أرشيف المقالات

الأدب والفن في اسبوع

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
للأستاذ عباس خضر مهزلة الجمل جرت مناقشة طريفة بين فضيلتي المفتي السابق والمفتي الحالي فيما يتبع في الاحتفال بالجمل الذي يحمل كسوة الطعبة، من طوافه سبع مرات بمكان الاحتفال وتقبيل مقوده عند تسليمه لأمير الحج وتجمع الناس وتسابقهم إلى التبرك بالجمل وما يحمل.

كتب المفتي السابق في جريدة (الأساس) جوابا عن سؤال، قال إنها بدعة سيئة لا يقرها الدين.
فكتب المفتي الحالي في (المصري) كلاما عجيباً دافع به عن المحمل) وما يلابسه من الأعمال التي أنكرها المفتي السابق. ووجه العجب في كلام المفتي الحالي أن فضيلته - وهو مفتي الديار المصرية - لم يستند إلى أصل من أصول الدين، بل أخذ فضيلته (الجلالة) فراح يصف مشاعر الناس واهتزاز نفوسهم عندما يرون الجمل وتقبيل مقوده ذاهبا إلى أن ذلك يذكرهم برب الكعبة التي يحمل الجمل كسوتها.

وزاد على ذلك فقال أن هذا تجديد في الدين! وما أخال فضيلته إلا مسلما بأن الله خالق كل شيء ورب كل شيء، وكل شيء يذكر به تعالى.
وإذا كان يصح التبرك بالجمل ومقوده لأنه يحمل كسوة الكعبة، أفلا ينبغي أن يكون للتبن الذي يأكله الجمل نصيب من ذلك التبرك والتقديس.
؟ وهذا البرسيم الأخضر، ما قول فضيلته فيه وهو الذي يكسب الجمل القوة التي يقتدر بها على حمل محمله.
؟ إن مشاعر الناس يا سيدي أن تتعلق بكل شيء، وكل ما يعبد ويقدس - حقا أو باطلا - تهتز له نفوس عابديه ومقدسيه.
وأنتم - مصابيح الدجى وأعلام الهدى - ملكون الإرشاد والتنوير وتوجيه العقول والمشاعر إلى ما يجدر أن تتوجه إليه.
ولا أحسب من ذلك هذه المهازلة (المحملية) ومواكبها المزرية التي تصفونها بأنها تجديد في الدين.
وهي أدنى إلى العبادات البدائية الخرافية. أي تجديد هذا يا فضيلة الأستاذ؟ ومن هو المجدد المصلح الذي جدد في الإسلام بتقبيل مقود الجمل؟ هل رأى ذلك المجدد أبقاء أركان الإسلام خمسا فقط جمود ديني لا يتفق وروح العصر الحديث فأضاف (جمل المحمل) إلى الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد؟! إذا كان ذلك أفلا ترون فضيلتكم أن هذا الاحتفال (المودرن) بالجمل والتبرك به وتقبيل مقوده، جدير بأن تعمل له أفلام تعرض بدور السينما في مصر والخارج لجذب الأنظار إلى ما جد في الإسلام؟! وإذا وقفت في سبيل ذلك رقابة الأفلام في وزارة الداخلية بحجة أنه يسيء إلى سمعة المصريين في الخارج لما فيه من مناظر غير لائقة، فالبركة في فضيلتكم، وهمتكم كفيلة بإقناعها بأن التجديد في الدين لا ينبغي أن تقف في سبيله تلك الاعتبارات!! أليست نفوس الناس تهتز ومشاعرهم ترق؟ مقال أو بيان آخر مثل الذي نشر في (المصري) يذلل هذه العقبات التي تقف في طريق أحدث وأعجب (تقدمية) رأيناها في العصر الحديث.
الروحانيات حضرة المحترم الأستاذ عباس خضر لعلك لم تنسى يا سيدي بع أمر ذلك الكتاب الروحي الذي قدمت إليك نسخة نته عن طريق (الرسالة) وأحسبك لم تطلع عليه بتمامه وإلا لعلمت من نبأه ما يبدو لي أنك لم تعلمه. والواقع أم هذا الكتاب ليس مما يتسنى لفرد، أو أفراد، القيام به، وهو لم يقصد بنشره تحقيق رغبة مادية أو الوصول إلى غاية دنيوية، بل هو كتاب روحي وضعت فكرته وصاغت عباراته وأعانت على إخراجه جماعة الأرواح القائمة بتوجيه الناس روحياً.
وكان صدوره في هذه الظرف تنفيذاً لمشيئة الخالق، إذ قضى تعالى استصلاحاً لهذا العالم الذي تزايد فساده أن تزول المادية التي تحكمت في النفوس واستبدت بالعقول وساقت الناس إلى هذا المصير الذي أوله شقاء وآخره فناء.
