Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


كان عبد الله بن الزبير أعاد بناء الكعبة بعد أن تخربت في الحصار الأول الذي قاده الحصين بن نمير من قبل يزيد بن معاوية على قواعدها القديمة، وجعل لها بابين كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عادت وتضررت الكعبة في الحصار الثاني الذي قاده الحجاج بن يوسف الذي استعمل كذلك المنجنيق، مما أدى إلى هدم أجزاء من الكعبة، وبعد أن قتل الحجاج ابن الزبير وسيطر على مكة كتب إلى الخليفة عبد الملك بن مروان: أن ابن الزبير قد زاد في البيت ما ليس فيه، وقد أحدث فيه بابا آخر، فأمر عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف أن يعيد بناء الكعبة إلى ما كانت عليه في عهد قريش، وذلك لعدم علم عبد الملك بحديث عائشة رضي الله عنها في رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم, فهدم الحجاج منها ستة أذرع وبناها على أساس قريش، وسد الباب الغربي وسد ما تحت عتبة الباب الشرقي لارتفاع أربعة أذرع، ووضع مصراعان يغلقان الباب.


هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي المكي ثم المدني، صحابي جليل، وابن ثاني خلفاء المسلمين عمر بن الخطاب، وعالم من علماء الصحابة، لقب بشيخ الصحابة رضي الله عنه، أسلم قديما مع أبيه ولم يبلغ الحلم، وهاجرا وعمره عشر سنين، وقد استصغر يوم أحد، فلما كان يوم الخندق أجازه وهو ابن خمس عشرة سنة فشهدها وما بعدها، وهو شقيق حفصة بنت عمر أم المؤمنين، أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون، وكان عبد الله بن عمر ربعة من الرجال، آدم له جمة تضرب إلى منكبيه، جسيما, وهو أحد المكثرين في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، عرضت عليه الخلافة بعد موت يزيد بن معاوية فأبى ذلك حتى لا يقتل بسببه أحد توجه للمدينة بعد الحرة وبقي فيها إلى مقدم الحجاج.

كان عبد الله بن عمر حريصا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله، فيصلي في ذات المكان، ويدعو قائما كالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب عبادة منذ صغره، وكان ينام في المسجد.

قال عنه صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل).

فصار لا ينام من الليل إلا قليلا إلى أن مات، وكان إذا صلى من الليل، قال لمولاه نافع: أسحرنا؟ -يعني: هل دخلنا في وقت السحر- فيقول: لا.

ثم يصلي، فيقول: أسحرنا؟ حتى يقول: نعم.

فيوتر، هكذا يصلي سائر الليل، وكان يغفي إغفاءة الطائر، ينام نومة يسيرة.

توفي بمكة وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان ابن عمر يسابق الحجاج في الحج إلى الأماكن التي يعلم أن رسول الله يسلكها، فعز ذلك على الحجاج، وكان ابن عمر قد أوصى أن يدفن في الليل، فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج, ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين، وصلى عليه الحجاج نفسه، فرضي الله عن ابن عمر وأرضاه وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.


هو جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري، أحد المكثرين في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، شهد العقبة الثانية مع أبيه، فكان آخر من توفي في المدينة من أصحاب العقبة، عمي في آخر عمره، لم يستطع أن يشهد بدرا ولا أحدا، فلما استشهد أبوه في أحد لم يتخلف بعدها عن مشهد بعد ذلك، توفي في المدينة سنة أربع وسبعين، وقيل: سبع وسبعين.

وقيل غير ذلك، وصلى عليه أبان بن عثمان، وكان أمير المدينة، وكان عمره أربعا وتسعين سنة.


لما قتل ابن الزبير واجتمع المسلمون على عبد الملك بن مروان جهز جيشا كبيرا واستعمل عليهم وعلى أفريقيا حسان بن النعمان الغساني وسيرهم إليها، فلم يدخل أفريقيا قط جيش مثله، فلما ورد القيروان تجهز منها وسار إلى قرطاجنة، وكان صاحبها أعظم ملوك أفريقيا، ولم يكن المسلمون قط حاربوها، فلما وصل إليها رأى بها من الروم والبربر مالا يحصى كثرة، فقتلهم وحصرهم، وقتل منهم كثيرا، فلما رأوا ذلك اجتمع رأيهم على الهرب، فركبوا في مراكبهم وسار بعضهم إلى صقلية، وبعضهم إلى الأندلس، ودخلها حسان بالسيف فسبى ونهب وقتلهم قتلا ذريعا، وأرسل الجيوش فيما حولها، فأسرعوا إليه خوفا، فأمرهم فهدموا من قرطاجنة ما قدروا عليه، ثم بلغه أن الروم والبربر قد أجمعوا له في شطفورة وبنزرت، وهما مدينتان، فسار إليهم وقاتلهم ولقي منهم شدة وقوة، فصبر لهم المسلمون، فانهزمت الروم، وكثر القتل فيهم، واستولوا على بلادهم، ولم يترك حسان موضعا من بلادهم إلا وطئه، وخافه أهل أفريقيا خوفا شديدا، ولجأ المنهزمون من الروم إلى مدينة باجة فتحصنوا بها، وتحصن البربر بمدينة بونة، فعاد حسان إلى القيروان لأن الجراح قد كثرت في أصحابه، فأقام بها حتى صحوا.

