Warning: Undefined array key "sirA3lam" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f704007db74beca75b87a603e53b9db7fc676f54_0.file.history.tpl.php on line 73


هي أم المؤمنين سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود، وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد، تزوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود، وأسلمت بمكة قديما وبايعت، وأسلم زوجها السكران بن عمرو، وخرجا جميعا مهاجرين إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية، قدم السكران بن عمرو مكة من أرض الحبشة ومعه امرأته سودة بنت زمعة فتوفي عنها بمكة، فلما حلت أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها فقالت: أمري إليك يا رسول الله.

فقال رسول الله: (مري رجلا من قومك يزوجك).

فأمرت حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود فزوجها، فكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وهاجرت إلى المدينة، وهي التي وهبت يومها إلى عائشة بعد أن أسنت وكبرت، وتوفيت في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما جميعا.


لقد أثار فتح بلاد فارس وتطهيرها من عبادة غير الله عز وجل حقدا مجوسيا؛ فحركوا أصابعهم، واستطاعوا بقدر من الله عز وجل أن يصلوا إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقتله، بتحريك ذلك العلج المجوسي؛ ليقضي الله أمرا كان مفعولا، فكان قاتله أشقى الخلق بما أقدم عليه، وكان قتله لعمر مؤامرة منه مع غيره من المجوس الذين جيء بهم أسرى إلى المدينة، وكان هذا المجوسي واسمه فيروز أبو لؤلؤة المجوسي غلاما للمغيرة، بقي فيها لعلمه بكثير من الصناعات النافعة للمسلمين، ولكنه كان صاحب حقد شديد على عمر، فهو مجوسي خبيث ظل يتحين الفرصة للقضاء على عمر، فجهز سكينا ذا حدين وطلاه بالسم، وانتظر عمر بن الخطاب في صلاة الفجر، فلما دخل عمر في الصلاة وكبر طعنه أبو لؤلؤة ست طعنات في خاصرته وهرب بين الصفوف يطعن المصلين أمامه حتى قام عبد الرحمن بن عوف فألقى عليه برنسه فلما أيقن الخبيث أنه مقبوض طعن نفسه بسكينه ومات, ومات من طعناته تلك ثلاثة عشر رجلا، وأما عمر فقدم عبد الرحمن بن عوف للصلاة بالناس، ثم نظروا أمر عمر الذي احتمل إلى بيته، وجيء له بالطبيب فسقاه نبيذا فخرج النبيذ مشكلا، قال: فاسقوه لبنا.

قال: فخرج اللبن محضا، فقيل له: يا أمير المؤمنين، اعهد.

طلب عمر من ابنه عبد الله أن ينظر من قتله؟ فقال له: قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.

قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة.

ثم قال  لعبد الله، اذهب إلى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر.

بقي عمر بعدها ثلاثة أيام ثم توفي رضي الله عنه وأرضاه، وصلى عليه صهيب، ثم دفن بجانب أبي بكر في حجرة عائشة، فكان مع صاحبيه كما كان معهما في الدنيا، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان قد بقي خليفة عشر سنوات وخمسة أشهر وواحدا وعشرين يوما، كانت حافلة بالفتوحات الإسلامية، وبالعدل المشهور، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.


لما طعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسكين مسمومة وأيقن أنه ميت طلبوا منه أن يستخلف كما استخلفه أبو بكر رضي الله عنه؛ لكنه أبى ذلك، ولكن جعل ستة من الصحابة وكلهم من المبشرين بالجنة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم، وأوصاهم أن يختاروا رجلا منهم يخلفه بعد موته، فلما مات وصلي عليه ودفن اجتمعوا في بيت المسور بن مخرمة، جمعهم المقداد بن الأسود، وحضر عبد الله بن عمر كذلك، وتداولوا بينهم حتى قال عبد الرحمن بن عوف: من يخرج منها بنفسه على أن يوليها أفضلكم؟ فلم يجب أحد، فقال: هو أنا.