فجاءت (الوساطة الروحية) تدعو كل مخلص للإنسانية أن يعمل ما مكنته شجاعته وأعانته همته على إخراج الناس من ضلال المادية وتخليصهم من إسارها.
وذلك ليصبحوا جميعاً إخوانا يساند قويهم ضعيفهم ويعطف غنيهم على فقيرهم، وبذلك يستقيم أمرهم وينصلح بالهم ويستقر عالمهم. وقد كان المفروض أن يكون أولئك الذين زعموا أنهم هم الجديرون بأن يكونوا أصحاب الرأي وقادة الفكر أكثر الناس اهتماما بهذا الأمر غير أن أحداً من أولئك المفكرين والعلماء والقادة والزعماء الذين توجه إليهم الكاتب بهذه الدعوة في الكتاب لم يهتم بها، إذ كان هم الأكثرية الجري وراء المال ثم العودة به لإنفاقه في سبيل الاستمتاع الدنيوي.
وهكذا مضت خمسة عشر شهراً و (الوساطة الروحية) لا تجد من يلتفت إلى دعوتها أو يستمع إلى كلمتها وهنا شاء القادر أن يحقق ما قضى تحقيقه، فبعث تعالى على الماديين واتباعهم وأنصارهم وأشياعهم عباداً له أولي بأس شديد ليجوسوا ديارهم ويحاسبوهم على سوء فعلهم. وها هي يا سيدي تلك الأحداث التي جاء ذكرها في (الوساطة الروحية) التي لم يصدق بها أولئك الذين شغلتهم دنياهم قد أخذت تحدث، وهي ماضية في حدوثها لتصل في اتساعها وامتدادها وتزايدها واشتدادها إلى نواحي العالم، قريبها منا وبعيدها.
وسنحصد نحن منها فيما سنلاقيه من ويلاتها وتقاسيه من عذابها ما فرضه علينا قادتنا وسادتنا العاكفون على عبادة المادة ومفكرونا وعلماؤنا الذين أبت عليهم كبرياؤهم أن يستجيبوا لدعوة الحق. اللهم إنا نشهدك أننا قد بلغنا رب أهدني وقومي فإنهم لا يعلمون عبد اللطيف محمد الدمياطي تلقيت هذا الكتاب من صاحبه الأستاذ عبد اللطيف محمد الدمياطي، وكان قد تفضل فأهدى إلي نسخة من كتابه (الوساطة الروحية) الذي يتحدث عنه، فتصفحته عاجلا وقدمته إلى قراء الرسالة بنبذة قصيرة في (كشكول الأسبوع) أشرت فيها إلى أهمية الكتاب من حيث إنه يضيف إلى المكتبة العربية لونا من الدراسات الروحانية ليس كثيرا فيها.
وأنا أحيانا لا أجد بأسا أن أقدم (طبقاً لا أشتهيه - وقد لا أسيغه - عساه يجد من يقبل عليه، أقدمه إجمالا، لا أتعرض لتفصيلاته، ولا أتصدى لنقده، وقد فعلت ذلك إزاء هذا الكتاب لأني لست من المختصين بموضوعاته ولا أجد في نفسي ميلا إليها، ولا في (روحي) استجابة لها.
ولعل ذلك لأنها ليست شفافة كأرواح (الروحانيين) أو كما يقولون مادية كثيفة. على أنني لا أدري: هل أنا روحي أو مادي: وأريد أولا أن أعرف معنى (الروحية) وأين توجد.
هل هي في التواكل والأوهام والخرافات، فمن مقتضياتها أن يقعد الإنسان معتقدا أن ماله سوف يأتيه، وأن يرضي عن عجزه بل يفلسفه بأن الرزق من نصيب الجهلاء والحمقى وأن العقلاء قضى عليهم بالشفاء والحرمان، وأن يعتقد أن الله ناصر لأن الحق في جانبه فيظل ينتظر الظفر من غير أن يعمل له ويتخذ له العدة، وقد تنتهز حلول ليلة القدر فيصعد إلى السطح ليبعث بأمانيه أو (أوامره) إلى السماء.
.
أو هل الروحية في التنجيم والفنجان والكعب واستحضار الأرواح لقراءة السؤال المكتوب في الورقة المطوية والإجابة عنه أو للدلالة على الفاعل في حوادث السرقة وغيرها؟ أو إحضار روح شاعر ليملي شعر لو نسب إليه في حياته لما رأى شيئا أبلغ في إيذائه من نسبته إليه؟ إن كانت الروحية كذلك فلست منها في شيء.
