Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73
لما فرغ عبد المؤمن من فاس، سار إلى مراكش، وهي كرسي مملكة المرابطين، وهي من أكبر المدن وأعظمها، وكان صاحبها حينئذ إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين، وهو صبي، فنازلها، فضرب خيامه في غربيها على جبل صغير، وبنى عليه مدينة له ولعسكره، وبنى بها جامعا وبنى له بناء عاليا يشرف منه على المدينة، ويرى أحوال أهلها وأحوال المقاتلين من أصحابه، وقاتلها قتالا كثيرا، وأقام عليها أحد عشر شهرا، فكان من بها من المرابطين يخرجون يقاتلونهم بظاهر البلد، واشتد الجوع على أهله، وتعذرت الأقوات عندهم.
ثم زحف إليهم يوما، وجعل لهم كمينا، وقال لهم: إذا سمعتم صوت الطبل فاخرجوا.
تقدم عسكره، وقاتلوا، وصبروا، ثم انهزموا لأهل مراكش ليتبعوهم إلى الكمين الذي لهم، فتبعهم الملثمون إلى أن وصلوا إلى مدينة عبد المؤمن، فهدموا أكثر سورها، وصاحت المصامدة بعبد المؤمن ليأمر بضرب الطبل ليخرج الكمين، فقال لهم: اصبروا حتى يخرج كل طامع في البلد، فلما خرج أكثر أهله، أمر بالطبل فضرب وخرج الكمين عليهم، ورجع المصامدة المنهزمين إلى الملثمين، فقتلوا كيف شاؤوا، وعادت الهزيمة على الملثمين، فمات في زحمة الأبواب ما لا يحصيه إلا الله سبحانه.
وكان شيوخ الملثمين يدبرون دولة إسحاق بن علي بن يوسف لصغر سنه، فاتفق أن إنسانا من جملتهم يقال له عبد الله بن أبي بكر خرج إلى عبد المؤمن مستأمنا وأطلعه على عوراتهم وضعفهم، فقوي الطمع فيهم، واشتد عليهم البلاء، ونصب عليهم المنجنيقات والأبراج، وفنيت أقواتهم، وأكلوا دوابهم، ومات من العامة بالجوع ما يزيد على مئة ألف إنسان، فأنتن البلد من ريح الموتى.
وكان بمراكش جيش من الفرنج كان المرابطون قد استنجدوا بهم، فجاؤوا إليهم نجدة، فلما طال عليهم الأمر، راسلوا عبد المؤمن يسألون الأمان فأجابهم إليه، ففتحوا له بابا من أبواب البلد يقال له باب أغمات، فدخلت عساكره بالسيف، وملكوا المدينة عنوة، وقتلوا من وجدوا، ووصلوا إلى دار أمير المسلمين، فأخرجوا الأمير إسحاق وجميع من معه من أمراء المرابطين فقتلوا، وجعل إسحاق يرتعد رغبة في البقاء، ويدعو لعبد المؤمن ويبكي، فقام إليه سير بن الحاج، وكان إلى جانبه مكتوفا فبزق في وجهه، وقال: تبكي على أبيك وأمك؟ اصبر صبر الرجال؛ فهذا رجل لا يخاف الله ولا يدين بدين.
فقام الموحدون إلى ابن الحاج بالخشب فضربوه حتى قتلوه، وكان من الشجعان المعروفين بالشجاعة، وقدم إسحاق على صغر سنه، فضربت عنقه سنة 542، وهو آخر ملوك المرابطين، وبه انقرضت دولتهم، وكانت مدة ملكهم سبعين سنة، وولي منهم أربعة: يوسف، وعلي، وتاشفين، وإسحاق.
ولما فتح عبد المؤمن مراكش أقام بها، واستوطنها واستقر ملكه.
قال ابن الأثير: "لما قتل عبد المؤمن من أهل مراكش فأكثر فيهم القتل، اختفى من أهلها، فلما كان بعد سبعة أيام أمر فنودي بأمان من بقي من أهلها، فخرجوا، فأراد أصحابه المصامدة قتلهم، فمنعهم، وقال: هؤلاء صناع، وأهل الأسواق من ننتفع به، فتركوا، وأمر بإخراج القتلى من البلد، فأخرجوهم، وبنى بالقصر جامعا كبيرا، وزخرفه فأحسن عمله، وأمر بهدم الجامع الذي بناه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين.