يعني أنه ينسحب من الخلافة، ولكن يكون أمر تعيين الخليفة له، فعمل عبد الرحمن جهده وسأل الناس، حتى قيل: إنه لم يترك حتى الصغار سألهم: من يوليها؟ ظل كذلك ثلاثة أيام ثم جمعهم عبد الرحمن ثم سأل عليا أن يسير سيرة الخليفتين قبله، فقال: إنه يعمل بعلمه وطاقته.

وأما عثمان فأجاب بالإيجاب فبايعه عبد الرحمن، ثم بايعه الناس جميعا حتى علي بن أبي طالب، وكان طلحة غائبا عن هذا فلما حضر بايع هو كذلك، وقد قيل: إن عبد الرحمن لما سأل الناس كانوا يكادون يجمعون على عثمان.

فكانت تلك قصة خلافته رضي الله عنه وأرضاه.


بعد أن تفشت الخوارج في المغرب وهم الصفرية ولوا عليهم ميسرة المدغري المعروف بميسرة الحقير، فأعلن الثورة على عبيدالله بن الحبحاب فاستولى على طنجة وقتل عاملها عمر بن عبد الله المرادي وولى عبد الأعلى الرومي، فتوجه الأخير إلى السوس لقتال إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب، وكان أبوه ولاه على السوس، وقتل في المعركة عبد الأعلى فسير ميسرة لقتال إسماعيل على رأس جيش من البربر فقاتلوا وقتلوا إسماعيل، فوجه عبيد الله بن الحبحاب جيشا بقيادة خالد بن أبي عبيدة الفهري لقتال ميسرة فتحاجز الفريقان وعاد ميسرة إلى طنجة فنقم عليه البربر وقتلوه وولوا عليهم خالد بن حميد الزناتي فالتقى جيش البربر مع جيش خالد الفهري بالقرب من طنجة فكانت معركة ضارية شديدة كانت نتيجتها هزيمة جيش خالد الفهري وقتل الكثير منهم، وسميت وقعة الأشراف لكثرة الأشراف في جيش خالد الفهري والذين قتل الكثير منهم.


غزا نصر بن سيار أمير خراسان غزوات متعددة في الترك، وأسر ملكهم كور صول في بعض تلك الحروب وهو لا يعرفه، فلما تيقنه وتحققه، سأل منه كور صول أن يطلقه على أن يرسل له ألف بعير من إبل الترك -وهي البخاتي- وألف برذون، وهو مع ذلك شيخ كبير جدا، فشاور نصر من بحضرته من الأمراء في ذلك، فمنهم من أشار بإطلاقه، ومنهم من أشار بقتله.

ثم سأله نصر بن سيار كم غزوت من غزوة؟ فقال: ثنتين وسبعين غزوة.

فقال له نصر: ما مثلك يطلق، وقد شهدت هذا كله.

ثم أمر به فضربت عنقه وصلبه، فلما بلغ ذلك جيشه من قتله باتوا تلك الليلة يجعرون ويبكون عليه، وجذوا لحاهم وشعورهم وقطعوا آذانهم وحرقوا خياما كثيرة، وقتلوا أنعاما كثيرة، فلما أصبح أمر نصر بإحراقه لئلا يأخذوا جثته، فكان حرقه أشد عليهم من قتله، وانصرفوا خائبين صاغرين خاسرين، ثم كر نصر على بلادهم فقتل منهم خلقا وأسر أمما لا يحصون كثرة.


خرج توفيل بن ميخائيل ملك الروم إلى بلاد الإسلام، وأوقع بأهل زبطرة وغيرها، وكان سبب ذلك أن بابك لما ضيق الأفشين عليه، وأشرف على الهلاك، كتب إلى ملك الروم توفيل يعلمه أن المعتصم قد وجه عساكره ومقاتليه إليه، ولم يبق على بابه أحد، فإن أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحد يمنعك؛ ظنا أن ذلك يخفف عنه، فخرج توفيل في مائة ألف، وقيل أكثر، منهم من الجند نيف وسبعون ألفا وبقيتهم أتباع، ومعهم من المحمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال فلحقوا بالروم حين قاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب، فبلغ زبطرة، فقتل من بها من الرجال، وسبى الذرية والنساء، وأغار على أهل ملطية وغيرها من حصون المسلمين، وسبى المسلمات، ومثل بمن صار في يده من المسلمين وسمل أعينهم، وقطع أنوفهم وآذانهم، فخرج إليهم أهل الثغور من الشام والجزيرة، إلا من لم يكن له دابة ولا سلاح.


