بعد أن ذكرتُ كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فماذا نحن فاعلون؟!
هل سنقول كما قالت بنو إسرائيل من قبلنا: ﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ [البقرة: 93]؟ أم سنقول كما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]؟
 
وماذا ننتظر؟! والموت يتخطَّف الناس من حولنا، ويوشك والله أن يصيبنا سهمُه، ونحن لا زلنا في غفلتنا؛ قال تعالى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان، ويبقى معه واحد؛ يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله))[8].
 
وقال بعضهم:

قد مضى العمرُ وفات
يا أسيرَ الغَفلات

حصِّل الزادَ وبادِر
مُسرعًا قبلَ الممات

لم يَلِنْ قلبُك أصلًا
بالزواجرِ والعِظات

بينما الإنسانُ يسأل
عن أخيه قيلَ مات

[1] مجاز القرآن (2/ 138)، ونقله عنه البخاري في صحيحه (6/ 117).

[2] معاني القرآن وإعرابه؛ للزجاج (4/ 225).

[3] تفسير الطبري، ت شاكر (20/ 260).

[4] تفسير القرطبي (12/ 309).

[5] تفسير الطبري، ت شاكر (19/ 216)، وتفسير ابن كثير، ت سلامة (6/ 83) وغيرهما من كتب التفسير.

[6] صحيح مسلم (2128)، ومسند أحمد، ط الرسالة (14/ 300).

[7] موطأ مالك، ت الأعظمي (5/ 1339).

[8] صحيح البخاري (6514)، وصحيح مسلم (2960).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