فضل المحافظة على الصلاة
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
فضل المحافظة على الصلاةالحمد لله، مالك الملك، يُؤتي الملك مَنْ يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويُعزُّ مَنْ يشاء، ويُذِلُّ مَنْ يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن المحافظة على الصلاة لها فضل عظيم عند الله تعالى، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
قال جل شأنه: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، روى أبو داود عن قتادة بن ربعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: ((إني فرضت على أُمَّتِك خمس صلوات، وعهدت عندي عهدًا أنه مَنْ جاء يحافظ عليهن لوقتهن، أدخلتُه الجنة، ومَنْ لم يحافظ عليهن، فلا عهد له عندي))، (حديث حسن) (صحيح سنن أبي داود؛ للألباني، حديث: 415).
قوله: ((خمس صلوات))؛ أي: في اليوم والليلة.
قوله: ((وعهدت عندي عهدًا أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن، أدخلتُه الجنة))؛ أي: مع السابقين الأولين؛ (فيض القدير؛ عبدالرؤوف المناوي، جـ4، صـ 637).
قوله: ((فلا عهد له عندي))؛ أي: أمره مفوض إليَّ في تعذيبه أو إدخاله الجنة؛ (حاشية السندي على سنن ابن ماجه، جـ 1، صـ 428).
روى أبو داود الطيالسي عن أبي إدريس الخولاني، قال: كنت في مجلس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيهم عبادة بن الصامت، فذكروا الوتر، فقال بعضهم: واجب، وقال بعضهم: سنة، فقال عبادة بن الصامت: أما أنا، فأشهد أني سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم من عند الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد، إن الله عز وجل يقول: إني قد فرضت على أُمَّتك خمس صلوات، مَنْ وافى بهن على وضوئهن ومواقيتهن وركوعهن وسجودهن، فإن له عندي بهن عهدًا أن أدخله بهن الجنة، ومَنْ لقيني قد انتقص من ذلك شيئًا، فليس له عندي عهد، إنْ شئتُ عذَّبْتُه، وإنْ شِئتُ رحمتُه))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع؛ للألباني، حديث:77).
قوله: ((وضوئهن))؛ أي: بمراعاة فرائض الوضوء وسُننه.
قوله: ((ومواقيتهن))؛ أي: في أوقاتهن المختارة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].
قوله: ((وركوعهن وسجودهن))؛ أي: بمراعاة الشروط والسنن الفعلية والقولية في الركوع والسجود، مع الخشوع وسكون الجوارح عن العبث، والقلب عن أن يشتغل بغير ما هو فيه من صلاته بأن يكون مُتأمِّلًا لمعاني قراءته وأذكاره، وللسبب الذي شرع كل ركن لأجله من القيام بين يدي الرب تعظيمًا وإجلالًا، ومن الركوع وهو الانقياد ظاهرًا وباطنًا، ومن السجود وهو غاية التذلُّل والخضوع والانكسار.
قوله: ((له عندي بهن عهدًا))؛ أي: وعد، والعهد: حفظ الشيء ومراعاته حالًا فحالًا، سمى ما كان من الله تعالى على طريقة المجازاة لعباده عهدًا؛ على جهة مقابلة عهده على العباد، ولأنه وعد القائمين بحفظ عهده ألَّا يعذبهم، ووعده حقيقٌ بألا يخلفه، فسمي وعده عهدًا؛ لأنه أوثق من كل وعد؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح؛ علي الهروي، جـ 2، صـ 511:510).
فضل انتظار الصلاة:
روى ابن ماجه عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا، قد حفزه النفس، وقد حسر عن ركبتيه، فقال: ((أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضةً، وهم ينتظرون أخرى))؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن ابن ماجه؛ للألباني، حديث:653).
معاني الكلمات:
عقب: بقي.
حفزه: أعجله.
حسر: كشف.
يباهي: يفاخر.
الشرح:
قوله: "وعقب من عقب"؛ أي: أقام في مصلاه بعدما يفرغ من الصلاة.
قوله: "حفزه النفس"؛ أي: أعجلَه النفس.