كان العباس بن المأمون مع عمه المعتصم في غزوة عمورية، وكان عجيف بن عنبسة قد ندمه إذ لم يأخذ الخلافة بعد أبيه المأمون بطرسوس حين مات بها، ولامه على مبايعته عمه المعتصم ولم يزل به حتى أجابه إلى الفتك بعمه وأخذ البيعة من الأمراء له، وجهز رجلا يقال له الحارث السمرقندي وكان نديما للعباس، فأخذ له البيعة من جماعة من الأمراء في الباطن، واستوثق منهم وتقدم إليهم أنه يلي الفتك بعمه، فلما فتحوا عمورية واشتغل الناس بالمغانم، أشار عليه أن يقتله، فوعده مضيق الدرب إذا رجعوا، فلما رجعوا فطن المعتصم بالخبر، فأمر بالاحتفاظ وقوة الحرس وأخذ بالحزم، واجتهد بالعزم، واستدعى بالحارث السمرقندي فاستقره فأقر له بجملة الأمر، وأخذ البيعة للعباس بن المأمون من جماعة من الأمراء أسماهم له، فاستكثرهم المعتصم واستدعى بابن أخيه العباس فقيده وغضب عليه وأهانه، ثم أظهر له أنه قد رضي عنه وعفا عنه، فأرسله من القيد وأطلق سراحه، فلما كان من الليل استدعاه واستحكاه عن الذي كان قد دبره من الأمر، فشرح له القضية، وذكر له القصة، فإذا الأمر كما ذكر الحارث السمرقندي.

فلما أصبح استدعى بالحارث فأخلاه وسأله عن القضية ثانيا فذكرها له كما ذكرها أول مرة، فقال: ويحك، إني كنت حريصا على ذلك، فلم أجد إلى ذلك سبيلا بصدقك إياي في هذه القصة.

ثم أمر المعتصم حينئذ بابن أخيه العباس فقيد وسلم إلى الأفشين، وأمر بعجيف وبقية الأمراء الذين ذكرهم فاحتفظ عليهم، ثم أخذهم بأنواع النقمات التي اقترحها لهم، فقتل كل واحد منهم بنوع لم يقتل به الآخر، ومات العباس بن المأمون بمنبج، فدفن هناك، وكان سبب موته أنه أجاعه جوعا شديدا، ثم جيء بأكل كثير، فأكل منه وطلب الماء فمنع حتى مات، وأمر المعتصم بلعنه على المنبر وسماه اللعين.


بعد أن أنهى الله فتنة بابك الخرمي، وقضى عليه وعلى جيشه الأفشين ومن معه، وقبض على بابك وحبسه وراسل المعتصم فأمره بتسييرهم إليه, فدخل الأفشين وبصحبته بابك على المعتصم سامرا، ومعه أيضا أخو بابك في تجمل عظيم، وقد أمر المعتصم ابنه هارون الواثق أن يتلقى الأفشين، وأمر بابك أن يركب على فيل ليشهر أمره ويعرفوه، وعليه قباء ديباج وقلنسوة سمور مدورة، وقد هيؤوا الفيل وخضبوا أطرافه ولبسوه من الحرير والأمتعة التي تليق به شيئا كثيرا، ولما أحضر بين يدي المعتصم أمر بقطع يديه ورجليه وجز رأسه وشق بطنه، ثم أمر بحمل رأسه إلى خراسان وصلب جثته على خشبة بسامرا، وكان بابك قد شرب الخمر ليلة قتله.