ولقد أساء يوسف بن تاشفين في فعله بالمعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، وارتكب بسجنه على أسوأ حالة وأقبح مركب، فلا جرم سلط الله عليه في عقبه من أربى في الأخذ عليه وزاد، فتبارك الحي الدائم الملك، الذي لا يزول ملكه، وهذه سنة الدنيا، فأف لها، ثم أف، نسأل الله أن يختم أعمالنا بالحسنى.
سير عبد المؤمن جيشا إلى جزيرة الأندلس، فملكوا ما فيها من بلاد الإسلام.
وسبب ذلك أن عبد المؤمن لما كان يحاصر مراكش جاء إليه جماعة من أعيان الأندلس، منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن حمدين، ومعهم مكتوب يتضمن بيعة أهل البلاد التي هم فيها لعبد المؤمن ودخولهم في زمرة أصحابه الموحدين، وإقامتهم لأمره، فقبل عبد المؤمن ذلك منهم، وشكرهم عليه، وطيب قلوبهم، وطلبوا منه النصرة على الفرنج، فجهز جيشا كثيفا وسيره معهم، وعمر أسطولا وسيره في البحر، فسار الأسطول إلى الأندلس، وقصدوا مدينة إشبيلية، وصعدوا في نهرها، وبها جيش من الملثمين، فحصروها برا وبحرا وملكوها عنوة، وقتل فيها جماعة، وأمن الناس فسكنوا واستولت العساكر على البلاد، وكان لعبد المؤمن من بها.
احتل الفرنج طرابلس الغرب، وسبب ذلك أن رجار ملك صقلية جهز أسطولا كبيرا وسيره إلى طرابلس الغرب، فأحاطوا بها برا وبحرا، ثالث المحرم، فخرج إليهم أهلها وأنشبوا القتال، فدامت الحرب بينهم ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث سمع الفرنج بالمدينة ضجة عظيمة، وخلت الأسوار من المقاتلة، وسبب ذلك أن أهل طرابلس كانوا قبل وصول الفرنج بأيام يسيرة قد اختلفوا، فأخرج طائفة منهم بني مطروح، وقدموا عليهم رجلا ملثما قدم يريد الحج ومعه جماعة، فولوه أمرهم، فلما نازلهم الفرنج أعادت الطائفة الأخرى بني مطروح، فوقعت الحرب بين الطائفتين، وخلت الأسوار، فانتهز الفرنج الفرصة ونصبوا السلالم، وصعدوا على السور، واشتد القتال فملكت الفرنج المدينة عنوة بالسيف، فسفكوا دماء أهلها وسبوا نساءهم، وهرب من قدر على الهرب، والتجأ إلى البربر والعرب، فنودي بالأمان في الناس كافة، فرجع كل من فر منها، وأقام الفرنج ستة أشهر حتى حصنوا أسوارها وحفروا خندقها، ولما عادوا أخذوا رهائن أهلها، ومعهم بنو مطروح والملثم، ثم أعادوا رهائنهم، وولوا عليها رجلا من بني مطروح، واستقامت أمور المدينة وألزم أهل صقلية والروم بالسفر إليها فانعمرت سريعا وحسن حالها.
هو الملك المنصور، أبو الجود الأتابك عماد الدين زنكي بن الحاجب قسيم الدولة آقسنقر بن عبد الله التركي، صاحب الموصل.
ولد سنة 477.
قتل والده, قسيم الدولة مملوك السلطان ألب أرسلان, وله يومئذ عشر سنين، ولم يخلف والده ولدا غيره، فالتف عليه غلمان أبيه، ورباه كربوقا، وأحسن إليه, فكان زنكي بطلا شجاعا مقداما كأبيه، عظيم الهيبة مليح الصورة، أسمر جميلا، قد وخطه الشيب، وكان عالي الهمة، لا يقر ولا ينام، فيه غيرة حتى على نساء جنده، عمر البلاد, وكان يضرب بشجاعته المثل، وهو من أشجع خلق الله.
قبل أن يملك شارك مع الأمير مودود صاحب الموصل حصار مدينة طبرية، وهي للفرنج، فوصلت طعنته إلى باب البلد، وأثر فيه.