وبعد ضرب الروم التفت حسان إلى زعامة البربر، فقال: دلوني على أعظم من بقي من ملوك أفريقيا؟ فدلوه على امرأة تملك البربر وتعرف بالكاهنة، والتقى حسان بن النعمان بالكاهنة عند نهر يدعى نيني أو مسكيانة على مرحلة من باغاي ومجانة، فانتصرت الكاهنة وقتل من المسلمين خلق كثير، وانسحب حسان إلى قابس.

وقامت الكاهنة بالهيمنة على المغرب كله بعد حسان، وقالت: إن العرب إنما يطلبون من أفريقيا المدائن والذهب والفضة، ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقيا كلها.

حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر, واستجاب لها قومها من جراوة الذين كان يغلب عليهم الطابع البدوي، فذهبوا إلى كل ناحية يقطعون الشجر، ويهدمون الحصون, فكانت أفريقيا من طرابلس إلى طنجة ظلا وقرى متصلة فأخرجت جميع ذلك، وقد أضر هذا التخريب بالبرانس والأفارقة حتى ألجأهم إلى الفرار وطلب المساعدة، وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، فيتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية, وملكت الكاهنة أفريقيا، وأساءت السيرة في أهلها وظلمتهم.


لما استولى باذ الكردي على الموصل، اهتم صمصام الدولة ووزيره ابن سعدان بأمره، فوقع الاختيار على إنفاذ زيار بن شهراكويه، وهو أكبر قوادهم، فأمره بالمسير إلى قتاله، وجهزه، وبالغ في أمره، وأكثر معه الرجال والعدد والأموال، وسار إلى باذ، فخرج إليهم، ولقيهم في صفر، فأجلت الوقعة عن هزيمة باذ وأصحابه، وأسر كثير من عسكره وأهله، وحملوا إلى بغداد فشهروا بها، وملك الديلم الموصل، فراسل باذ الكردي زيارا وسعدا يطلب الصلح، فاستقر الحال بينهم، واصطلحوا على أن تكون ديار بكر لباذ، والنصف من طور عبدين أيضا، وانحدر زيار إلى بغداد، وأقام سعد بالموصل.


دخلت القرامطة البصرة لما علموا بموت عضد الدولة، ولم يكن لهم قوة على حصارها، فجمع لهم مال فأخذوه وانصرفوا.


سار تتش بن ألب أرسلان صاحب دمشق، بعد عود شرف الدولة عن دمشق، وقصد الساحل الشامي، فافتتح أنطرطوس، وبعضا من الحصون، وعاد إلى دمشق.


حصر الأمير تميم بن المعز بن باديس، صاحب إفريقية، مدينة قابس حصارا شديدا، وضيق على أهلها، وعاث عساكره في بساتينها المعروفة بالغابة فأفسدوها.


بعد أن أصبح أحمد بن سليمان بن هود أميرا لسرقسطة بعهد أبيه توفي في هذا العام وكان يلقب بالمقتدر بالله، وكان قبل وفاته قد قسم مملكته بين ولديه فأعطى المؤتمن سرقسطة وأعمالها، وأعطى المنذر بلاد الثغر الأعلى دانية ولاردة، ولكن المؤتمن أعلن الحرب على أخيه للاستيلاء على حصته مستعينا بكمبيادرو النصراني حليف أبيه فقام المنذر بالاستنصار بسانشو ملك أراجون لكنه انهزم أمام أخيه، أما طليطلة فإن أهلها ثاروا على أميرها القادر ذي النون فهرب من المدينة ولجأ إلى قونكة، وكتب إلى ألفونسو ملك قشتالة وطلب المعونة منه فاستجاب له وأعاده إلى طليطلة.


هو داود بن السلطان ملك شاه، جزع عليه والده جزعا شديدا، وحزن حزنا عظيما، ومنع من أخذه وغسله، حتى تغيرت رائحته، وأراد قتل نفسه مرات، فمنعه خواصه، وأمر بالنياحة عليه في البلد، ففعل ذلك عدة أيام، وجلس له وزير الخليفة في العزاء ببغداد.


هو الإمام، العلامة، الحافظ، ذو الفنون، القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي الأندلسي، القرطبي، الباجي، الفقيه المالكي، صاحب التصانيف.

ولد سنة 403هـ أصله من مدينة بطليوس، فتحول جده إلى باجة -بليدة بقرب إشبيلية- فنسب إليها، وليست باجة المدينة التي بإفريقية، التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الباجي، وابنه الحافظ الأوحد أبو عمر أحمد بن عبد الله بن الباجي، وهما من علماء الأندلس أيضا.