لما قتل المعتصم بابك الخرمي توج الأفشين وقلده وشاحين من جوهر، وأطلق له عشرين ألف ألف درهم، وكتب له بولاية السند، وأمر الشعراء أن يدخلوا عليه فيمدحوه على ما فعل من الخير إلى المسلمين، وعلى تخريبه بلاد بابك التي يقال لها البذ، وتركه إياها قيعانا وخرابا.


هو بابك الخرمي (بابک خرمدین) زعيم ديني فارسي، وقائد فرقة الخرمية ظهر سنة 201هـ الموافق 816 م، في خلافة المأمون العباسي, وكثر أتباعه، وقاد ثورة على العباسيين بعد مصرع أبي مسلم الخراساني، استمرت حوالى عشرين سنة، وكان أحد الشجعان، أخاف الإسلام وأهله، وهزم الجيوش العباسية عشرين سنة، وغلب على أذربيجان وغيرها، وأراد أن يقيم الملة المجوسية، وعظم البلاء.

فأنفق المأمون والمعتصم على حرب بابك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة، وفي هذه السنة بعث المعتصم نفقات إلى جيشه مع الأفشين، فكانت ثلاثين ألف ألف درهم، فكانت الحرب مع بابك الخرمي فطحنه الأفشين، واستباح عسكره، وأخذت البذ- مدينة بابك- وهرب واختفى في غيضة، ثم أسر بعد فصول طويلة, ولما أحضر بابك بين يدي المعتصم، أمر بقطع يديه ورجليه وجز رأسه وشق بطنه، ثم أمر بحمل رأسه إلى خراسان، وصلب جثته على خشبة بسامرا، فقطع دابر الخرمية.


 هو أبو محمد زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب أو زيادة الله الأول، أمير إفريقية، وكان أفصح أهل بيته لسانا وأكثرهم أدبا، وكان يقول الشعر، ويرعى الشعراء، كانت ولايته من قبل المأمون سنة 201هـ، فطالت أيامه واستقام الأمر, وبنى زيادة الله في أيامه سور القيروان ودار سوسة وقنطرة باب الربيع، وحصن الرباط بسوسة، وجامع القيروان بعد هدمه، وأنفق عليه ستة وثمانين ألف دينار، وفتح جزيرة صقلية على يد قاضيه أسد بن الفرات.

كان عمره يوم مات إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية أيام، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر، وولي بعده أخوه أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب.


لما فعل الروم ما فعلوا بأهل زبطرة وغيرها، وكانت فتنة بابك قد انتهت، سار المعتصم بجيشه قاصدا فتح عمورية؛ إذ كانت تعد من أقوى مدن الروم، بل ربما كانت بمكانة القسطنطينية، فكان أول الأمر أن التقى الأفشين مع الروم وهزمهم شر هزيمة، ثم سار المعتصم والأفشين وأشنان، كل على رأس جيش، متوجهين إلى عمورية وكانت حصينة ذات سور منيع وأبراج تحصن أهلها فيها، فنصب المنجنيق وهدم السور من جهة كانت ضعيفة دلهم عليها أحد الأسرى، فبعث نائب البلد لملك الروم كتابا يعلمه بالأمر، ولكن الكتاب لم يصل حيث قبض على الغلامين اللذين كان معهما الكتاب، ثم زاد الضرب بالمنجنيق حتى انهدم ذلك الجزء، لكنه لا يزال صغيرا على دخول الجيش، ثم إن الموكل بحفظ ذلك البرج من الروم لم يستطع الصمود، فنزل للقتال ولم يعاونه أحد من الروم, فأمر المعتصم المسلمين أن يدخلوا البلد من تلك الثغرة التي قد خلت من المقاتلة، فركب المسلمون نحوها، فجعلت الروم يشيرون إليهم ولا يقدرون على دفاعهم، فلم يلتفت إليهم المسلمون، ثم تكاثروا عليهم ودخلوا البلد قهرا، وتتابع المسلمون إليها يكبرون، وتفرقت الروم عن أماكنها، فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان حيث وجدوهم، وقد حشروهم في كنيسة لهم هائلة ففتحوها قسرا وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم باب الكنيسة، فاحترقت فأحرقوا عن آخرهم، ولم يبق فيها موضع محصن سوى المكان الذي فيه النائب، وهو مناطس في حصن منيع، ثم أنزل مهانا وأخذ المسلمون من عمورية أموالا لا تحد ولا توصف، فحملوا منها ما أمكن حمله، وأمر المعتصم بإحراق ما بقي من ذلك، وبإحراق ما هنالك من المجانيق والدبابات وآلات الحرب؛ لئلا يتقوى بها الروم على شيء من حرب المسلمين، ثم انصرف المعتصم راجعا إلى ناحية طرسوس.