ولست في حاجة إلى أقول إني لا أؤمن بخوارقها لأني لا أستطيع أن أستغني عن عقلي أبدا، فلست أفهم إلا النتائج المستخلصة من المقدمات المنطقية، ولست أرى حقا إلا ما أدت إليه الأسباب المحسوسة، وجماعة الأرواح لا أحس بوجودها ولا أقتنع بدليل يدل على إرادتها في أمور حياتنا، ولا أوافقها - على فرض وجودها - في العمل على تخليص الناس من المادية أن كان يراد بها ما يستحدثه العلم الطبيعي من وسائل خدمة الإنسان وتوفير الراحة والمنفعة له في حياته المادية، ولا أريد للضعفاء والفقراء إلا أن يعوا أسباب ضعفهم وفقرهم ليتخلصوا منها، وأعتقد أن قانون الحياة الذي لا يدافع هو أن لا يستطيع الإنسان أن يأخذ حقه من الإنسان، لا أن ينتظر حتى يشعر بالعطف عليه.
والإنسان الطاغي لا يقفه عند حد العدالة والإنصاف إلا أن يرى قوة من يريد أن يطغى عليه.
والحكام والزعماء يعلمون بروح الدساتير والديمقراطيات وما إليها إلا لأنهم يشعرون بقوة الشعوب وما نسميه الرأي العام الذي يخشون غضبته. ذلك هو منطق الواقع المادي الذي أدين به، فأنا إذن (مادي) رويدك لا تظن أني قد نبذت الروحية، فلا يزال بنفسي معناها الحقيقي، وهو شعور الإنسان بجمال المعاني النفسية والسلوك الإنساني الكريم، ذلك الشعور الذي يخلق في المرء روح التعاون والتكافل الاجتماعي.
على أن يكون ذلك ممتزجا بالواقعية في مواجهة مسائل الحياة وبالمنطق المعقول في فهم الأشياء. ولا شك أن من الخوارق التي لا أومن بها أن (جماعة الأرواح) وضعت فكرة كتاب (الوساطة الروحية) وصاغت عبارته وأعانت على إخراجه.
ولا استكثر تأليفه على أحد ممن يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وأنا أعرف مؤلفه شخصيا وهو على درجة من الثقافة لا يستبعد معها تأليف الكتاب، وهو يقول - لإثبات أن الأرواح هي مؤلفة الكتاب - إنه لم يتلق تعليما مدرسيا كافيا.
وهل يعوق حرمان التعليم المدرسي عن التثقيف الذاتي؟ ذلك ما أراه، ولست أفرضه على أحد، وليعذرني الأستاذ الدمياطي في التصريح به، أو فليسلط علي روحا من أرواحه تقنعني بخلافه.
لم التعجل؟ كتب مندوب الأهرام في الإسكندرية عن أنباء حلقات الدراسات الاجتماعية التي ستعقد بالقاهرة ابتداء من 22 نوفمبر المقبل، وقال أن معالي وزير الشؤون الاجتماعية اجتمع بمعالي وزير الخارجية بالنيابة، ثم صرح له بأن الحديث خلال هذا الاجتماع (تناول ضرورة الاتصال بحكومات الدول العربية المدعوة إلى حضور الحلقة الدراسية القادمة، لإيفاد مندوبين ممتازين ليؤلفوا مع مندوبي مصر جبهة قوية للدراسة والتمحيص وعرض المشروعات والمقترحات المثمرة الكفيلة بالقضاء التام على الزعم بأن الشرق الأوسط مرتع خصيب للشيوعية) وكنت أود أن أقرأ الفقرة الأخيرة هكذا: (.
.
والمقترحات المثمرة الكفيلة بالقضاء على العوامل المهيأة للدعوة الشيوعية في الشرق الأوسط)
فهذا أدنى إلى ما أجمع الناس عليه من ضرورة العمل على تهيئة أسباب الحياة الكريمة في مجتمعاتنا الشرقية حتى تتحصن ضد الشيوعية.
أما أن نفرض - قبل الدراسة والتمحيص أن الشرق الأوسط منيع أمام الشيوعية، إلى أنه من تعجل النتيجة قبل البحث - ليس غرضا يقصد لأنه لا يؤدي إلى غاية علمية. واست أدري لماذا نريد أن نثبت أن القول بأن الشرق الأوسط مرتع خصيب للشيوعية زعم باطل؟ ولمن نثبت هذا؟ الأهل الشرق حتى ينام القائمون على أموره عن إصلاح حاله، وحتى يطمئن منهم الاطمئنان.؟ أم نريد أن نثبت ذلك لأهل الغرب حتى لا يحلو على الشرق في ضرورة الإصلاح المانع من التمهيد للنفوذ الروسي؟ وحلقات الدراسات الاجتماعية ستتألف من علماء وباحثين ومفكرين، ولا يليق بها إلا أن تسلك الطرق العلمية في دراستها وأبحاثها، ولم يعلم أحد بعد ما ستتمخض عنه هذه الدراسات، فمن الجائز أن تؤيد الزعم بأن الشرق الأوسط مرتع خصيب للشيوعية، وتضع المنهج الكفيل لا بالقضاء على (الزعم) بل بالقضاء على الخصب الشيوعي نفسه.
فلم التعجيل؟ عباس خضر

شارك الخبر

المرئيات-١