وحمل أيضا على قلعة عقر الحميدية، وهي على جبل عال، فوصلت طعنته إلى سورها, وأما بعد ملكه، فكان الأعداء محدقين ببلاده، وكلهم يقصدها، ويريد أخذها، وهو لا يقنع بحفظها، حتى إنه لا ينقضي عليه عام إلا وهو يفتح من بلادهم, ومن شجاعته التي لم يسمع بمثلها أنه كان في نفر أثناء حصار طبرية وقد خرج الفرنج من البلد، فحمل عليهم هو ومن معه وهو يظن أنهم يتبعونه فتخلفوا عنه وتقدم وحده وقد انهزم من بظاهر البلد من الفرنج فدخلوا البلد ووصل رمحه إلى الباب فأثر فيه، وقاتلهم عليه وبقي ينتظر وصول من كان معه فحيث لم ير أحدا حمى نفسه وعاد سالما، فعجب الناس من إقدامه أولا، ومن سلامته آخرا, وكان زنكي من الأمراء المقدمين، فوض إليه السلطان محمود بن ملكشاه شحنكية بغداد، سنة 511 في العام الذي ولد له فيه ابنه الملك العادل نور الدين محمود، ثم عينه السلطان محمود على الموصل، بتوصية من القاضي بهاء الدين أبو الحسن علي بن الشهرزوي وصلاح الدين محمد الياغبساني بعد أن أشارا به على وزير السلطان بقولهما: "قد علمت أنت والسلطان أن بلاد الجزيرة والشام قد استولى الإفرنج على أكثرها وتمكنوا منها وقويت شوكتهم، وكان البرسقي يكف بعض عاديتهم، فمنذ قتل ازداد طمعهم، وهذا ولده طفل صغير ولا بد للبلاد من شهم شجاع يذب عنها ويحمي حوزتها، وقد أنهينا الحال إليكم لئلا يجري خلل أو وهن على الإسلام والمسلمين فنحصل نحن بالإثم من الله تعالى، واللوم من السلطان، فأنهى الوزير ذلك إلى السلطان فأعجبه، وقال: من تريان يصلح لهذه البلاد، فذكرا جماعة فيهم عماد الدين زنكي، وعظما محله أكثر من غيره" فأجاب السلطان إلى توليته؛ لما علم من شهامته وكفايته، فولاه البلاد جميعها، وكتب بذلك منشورا, ولما قدم زنكي الموصل سلم إليه السلطان محمود ولديه ألب أرسلان وفروخشاه المعروف بالخفاجي ليربيهما؛ فلهذا قيل لزنكي "أتابك"؛ لأن الأتابك هو الذي يربي أولاد الملوك.
سار زنكي من بغداد إلى البوازيج ليملكها ويتقوى بها.
كان زنكي يحسن اختيار رجاله وقادته، فيختار أصلحهم وأشجعهم, وأكرمهم لمهام ولايته وقيادة جيوشه، وكان في المقابل يكرمهم ويحتفي بهم.
عمل زنكي على ترتيب أوضاع الموصل فقرر قواعدها فولى نصير الدين جقر دزدارية قلعة الموصل, وجعل الصلاح محمد الياغبساني أمير حاجب الدولة وجعل بهاء الدين قاضي قضاة بلاده جميعها وما يفتحه من البلاد، ووفى لهم بما وعدهم وكان بهاء الدين أعظم الناس عنده منزلة وأكرمهم عليه وأكثرهم انبساطا معه وقربا منه، ورتب الأمور على أحسن نظام وأحكم قاعدة, ثم تفرغ عماد الدين زنكي لتحرير بلاد المسلمين من الفرنج، فبدأ بتوحيد الجبهة الإسلامية وهي أراضي المسلمين المحيطة بالفرنج الصليبيين في الشام, ففتح مدائن عدة، وكان خصومه من المسلمين محيطين به من كل الجهات، وهو ينتصف منهم، ويستولي على بلادهم, وقد أحاطت ولاياتهم بولايته من كل جهاتها، فهو يقصد هذا مرة وهذا مرة، ويأخذ من هذا ويصنع هذا، إلى أن ملك من كل من يليه طرفا من بلاده، وحاصر دمشق وصالحهم على أن خطبوا له بها، ثم بعد ذلك اتجه للفرنج واستنقذ منهم كفرطاب والمعرة ودوخهم، وشغلهم بأنفسهم، ودانت له البلاد، وختم جهاده معهم باستنقاذ إمارة الرها منهم.