خرج المجوس كما سماهم الأندلسيون، وهم النرماند أو الفايكونغ، في نحو ثمانين مركبا، فحلوا بأشبونة، ثم أقبلوا إلى قادس، وشذونة، ثم قدموا على إشبيلية فدخلوها قسرا، واستأصلوا أهلها قتلا وأسرا.

فبقوا بها سبعة أيام، يسقون أهلها كأس الحمام.

واتصل الخبر بالأمير عبد الرحمن بن الحكم، فقدم على الخيل عيسى بن شهيد الحاجب، وتوجه بالخيل عبد الله ابن كليب وابن رستم وغيرهما من القواد، واحتل بالشرف.

وكتب إلى عمال الكور في استنفار الناس، فحلوا بقرطبة، ونفر بهم نصر الفتى.

وتوافت للمجوس مراكب على مراكب، وجعلوا يقتلون الرجال، ويسبون النساء، ويأخذون الصبيان، وذلك بطول ثلاثة عشر يوما، وكانت بينهم وبين المسلمين ملاحم.

ثم نهضوا إلى قبطيل، فأقاموا بها ثلاثة أيام، ودخلوا قورة، على اثني عشر ميلا من إشبيلية، فقتلوا من المسلمين عددا كثيرا، ثم دخلوا إلى طليلطة، على ميلين من إشبيلية، فنزلوها ليلا، وظهروا بالغداة بموضع يعرف بالنخارين، ثم مضوا بمراكبهم، واعتركوا مع المسلمين.

فانهزم المسلمون، وقتل منهم ما لا يحصى.

ثم عادوا إلى مراكبهم.

ثم نهضوا إلى شذونة، ومنها إلى قادس، وذلك بعد أن وجه الأمير عبد الرحمن قواده، فدافعهم ودافعوه، ونصبت المجانيق عليهم، وتوافت الأمداد من قرطبة إليهم.

فانهزم المجوس، وقتل منهم نحو من خمسمائة علج، وأصيبت لهم أربعة مراكب بما فيها، فأمر ابن رستم بإحراقها وبيع ما فيها من الفيء.

ثم كانت الوقعة عليهم يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر، قتل فيها منهم خلق كثير، وأحرق من مراكبهم ثلاثون مركبا.

وعلق من المجوس بإشبيلية عدد كثير، ورفع منهم في جذوع النخل التي كانت بها.

وركب سائرهم مراكبهم، وساروا إلى لبلة، ثم توجهوا منها إلى الأشنونة فانقطع خبرهم.

ولما قتل الله أميرهم، وأفنى عديدهم، وفتح فيهم، خرجت الكتب إلى الآفاق بخبرهم.

وكتب الأمير عبد الرحمن إلى من بطنجة من صنهاجة، يعلمهم بما كان من صنع الله في المجوس، وبما أنزل فيهم من النقمة والهلكة، وبعث إليهم برأس أميرهم وبمائتي رأس من أنجادهم.