كان أبو الوليد أحد الحفاظ المكثرين في الفقه والحديث، سمع الحديث ورحل فيه إلى بلاد المشرق فسمع هناك الكثير، واجتمع بأئمة ذلك الوقت، كالقاضي أبي الطيب الطبري، وأبي إسحاق الشيرازي، وجاور بمكة ثلاث سنين مع الشيخ أبي ذر الهروي، وأقام ببغداد ثلاث سنين، وبالموصل سنة عند أبي جعفر السمناني قاضيها، فأخذ عنه الفقه والأصول، وسمع الخطيب البغدادي وسمع منه الخطيب أيضا، ثم عاد إلى بلده بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، حصله مع الفقر والتقنع باليسير، وتولى القضاء هناك، ويقال: إنه تولى قضاء حلب أيضا.

له مصنفات عديدة منها: ((المنتقى في الفقه)), و((المعاني في شرح الموطأ))، و((إحكام الفصول في أحكام الأصول))، و((الجرح والتعديل))، وغير ذلك، قال القاضي عياض: "آجر أبو الوليد نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان لما رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق، قال لي أصحابه: كان يخرج إلينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة، إلى أن فشا علمه، وهيتت الدنيا به -أي شهرته وأظهرت اسمه-، وعظم جاهه، وأجزلت صلاته، حتى توفي عن مال وافر، وكان يستعمله الأعيان في ترسلهم، ويقبل جوائزهم، ولي القضاء بمواضع من الأندلس" قال الأمير أبو نصر: "أما الباجي ذو الوزارتين ففقيه متكلم، أديب شاعر، سمع بالعراق، ودرس الكلام، وصنف, وكان جليلا رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية", وقال القاضي أبو علي الصدفي: "ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه".

وقد جرت بينه وبين ابن حزم مناوأة شديدة كما جرت بينهما مناظرات كثيرة، قال القاضي عياض: "كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء" توفي بالمرية ليلة الخميس بين العشاءين التاسع والعشرين من رجب وعمره إحدى وسبعون سنة.


عصى شمس الدين محمد بن عبد الملك المقدم على صلاح الدين ببعلبك، وكانت له قد سلمها إليه صلاح الدين لما فتحها جزاء له حيث سلم إليه ابن المقدم دمشق، فلم تزل بيده إلى الآن، فطلب شمس الدولة بن أيوب أخو صلاح الدين منه بعلبك، وألح عليه في طلبها، فلم يتمكن صلاح الدين من مخالفته، فأمر شمس الدين بتسليمها إلى أخيه ليعوضه عنها، فلم يجب إلى ذلك، وذكره العهود التي له، وما اعتمده معه من تسليم البلاد، فلم يصغ إليه ولج عليه في أخذها، وسار ابن المقدم إليها، واعتصم بها، فتوجه إليه صلاح الدين، وحصره بها مدة، ثم رحل عنها من غير أن يأخذها، وترك عليه عسكرا يحصره، فلما طال عليه الحصار أرسل إلى صلاح الدين يطلب العوض عنها ليسلمها إليه، فعوضه عنها وسلمها، فأقطعها صلاح الدين أخاه شمس الدولة.


انقطعت الأمطار بالكلية في سائر البلاد الشامية والجزيرة والبلاد العراقية، والديار البكرية، والموصل وبلاد الجبل وخلاط، وغير ذلك، واشتد الغلاء، وكان عاما في سائر البلاد، واستسقى الناس في أقطار الأرض، فلم يسقوا، وتعذرت الأقوات، وأكلت الناس الميتة وما ناسبها، ودام كذلك إلى آخر سنة خمس وسبعين؛ ثم تبعه بعد ذلك وباء شديد عام أيضا، كثر فيه الموت، وكان مرض الناس شيئا واحدا، وهو السرسام- ورم في حجاب الدماغ تحدث عنه حمى دائمة- وكان الناس لا يلحقون يدفنون الموتى، إلا أن بعض البلاد كان أشد من البعض.


سار جمع كثير من الفرنج بالشام إلى مدينة حماة، وكثر جمعهم من الفرسان والرجالة؛ طمعا في النهب والغارة، فشنوا الغارة، ونهبوا وخربوا القرى، وأحرقوا وأسروا وقتلوا، فلما سمع العسكر المقيم بحماة ساروا إليهم، وهم قليل، متوكلين على الله تعالى، فالتقوا واقتتلوا، وصدق المسلمون القتال، فنصرهم الله تعالى، وانهزم الفرنج، وكثر القتل والأسر فيهم، واستردوا منهم ما غنموه من السواد، وكان صلاح الدين قد عاد من مصر إلى الشام في شوال من السنة الماضية، وهو نازل بظاهر حمص، فحملت الرؤوس والأسرى والأسلاب إليه، فأمر بقتل الأسرى فقتلوا.


هو الأمير شهاب الدين، أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي الأديب الفقيه الشافعي، المعروف بالحيص بيص, ومعنى الحيص بيص: الشدة والاختلاط, قيل: إنه رأى الناس في شدة وحركة، فقال: ما للناس في حيص بيص؟ فلزمه ذلك.