قال أبو شامة: "كان الفرنج قد اتسعت بلادهم وكثرت أجنادهم، وعظمت هيبتهم، وزادت صولتهم، وامتدت إلى بلاد المسلمين أيديهم، وضعف أهلها عن كف عاديهم، وتتابعت غزواتهم، وساموا المسلمين سوء العذاب، واستطار في البلاد شرر شرهم، وامتدت مملكتهم من ناحية ماردين وشبختان إلى عريش مصر، لم يتخلله من ولاية المسلمين غير حلب وحماة وحمص ودمشق، فلما نظر الله سبحانه إلى بلاد المسلمين ولاها عماد الدين زنكي فغزا الفرنج في عقر ديارهم، وأخذ للموحدين منهم بثأرهم، واستنقذ منهم حصونا ومعاقل" توجه أتابك زنكي إلى قلعة جعبر ومالكها يومذاك سيف الدولة أبو الحسن علي بن مالك، فحاصرها وأشرف على أخذها، فأصبح زنكي يوم الأربعاء خامس شهر ربيع الآخر سنة 541 مقتولا، قتله خادمه وهو راقد على فراشه ليلا، ودفن بصفين.
ذكر بعض خواصه قال: "دخلت إليه في الحال وهو حي، فحين رآني ظن أني أريد قتله، فأشار إلي بإصبعه السبابة يستعطفني، فوقفت من هيبته، وقلت له: يا مولانا، من فعل بك هذا فلم يقدر على الكلام، وفاضت نفسه لوقته"، فكان- رحمه الله- شديد الهيبة على عسكره ورعيته، عظيم السياسة، لا يقدر القوي على ظلم الضعيف، وكانت البلاد قبل أن يملكها خرابا من الظلم ومجاورة الفرنج، فعمرها وامتلأت أهلا وسكانا.
قال عز الدين بن الأثير في تاريخه: "حكى لي والدي قال: رأيت الموصل وأكثرها خراب، وكان الإنسان لا يقدر على المشي إلى الجامع العتيق إلا ومعه من يحميه؛ لبعده عن العمارة، وهو الآن في وسط العمارة، وكان شديد الغيرة لا سيما على نساء الأجناد، وكان يقول: لو لم تحفظ نساء الأجناد بالهيبة وإلا فسدن لكثرة غيبة أزواجهن في الأسفار".
فلما قتل تملك ابنه نور الدين محمود بالشام، وابنه غازي بالموصل.
لما قتل عماد الدين زنكي أخذ نور الدين محمود ولده خاتمه من يده، وكان حاضرا معه، وسار إلى حلب فملكها، وكان حينئذ يتولى ديوان زنكي، ويحكم في دولته من أصحاب العمائم جمال الدين محمد بن علي وهو المنفرد بالحكم، ومعه أمير حاجب صلاح الدين محمد الياغيسياني، فاتفقا على حفظ الدولة، وكان مع الشهيد أتابك الملك ألب أرسلان بن السلطان محمود، فركب ذلك اليوم، وأجمعت العساكر عليه، وحضر عنده جمال الدين وصلاح الدين، وأدخلاه الرقة، فبقي فيها أياما لا يظهر، ثم سار إلى ماكسين، فدخلها، وأقام بها أياما، وجمال الدين يحلف الأمراء لسيف الدين غازي بن أتابك زنكي، ويسيرهم إلى الموصل، ثم سار من ماكسين إلى سنجار، فاجتمع أكابر الدولة، وفيهم الوزير جمال الدين محمد الأصبهاني، المعروف بالجواد، والقاضي كمال الدين أبو الفضل محمد بن الشهروزي, وقصدوا خيمة ألب أرسلان، وقالوا له: كان عماد الدين زنكي غلامك ونحن غلمانك، والبلاد لك، وطمنوا الناس بهذا الكلام, ثم إن العسكر افترق فرقتين: فطائفة منهم توجهت بصحبة نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي إلى الشام، والطائفة الثانية سارت مع ألب أرسلان وعساكر الموصل وديار ربيعة إلى الموصل، فلما انتهوا إلى سنجار تخيل ألب أرسلان منهم الغدر فتركهم وهرب، فلحقه بعض العسكر وردوه، فلما وصلوا إلى الموصل وصلهم سيف الدين غازي، وكان مقيما بشهرزور؛ لأنها كانت إقطاعه من جهة السلطان مسعود السلجوقي، ملك الموصل وما كان لأبيه من ديار ربيعة، وترتبت أحواله، وأخذ أخوه نور الدين محمود حلب وما والاها من بلاد الشام، ولم تكن دمشق يومئذ لهم.