كان سبب ذلك أن بني سليم كانت تفسد حول المدينة بالشر، ويأخذون ما أرادوا من الأسواق بالحجاز بأي سعر أرادوا، وزاد الأمر بهم إلى أن وقعوا بناس من بني كنانة وباهلة، فأصابوهم، وقتلوا بعضهم، فوجه محمد بن صالح- عامل المدينة- إليهم حماد بن جرير الطبري، وكان مسلحة لأهل المدينة، في مائتي فارس، وأضاف إليهم جندا غيرهم، وتبعهم متطوعة، فسار إليهم حماد، فلقيهم بالرويثة، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت سودان المدينة بالناس، وثبت حماد وأصحابه، وقريش والأنصار، وقاتلوا قتالا عظيما، فقتل حماد وعامة أصحابه وعدد صالح من قريش والأنصار، وأخذ بنو سليم الكراع والسلاح، والثياب، فطمعوا ونهبوا القرى والمناهل ما بين مكة والمدينة، وانقطع الطريق.

فوجه إليهم الواثق بغا الكبير أبا موسى في جمع من الجند، فقدم المدينة في شعبان، فلقيهم ببعض مياه الحرة من رواء السورقية قريتهم التي يأوون إليها وبها حصون، فقتل بغا منهم نحوا من خمسين رجلا وأسر مثلهم، وانهزم الباقون، وأقام بغا بالسورقية، ودعاهم إلى الأمان على حكم الواثق، فأتوه متفرقين فجمعهم، وترك من يعرف بالفساد، وهم زهاء ألف رجل، وخلى سبيل الباقين، وعاد بالأسرى إلى المدينة، فحبسهم ثم سار إلى مكة.

فلما قضى حجه سار إلى ذات عرق بعد انقضاء الموسم، وعرض على بني هلال مثل الذي عرض على بني سليم، فأقبلوا وأخذ من المفسدين نحوا من ثلاثمائة رجل، وأطلق الباقين، ورجع إلى المدينة فحبسهم.


لم تزل هذه الفتنة سارية من أيام المأمون إلى أيام المعتصم ثم إلى أيام الواثق، فبقي على نفس منوال صاحبيه السابقين، يمتحن العلماء بمسألة خلق القرآن ومسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة، وسجن من سجن وقتل من قتل بسبب هذا، حتى ورد كتاب الخليفة هارون الواثق إلى الأعمال بامتحان العلماء بخلق القرآن، وكان قد منع أبوه المعتصم ذلك، فامتحن الناس ثانيا بخلق القرآن.

ودام هذا البلاء بالناس إلى أن مات الواثق وبويع المتوكل جعفر بالخلافة، في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، فرفع المتوكل المحنة ونشر السنة، بل إن الأمر استفحل بالواثق أكثر من ذلك؛ فإنه أمر أيضا بامتحان الأسارى الذين وفدوا من أسر الفرنج بالقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة، فمن أجاب إلى القول بخلق القرآن وأن الله لا يرى في الآخرة فودي، وإلا ترك في أيدي الكفار، وهذه بدعة صلعاء شنعاء، عمياء صماء، لا مستند لها من كتاب ولا سنة ولا عقل صحيح، بل الكتاب والسنة والعقل الصحيح بخلافها.


غزا بالصائفة جليقية محمد بن الأمير عبد الرحمن بن الحكم، فحصرها، وحصر مدينة ليون، ورماها بالمجانيق.

فلما أيقن أهلها بالهلاك خرجوا ليلا، ولجؤوا إلى الجبال والغياض، فأحرق محمد ما فيها، وأراد هدم سورها، فوجد سعته ثماني عشرة ذراعا فتركه، وأمعن في بلاد الشرك قتلا وسبيا.


وقعت مفاداة الأسارى بين المسلمين والروم، واجتمع المسلمون على نهر اللامس، على مسيرة يوم من طرسوس، واشترى الواثق من بغداد وغيرها من الروم، وعقد الواثق لأحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم، وأمره بحضور الفداء هو وخاقان الخادم، وأمرهما أن يمتحنا أسرى المسلمين، فمن قال: القرآن مخلوق، وإن الله لا يرى في الآخرة، فودي به، وأعطي دينارا، ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم.