وكان من فضلاء العالم.

كان قد سمع الحديث، ومدح الخلفاء والسلاطين والأكابر، وشعره مشهور، وله (ديوان) وترسل.

كان فصيحا حسن الشعر, بليغا وافر الأدب، عظيم المنزلة في الدولتين العباسية والسلجوقية.

كان بديع المعاني، مليح الرسائل، ذا خبرة تامة باللغة والبلاغة والأدب، وله يد في المناظرة, وكان يناظر على رأي الجمهور.

كان لا يخاطب أحدا إلا بالكلام العربي.

تفقه في مذهب الشافعي بالري، وتكلم في مسائل الخلاف.

ذكره ابن السمعاني في «ذيله» فقال: "له باع في اللغة، وحفظ كثير للشعر، وكان إماما في الرأي، حسن العقيدة".

قال عبد الباقي بن زريق الحلبي الزاهد: "رأيته واجتمعت به، فكان صدرا في كل علم، عظيم النفس، حسن الشارة، يركب الخيل العربية الأصيلة، ويتقلد بسيفين، ويحمل حلقة الرمح، ويأخذ نفسه بمآخذ الأمراء، ويتبادى في لفظه، ويعقد القاف, وكان أفصح من رأيت".

قال ابن كثير: "لم يكن له في المراسلات بديل، كان يتقعر فيها ويتفاصح جدا، فلا تواتيه إلا وهي معجرفة، وكان يزعم أنه من بني تميم، فسئل أبوه عن ذلك فقال ما سمعته إلا منه".

توفي يوم الثلاثاء خامس شهر شعبان من هذه السنة، وله ثنتان وثمانون سنة، وصلي عليه بالنظامية، ودفن بباب التبن، ولم يعقب.


اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد دمشق مع ملكهم، فأغاروا على أعمالها فنهبوها وأسروا وقتلوا وسبوا، فأرسل صلاح الدين فرخشاه، ولد أخيه، في جمع من العسكر إليهم، وأمره إذا قاربهم يرسل إليه يخبره على جناح طائر ليسير إليه، وتقدم إليه أن يأمر أهل البلاد بالانتزاح من بين يدي الفرنج، فسار فرخشاه في عسكره يطلبهم، فلم يشعر إلا والفرنج قد خالطوه، فاضطر إلى القتال، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس، وألقى فرخشاه نفسه عليهم، وغشي الحرب ولم يكلها إلى سواه، فانهزم الفرنج ونصر المسلمون عليهم، وقتل من مقدمي الفرنج جماعة، منهم همفري، كان يضرب به المثل في الشجاعة والرأي في الحرب، وكان بلاء صبه الله على المسلمين، فأراح الله المسلمين من شره، وقتل غيره من أضرابه، ولم يبلغ عسكر فرخشاه ألف فارس، وكذلك أغار البرنس صاحب أنطاكية واللاذقية على جشير المسلمين- جشير أو دشير: هي الخيل والبقر التي تلازم المرعى ولا ترجع إلى الحظيرة بالليل- بشيزر وأخذه، وأغار صاحب طرابلس على جمع كثير من التركمان، فاحتجف أموالهم- استخلصها وحازها- وكان صلاح الدين على بانياس، فسير ولد أخيه تقي الدين عمر إلى حماة، وابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه إلى مصر، وأمرهما بحفظ البلاد، وحياطة أطرافها من العدو.


استنجد أبو عبد الله محمد الثاني بن محمد الأول ملك غرناطة الملقب بالفقيه السلطان أبي يوسف المنصور يعقوب بن عبد الحق ملك بني مرين فسير إليه الأخير جيشا كثيفا عبر البحر ونزل مدينة طريف وأخذ في غزو البلاد التي استولى عليها الأسبان فخرج إليه سانشو ملك قشتالة ووقع اللقاء على مقربة من مدينة استجه، وانتهت المعركة الضارية بانتصار المسلمين فطلب سانشو الصلح فاستجاب السلطان واشترط شروطا منها مسالمة المسلمين وعدم الاعتداء على أراضيهم.


نزل التتار على البيرة في ثلاثين ألف مقاتل، خمسة عشر ألفا من المغول، وخمسة عشر ألفا من الروم، والمقدم على الجميع البرواناه- الحاجب- وهو حاجب السلطان السلجوقي بأمر أبغا بن هولاكو ملك التتار، ومعهم جيش الموصل وجيش ماردين والأكراد، ونصبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقا، فخرج أهل البيرة في الليل فكبسوا عسكر التتار وأحرقوا المنجنيقات ونهبوا شيئا كثيرا، ورجعوا إلى بيوتهم سالمين، فأقام عليها الجيش مدة إلى التاسع عشر من هذا الشهر، ثم رجعوا عنها بغيظهم لم ينالوا خيرا {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} [الأحزاب: 25]، ولما بلغ السلطان بيبرس نزول التتار على البيرة أنفق في الجيش ستمائة ألف دينار، ثم ركب سريعا وفي صحبته ولده الملك السعيد بركة، فلما كان في أثناء الطريق بلغه رحيل التتار عنها فعاد إلى دمشق، ثم ركب في رجب إلى القاهرة فدخلها في الثامن عشر.