فائدة الحديث:
انتظار الصلاة بعد الصلاة من أسباب مُباهاة ربِّ العزة لملائكته بمن فعل ذلك؛ (نيل الأوطار؛ للشوكاني، جـ 2، صـ 79).
أول ما يُحاسب الله عليه المسلم يوم القيامة: روى الترمذي عن أبي هريرة قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أوَّل ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوُّع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك))؛ (حديث صحيح)، صحيح سنن الترمذي؛ للألباني، حديث 337).
معاني الكلمات:
أفلح: فاز.
خسر: هلك.
تطوع: كل ما زاد على الفريضة.
الشرح:
((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته)):
قوله: ((من عمله))؛ أي: طاعاته، ((صلاته))؛ أي: المفروضة عليه.
قال الأبهري رحمه الله: وجه الجمع بين هذا، وبين قوله صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء)) أن الأول (وهي الصلاة) من حق الله تعالى، والثاني (وهي الدماء) من حقوق العباد.
قوله: ((فإن صلحت))؛ أي: بأدائها صحيحةً ومقبولةً عند الله تعالى.
قوله: ((أفلح))؛ أي: نجا من العقاب.
قوله: ((وأنجح))؛ أي: حصل له الثواب الجزيل من الله تعالى يوم القيامة.
قوله: ((وإن فسدت))؛ أي: بأن لم يُصلِّها، أو أُدِّيَتْ غيرَ صحيحةٍ، أو غير مقبولة.
قوله: ((خاب وخسر))؛ أي: خاب بحرمانه من الثواب، وهلك بوقوع العقوبة عليه.
قوله: ((هل لعبدي من تطوع؟))؛ أي: قال الله تعالى لملائكته (وهو أعلم منهم): انظروا يا ملائكتي في صحيفة عبدي، هل تجدون له صلاة سنة أو نافلة.
قوله: ((ثم يكون سائر عمله)): من الصوم والزكاة وغيرهما ((على ذلك))؛ أي: إن ترك شيئًا من المفروض يكمل له بالتطوُّع؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح؛ علي الهروي، جـ 3، صـ 997).
شهادة الملائكة للمصلين:
روى البخاري عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون))؛ (البخاري، حديث:555).
الشرح:
قوله: ((يتعاقبون))؛ أي: تأتي طائفة عقب طائفة، ثم تعود الأولى عقب الثانية.
قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرةً ويعقبه هذا، ومنه تعقيب الجيوش أن يجهز الأمير بعثًا إلى مدة، ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز غيرهم إلى مدة، ثم يأذن لهم في الرجوع بعد أن يجهز الأولين؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ 34).
قوله: ((يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر)):
قال القاضي عياض رحمه الله: الحكمة في اجتماعهم في هاتين الصلاتين من لطف الله تعالى بعباده وإكرامه لهم بأن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده؛ لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ 35).
قوله: ((فيسألهم كيف تركتم عبادي؟)):
قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير، واستنطاقهم بما يقتضي التعطُّف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة مَنْ قال من الملائكة: ﴿ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]؛ أي: وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ 36).
وقال القاضي عياض رحمه الله: هذا السؤال على سبيل التعبُّد للملائكة، كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم، وهو سبحانه وتعالى أعلم من الجميع بالجميع؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ 37).
فوائد الحديث:
(1) يستفاد من هذا الحديث أن الصلاة أعلى العبادات؛ لأنه عنها وقع السؤال والجواب.
(2) الحديث دليل على عظم صلاتي الفجر والعصر؛ لكونهما تجتمع فيهما طائفتان من الملائكة، وفي غيرهما طائفة واحدة.
(3) الحديث فيه تشريف هذه الأمة على غيرها، ويستلزم تشريف نبيها على غيره.
(4) الحديث فيه الإخبار بالغيوب، ويترتب عليه زيادة الإيمان.
(5) الحديث فيه الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتى نتيقَّظ ونتحفَّظ في الأوامر والنواهي، ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربنا وسؤال ربنا عنا.
(6) الحديث فيه إعلامنا بحب ملائكة الله لنا لنزداد فيهم حبًّا، ونتقرَّب إلى الله بذلك؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ 37).
ختامًا:
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.