فاجتمع المسلمون ومن معهم من الأسرى على النهر، وأتت الروم ومن معهم من الأسرى، وكان النهر بين الطائفتين، فكان المسلمون يطلقون الأسير فيطلق الروم من المسلمين، فيلتقيان في وسط النهر، ويأتي هذا أصحابه، فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروا، وإذا وصل الأسير إلى الروم صاحوا حتى فرغوا، وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسا، والنساء والصبيان ثمانيمائة، وأهل ذمة المسلمين مائة نفس، وكان النهر مخاضة تعبره الأسرى، وقيل، بل كان عليه جسر.


هو أبو عبد الله أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي المروزي، ثم البغدادي، الإمام الكبير الشهيد، ثقة فاضل، من كبار العلماء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.

كان أحمد بن نصر يخالف من يقول: القرآن مخلوق، ويطلق لسانه فيه، مع غلظة بالواثق، وكان يقول- إذا ذكر الواثق: فعل هذا الخنزير، وقال هذا الكافر، وفشا ذلك، فكان يغشاه رجل يعرف بأبي هارون الشداخ وآخر يقال له طالب، وغيرهما، ودعوا الناس إليه، فبايعوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرق أبو هارون وطالب في الناس مالا، فأعطيا كل رجل دينارا، واتعدوا ليلة الخميس لثلاث خلت من شعبان ليضربوا الطبل فيها ويثوروا على السلطان، فافتضح أمرهم فأرسل الواثق إلى أحمد بن نصر، فأخذه وهو في الحمام، وحمل إليه، وفتش بيته، فلم يوجد فيه سلاح، ولا شيء من الآلات، فسيرهم محمد بن إبراهيم إلى الواثق مقيدين على أكف بغال ليس تحتهم وطاء، إلى سامرا وكان قد أعد له مجلس قضاء، فقال الواثق: ما تقول بالقرآن؟ قال: كلام الله، فقال الواثق: أمخلوق هو؟ قال: كلام الله.

قال: فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة؟ قال: يا أمير المؤمنين، قد جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر- قال- لا تضامون في رؤيته)) فنحن على الخبر، فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون فيه؟ فقال عبد الرحمن بن إسحاق- وكان قاضيا على الجانب الغربي- وعزك يا أمير المؤمنين، هو حلال الدم، وقال بعض أصحاب ابن أبي دؤاد: اسقني دمه، وقال ابن أبي دؤاد: هو كافر يستتاب، لعل به عاهة ونقص عقل، كأنه كره أن يقتل بسببه، فقال الواثق: إذا رأيتموني قد قمت إليه، فلا يقومن أحد، فإني أحتسب خطاي إليه، ودعا بالصمصامة- سيف عمرو بن معديكرب الزبيدي- ومشى إليه، وهو في وسط الدار على نطع، فضربه على حبل عاتقه، ثم ضرب سيما الدمشقي رقبته، وحز رأسه، وطعنه الواثق بطرف الصمصامة في بطنه، وحمل حتى صلب عند بابك، وحمل رأسه إلى بغداد فنصب بها وأقيم عليه الحرس، وكتب في أذنه رقعة: هذا رأس الكافر، المشرك الضال، أحمد بن نصر؛ فلم يزل مصلوبا ست سنين، ثم حط وجمع بين رأسه وبدنه، ودفن بالجانب الشرقي من بغداد في عهد المتوكل، وتتبع الواثق أصحاب أحمد بن نصر، فجعلوا في الحبوس، فرحمة الله على أحمد بن نصر، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ذكره الإمام أحمد بن حنبل يوما، فقال: "رحمه الله، ما كان أسخاه بنفسه لله! لقد جاد بنفسه له".


في حوالي عام 232هـ ومع ضعف الحكام العباسيين بدأت تظهر أطماع بعض الولاة المحليين في كوكبان وعلى رأسهم يعفر بن عبد الرحمن الحوالي.

ومع أواخر القرن التاسع الميلادي، أصبحت اليمن قاعدة عمليات لحركة الشيعة الفاطميين.

وقد عهد يعفر بالسلطة لابنه محمد الذي فضل أن تكون من صنعاء، ثم عهد محمد بن يعفر بالسلطة بعد ذلك لابنه إبراهيم، الذي اختلف مع أبيه على أسلوب الحكم، وانتهي الأمر بقتل أبيه عام 892م/269هـ.