حضر ابن أخت ملك النوبة واسمه مشكد متظلما من داود ملك النوبة، فجرد السلطان الظاهر بيبرس معه الأمير آقسنقر الفارقاني، ومعه من العسكر وأجناد الولاة والعربان، والزراقون والرماة والحراريق والزردخاناه-خزانة السلاح- فخرج مشكد في مستهل شعبان حتى تجاوز أسوان، وقاتل خاله الملك داود ومن معه من السودان، فقاتلوه على النجب، وهزمهم وأسر منهم كثيرا، وبعث الأمير آقسنقر الأمير عز الدين الأفرم، فأغار على قلعة الدقم، وقتل وسبى، ثم توجه الأمير سنقر في أثره يقتل ويأسر حتى وصل إلى جزيرة ميكاليل وهي رأس جنادل النوبة، فقتل وأسر، وأقر الأمير آقسنقر قمر الدولة صاحب الجبل وبيده نصف بلاد النوبة على ما بيده، ثم واقع الملك داود حتى أفنى معظم رجاله قتلا وأسرا، وفر داود بنفسه في البحر وأسر أخوه شنكو، فساق العسكر خلفه ثلاثة أيام، والسيف يعمل فيمن هناك حتى دخلوا كلهم في الطاعة، وأسرت أم الملك داود وأخته، وأقيم مشكد في المملكة، وألبس التاج وأجلس في مكان داود، وقررت عليه القطعة في كل سنة، وهي ثلاثة فيلة، وثلاث زرافات، وخمس فهود إناث، ومائة صهب جياد، ومائة من الأبقار الجياد منتخبة, وقرر أن تكون البلاد مشاطرة، نصفها للسلطان ونصفها لعمارة البلاد وحفظها، وأن تكون بلاد العلى وبلاد الجبل للسلطان، وهي قدر ربع بلاد النوبة لقربها من أسوان، وأن يحمل القطن والتمر مع الحقوق الجاري بها العادة من القديم، وعرض عليهم الإسلام أو الجزية أو القتل، فاختاروا الجزية، وأن يقوم كل منهم بدينار عينا في كل سنة، وعملت نسخة يمين بهذه الشروط، وحلف عليها مشكد وأكابر النوبة، وعملت أيضا نسخة للرغبة بأنهم يطيعون نائب السلطان ما دام طائعا له، ويقومون بدينار عن كل بالغ، وخربت كنيسة سرس، التي كان يزعم داود أنها تحدثه بما يريده، وأخذ ما فيها من الصلبان الذهب وغيرها، فجاءت مبلغ أربعة آلاف وستمائة وأربعين دينارا ونصف، وبلغت الأواني الفضة ثمانية آلاف وستمائة وستين دينارا، وكان داود قد عمرها على أكتاف المسلمين الذين أسرهم من عيذاب وأسوان، وقرر على أقارب داود حمل ما خلفه من رقيق وقماش إلى السلطان، وأطلقت الأسرى الذين كانوا بالنوبة من أهل عيذاب وأسوان، وردوا إلى أوطانهم، ومن العسكر من الرقيق شيئا كثيرا، حتى بيع كل رأس بثلاثة دراهم، وفضل بعد القتل والبيع عشرة آلاف نفس، وأقام العسكر، بمدينة دنقلة سبعة عشر يوما، وعادوا إلى القاهرة في خامس ذي الحجة بالأسرى والغنائم، فرسم السلطان للصاحب بهاء الدين بن حنا أن يستخدم عمالا على ما يستخرج من النوبة من الخراج والجزية بدنقلة وأعمالا، فعمل لذلك ديوان.


ثارت العامة في فاس على اليهود بسبب حدث أحدثوه فقتلوا منهم أربعة عشر يهوديا، ولولا أن السلطان يعقوب ركب بنفسه ورد العامة عنهم لقتلوهم جميعا.


قدم رسول الشيخ حسن بن الأمير حسين بن آقبغا بن أيدكين سبط القان أرغون أبغا بن هولاكو بن طولي بن جنكيزخان متولي العراق، بكتابه يتضمن طلب عسكر يتسلم بغداد والموصل وعراق العجم ليقام بها الدعوة للسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وسأل أن يبعث السلطان إلى طغاي بن سونتاي في الصلح بينه وبين الشيخ حسن، فأجيب إلى ذلك، ووعد بتجهيز العسكر، وركب أمير أحمد قريب السلطان إلى طغاي ومعه هدية لينظم الصلح بينه وبين الشيخ حسن.


أنشأها الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد، مقدم المماليك في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون.

وكان موضع هذه المدرسة دارا للأمير الكبير عز الدين أيدمر الحلي.

وعندما تم بناء المدرسة قرر فيها الأمير أقبغا درسا للشافعية، ودرسا للحنفية، ورتب لها ما يلزمها من المستخدمين.

وظلت هذه المدرسة عامرة إلى سنة 845 هـ / 1442م, ويشغلها الآن جزء من مكتبة الجامع الأزهر.


والى ألفونسو الحادي عشر ملك قشتالة غزواته على مملكة غرناطة؛ مما اضطر أبا الحجاج يوسف ملك غرناطة أن يستنجد بملك بني مرين أبي الحسن علي بن عثمان، فأرسل إليه الأخير جيشا بقيادة ابنه أبي مالك، فواجه هذا الجيش جيش ثلاث دول هي قشتالة وأراغون والبرتغال، فكانت نهاية المعركة موت أبي مالك وانهزام الجيش المسلم.


هو شرف الدين عبد الوهاب بن التاج فضل الله المعروف بالنشو القبطي ناظر الخاص للسلطان، كان أبوه يكتب عند الأمير بكتمر الحاحب وهو ينوب عنه، ثم انتقل إلى مباشرة ديوان الأمير أركتمر الجمدار، وعندما جمع السلطان الناصر كتاب الأمراء, فرآه وهو واقف وراء الجميع وهو شاب طويل نصراني حلو الوجه فاستدعاه وقال: أيش اسمك؟ قال: النشو، فقال: أنا أجعلك نشوي، ثم إنه رتبه مستوفيا في الجيزية، وأقبلت سعادته، فأرضاه فيما يندبه إليه وملأ عينيه, ثم نقله إلى استيفاء الدولة فباشر ذلك مدة، ثم نقل إلى نظر الخاص مع كتابة ابن السلطان، وحج مع السلطان في تلك السنة وهي سنة 732 ولما كان في الاستيفاء وهو نصراني, وكانت أخلاقه حسنة وفيه بشر وطلاقة وجه وتسرع إلى قضاء حوائج الناس، وكان الناس يحبونه، فلما تولى الخاص وكثر الطلب عليه من السلطان, و أكره حتى أظهر الإسلام, فبلغ ما لم يبلغه أحد من الأقباط في دولة الترك- المماليك- وتقدم عند السلطان على كل أحد، وخدمه جميع أرباب الأقلام، وزاد السلطان في الإنعامات والعمائر عليه, وزوج بناته واحتاج إلى الكلف العظيمة المفرطة الخارجة عن الحد، فساءت أخلاقه وأنكر من يعرفه، وفتحت أبواب المصادرات للكتاب ولمن معه مال, وكان محضر سوء لم يشتهر عنه بعدها شيء من الخير، وجمع من الأموال ما لم يجمعه وزير للدولة التركية، وكان مظفرا، ما ضرب على أحد إلا ونال غرضه منه بالإيقاع به وتخريب دياره، وقتل على يديه عدة من الولاة والكتاب، واجتهد غاية جهده في قتل موسى بن التاج إسحاق، وعاقبه ستة أشهر بأنواع العقوبات، من الضرب بالمقارع والعصر في كعابه وتسعيطه - الاستنشاق بالأنف- بالماء والملح وبالخل والجير وغير ذلك، مع نحافة بدنه ومرضه بالربو والحمى، فلم يمت، وعاش التاج موسى هذا ثلاثين سنة بعد هلاك النشو، وكان النشو هذا بلغ منه في أذية الناس بالمصادرات والضرائب الشيء الكثير الكثير، مما كاد أن يخرب الديار كلها، فشكا منه كل أحد: الفقير والغني، والأمير والحقير، فلم يسلم من ظلمه وأخذ المال منه أحد، وكل ذلك يدعي الفقر وقلة المال وأنه لا يأخذ لنفسه شيئا، ولما مات بعد أن اعتقل لكثرة الشكاوى والتحريضات حصلت أمواله فكانت خارجة عن الحصر، ولو كتبت لخرجت عن الحد المعهود، فهي تحتاج إلى عدة صفحات مما كان له من مال عين وبضائع وإقطاعات وحواصل وحيوانات وغيرها من الجوهر واللؤلؤ ما يفوق الحصر، توفي في يوم الأربعاء ثاني ربيع الآخر، ثم إنه بعد موته وجد أنه ما يزال غير مختون، فدفن بمقابر اليهود.


هو الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن أبي علي بن الحسن العباسي، توفي بمدينة قوص في منفاه، عن ست وخمسين سنة وستة أشهر وأحد عشر يوما، في خامس شعبان، وكانت خلافته تسعا وثلاثين سنة وشهرين وثلاثة عشر يوما، ثم خطب للخليفة الواثق بالله إبراهيم بن محمد المستمسك بن أحمد الحاكم بأمر الله، وذلك أن الخبر قدم في يوم الجمعة ثاني عشر شعبان بموت الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بقوص بعد موت ابنه صدقة بقليل، وأنه اشتد جزعه عليه، وأنه قد عهد لولده أحمد بشهادة أربعين عدلا وأثبت قاضي قوص ذلك، فلم يمض السلطان عهده.


كان الخليفة المستكفي بالله قد أوصى بالخلافة من بعده لابنه أحمد، لكن السلطان الناصر لم يمض للسلطان عهده, وكان قد بايع لإبراهيم بن محمد المستمسك بن أحمد الحاكم بأمر الله ولقبه بالواثق بالله, وفي يوم الاثنين خامس عشر شعبان طلب الناصر إبراهيم الواثق بالله، وأجلسه بجانبه وحادثه، ثم قام إبراهيم وخرج معه الحجاب بين يديه، ثم طلع إلى السلطان في يوم الاثنين ثالث عشر رمضان، وقد اجتمع القضاة بدار العدل على العادة، فعرفهم السلطان بما أراد من إقامة إبراهيم في الخلافة وأمرهم بمبايعته، فأجابوا بعدم أهليته، وأن المستكفي عهد إلى ولده أحمد بشهادة أربعين عدلا وحاكم قوص، ويحتاج إلى النظر في عهده، فكتب السلطان بطلب أحمد وعائلة أبيه، وأقام الخطباء بديار مصر والشام نحو أربعة أشهر لا يذكرون في خطبهم الخليفة، فلما قدم أحمد من قوص لم يمض السلطان عهده، وطلب إبراهيم وعرفه قبح سيرته، فأظهر التوبة منها والتزم بسلوك طريق الخير، فاستدعى السلطان القضاة في يوم الاثنين وعرفهم أنه أقام إبراهيم في الخلافة، فأخذ قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة يعرفه سوء أهليته للخلافة، فأجاب بأنه قد تاب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد وليته فاشهدوا علي بولايته، ورتب له السلطان ما جرت به العادة، وهو ثلاثة آلاف وخمسمائة وستون درهما وتسعة عشر أردب شعير في كل شهر، فلم يعارضه أحد، وخطب له في يوم الجمعة سادس ذي القعدة، ولقب بالواثق بالله أبي اسحاق، فكانت العامة تسميه المستعطي؛ فإنه كان يستعطي من الناس ما ينفقه، وشهر بارتكاب أمور غير مرضية.


اجتمع جماعة من رؤوس النصارى في كنيستهم وجمعوا من بينهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليهما من بلاد الروم، يحسنان صنعة النفط، اسم أحدهما ملاني، والآخر عازر، فعملا كحطا من نفط، وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره إلا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك، فوضعا في شقوق دكاكين التجار بسوق الرجال في عدة دكاكين من آخر النهار، بحيث لا يشعر أحد بهما، وهما في زي المسلمين، فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في درابزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور، وأحرقت الدرابزينات، وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف، وصعدوا المنارة وهي تشتعل نارا، واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة، وأما المئذنة فإنها تفجرت أحجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم وأعيد بناؤها بحجارة جدد، وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى بن مريم، والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلى ناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها، وبما فيها من الأقواس والعدد، وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية- السوق الكبير- من الدور والمساكن والمدارس، واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكورة وما كان مقصودهم إلا وصول النار إلى معبد المسلمين، فحال الله بينهم وبين ما يرومون، وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد، جزاهم الله خيرا، ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤوس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا، فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات، ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال، وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد، ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله.


هو الأمير الكبير المهيب سيف الدين أبو سعيد تنكز نائب السلطنة بالشام، جلب إلى مصر وهو حدث، فنشأ بها، وكان أبيض يميل إلى السمرة، رشيق القد، مليح الشعر، خفيف اللحية قليل الشيب، حسن الشكل، جلبه الخواجا علاء الدين السيواسي، فاشتراه الأمير حسام الدين لاجين، فلما قتل لاجين في سلطنته صار من خاصكية السلطان الناصر، وشهد معه وقعة وادي الخزندار ثم وقعة شقحب، سمع صحيح البخاري غير مرة من ابن الشحنة، وسمع كتاب الآثار للطحاوي، وصحيح مسلم.

تولى نيابة السلطان بدمشق في شهر ربيع الآخر سنة 712 وتمكن في النيابة, وسار بالعساكر إلى ملطية فافتتحها وعظم شأنه وهابه الأمراء بدمشق ونواب الشام، وأمن الرعايا به ولم يكن أحد من الأمراء ولا من أرباب الجاه يقدر يظلم أحدا ذميا أو غيره خوفا منه؛ لبطشه وشدة إيقاعه, ثم تغير السلطان الناصر على تنكز, وكان سبب تغير الحال بينهما- مع أن السلطان متزوج من بنته وأراد كذلك تزويج ولديه من بناته- لما قتل تنكز جماعة من النصارى بسبب افتعالهم الحريق بدمشق، عنف عليه السلطان، وأن في ذلك سببا لقتل المسلمين في القسطنطينية، وزاد الأمر أنه أمره بإحضار الأموال المتحصلة من جراء هذه الحادثة وأن يجهز بناته، فاعتذر تنكز بانشغاله بعمارة ما أكله الحريق وأنه أنفق تلك الأموال في ذلك، وزاد الأمر كذلك سعاية بعض الحاسدين عليه لدى السلطان حتى أمر السلطان بإحضاره إلى مصر، فخرج جيش من مصر لإحضاره من دمشق، وكان تنكز قد عرف بالأمر، فخرج وأخرج أمواله وأهله، فوصل إليه الأمراء من القاهرة وعرفوه مرسوم السلطان وأخذوه وأركبوه إكديشا- حصانا غير أصيل يستخدم في حمل الآلات والعدة- وساروا به إلى نائب صفد، وأمر طشتمر بتنكز فأنزل عن فرسه على ثوب سرج، وقيده قرمجي مملوكه، وأخذه الأمير بيبرس السلاح دار، وتوجه به إلى الكسوة، فحدث له إسهال ورعدة خيف عليه منه الموت، وأقام بها يوما وليلة، ثم مضى به بيبرس إلى القاهرة, وفي يوم الثلاثاء سابع المحرم وصل الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام وهو متضعف، بصحبة الأمير بيبرس السلاح دار، وأنزل من القلعة بمكان ضيق حرج، وقصد السلطان ضربه بالمقارع، فقام الأمير قوصون في الشفاعة له حتى أجيب إلى ذلك، وبعث إليه السلطان يهدده حتى يعترف بما له من المال، ويذكر من كان موافقا على العصيان من الأمراء، فأجاب تنكز بأنه لا مال له سوى ثلاثين ألف دينار وديعة عنده لأيتام بكتمر الساقي، وأنكر أن يكون خرج عن الطاعة، فأمر السلطان في الليل فأخرج مع ابن صابر المقدم وأمير جندار، وحمل في حراقة –سفينة- بالنيل إلى الإسكندرية، فقتله بها إبراهيم بن صابر المقدم في يوم الثلاثاء خامس عشر ودفنوه بالإسكندرية، وقد جاوز الستين، ثم نقل من الإسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر، بشفاعة ابنته زوجة السلطان الناصر، فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف، فلم يمكن، فجيء به إلى تربته بدمشق وقيل: كانت وفاته بقلعة إسكندرية مسموما، وتأسف الناس عليه كثيرا، وطال حزنهم عليه، وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الإسلام، ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم؛ يشتد تأسفهم عليه.

ويذكر أن لتنكز هذا أوقافا كثيرة، من ذلك مرستان بصفد، وجامع بنابلس وعجلون، وجامع بدمشق، ودار الحديث بالقدس ودمشق، ومدرسة وخانقاه بالقدس، ورباط وسوق موقوف على المسجد الأقصى، وتتبعت أموال تنكز، فوجد له ما يجل وصفه واشتملت جملة ما بيع له على مائتي ألف دينار، فكان جملة العين ستمائة ألف دينار وأربعمائة دينار، ومع ذلك كان له أعمال جدية في دمشق فأزال المظالم، وأقام منار الشرع، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وأزال ما كان بدمشق وأعمالها من الفواحش والخانات والخمارات، وبالغ في العقوبة على ذلك حتى قتل فيه، وغيرها من عمارة المدارس والأوقاف والمساجد.


قام الملك أبو الحسن علي بن عثمان ملك بني مرين باجتياز البحر على رأس جيش كثيف لمحاربة المتحالفين من قشتالة والبرتغال وأراغون، فجرت بينهم معركة قرب مدينة طريف انكسر فيها جيش المسلمين المكون من جيش بني مرين وجيش غرناطة، وسقط معسكر الملك المريني بيد الأسبان فذبحوهم بأجمعهم واستطاع الملك المريني عبور البحر إلى المغرب مع بعض فلول جيشه، وانهزم ملك غرناطة إلى غرناطة بأسوأ حال شهده المسلمون منذ وقعة العقاب، واستولى الأسبان على طريف والجزيرة الخضراء وجبل طارق، ويذكر أن المسلمين استعملوا في هذه الحرب آلات تشبه المدافع كانت تسمى الأنفاط، وكانت هي أساسا لاختراع المدافع فيما بعد.


هو الصوفي الاتحادي عثمان الدكاكي الدمشقي, خالط الصوفية ودعاة وحدة الوجود، فتأثر بهم حتى ادعى الألوهية وانتقص من الأنبياء, فعقد له مجلس في دار العدل بدار السعادة في يوم الثلاثاء آخر شهر شوال واجتمع القضاة والأعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي، وادعي عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني، وقامت عليه البينة بدعوى الإلهية- لعنه الله- وأشياء أخر من التنقيص بالأنبياء ومخالطته أرباب الريب من الباجريقية وغيرهم من الاتحادية- عليهم لعائن الله- ووقع منه في مجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي، وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا، فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود، فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا، ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي إلى دار السعادة وأقيم بين يدي الأمراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر، وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم، فسئل القاضي المالكي الحكم عليه، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله، ثم حكم بإراقة دمه وإن تاب، فأخذ الدكاكي فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل، ونودي عليه: هذا جزاء من يكون على مذهب الاتحادية، وكان يوما مشهودا بدار السعادة، حضر خلق من الأعيان والمشايخ.