تبع ذلك فوضى وتمرد بين القبائل وأهالي القرى بين السنيين والشيعة، وعم التوتر شوارع صنعاء حتى أرسل الخليفة العباسي في بغداد آنذاك، علي بن الحسين إلى اليمن ليقضي على الفتنة ويضع نهاية للتمرد.

بعد استدعاء ابن الحسين إلى بغداد عام 895م/282هـ.

اهتزت الأمور في صنعاء، وحينئذ ظهر أول إمام زيدي ليتولى زمام الأمر، وهو الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، ولكنه لم يستطع أن يحد من الصراعات، فعاد بنو يعفر إلى الحكم، ومع وفاة آخر حكامهم عبد الله بن قحطان، انتهى حكمهم، وظلت البلاد في حالة فوضى سياسية إلى أن جاء إلى الحكم سلالة أخرى حاكمة، وهم بنو الصليحي عام 1047م/439هـ.


هو الواثق هارون بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد، تاسع الخلفاء العباسيين، ولد ببغداد سنة 200هـ، ومدة خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام، وقيل سبعة، وفي نفس اليوم بويع لأخيه المتوكل بالخلافة.


وكانت الأتراك قد عزموا على تولية محمد بن الواثق، فاستصغروه فتركوه وعدلوا إلى أخيه جعفر، وكان عمره إذ ذاك ستا وعشرين سنة، وكان الذي ألبسه خلعة الخلافة أحمد بن أبي دؤاد القاضي، وكان هو أول من سلم عليه بالخلافة، وبايعه الخاصة والعامة، وكانوا قد اتفقوا على تسميته بالمنتصر بالله، إلى صبيحة يوم الجمعة، فقال ابن أبي دؤاد: رأيت أن يلقب بالمتوكل على الله، فاتفقوا على ذلك، وكتب إلى الآفاق.


عزل محمد بن الأغلب- أمير إفريقية- عامله على الزاب، واسمه سالم بن غلبون، فأقبل يريد القيروان، فلما صار بقلعة يلبسير أضمر الخلاف وسار إلى الأربس، فمنعه أهلها من الدخول إليها، فسار إلى باجة، فدخلها واحتمى بها فسير إليه ابن الأغلب جيشا عليهم خفاجة بن سفيان، فنزل عليه وقاتله، فهرب سالم ليلا، فاتبعه خفاجة، فلحقه وقتله، وحمل رأسه إلى ابن الأغلب، وكان أزهر بن سالم عند ابن الأغلب محبوسا فقتله.


هو الإمام الحافظ الجهبذ، شيخ المحدثين، أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام.

الغطفاني, ثم المري مولاهم البغدادي.

ولد سنة ثمان وخمسين ومائة.

أحد أعلام أئمة الحديث، سيد الحفاظ، إمام عصره بالجرح والتعديل، وإليه المنتهى والمرجع بذلك، وقال الإمام أحمد: "كل حديث لا يعرفه يحيى، فليس بحديث"، له كتاب في العلل، وكتاب في الجرح والتعديل، توفي بالمدينة وغسل على الأعواد التي غسل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونادى مناد في جنازته: هذا الذي كان يذب الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفن في البقيع- رحمه الله تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.


خرج محمد بن البعيث بن حلبس عن الطاعة في بلاده أذربيجان، وأظهر أن المتوكل قد مات، والتف عليه جماعة من أهل تلك الرساتيق، ولجأ إلى مدينة مرند فحصنها، وجاءته البعوث من كل جانب، وأرسل إليه المتوكل جيوشا يتبع بعضها بعضا، فنصبوا على بلده المجانيق من كل جانب، وحاصروه محاصرة عظيمة جدا، وقاتلهم مقاتلة هائلة، وصبر هو وأصحابه صبرا بليغا، وقدم بغا الشرابي لمحاصرته، فلم يزل به حتى أسره واستباح أمواله وحريمه، وقتل خلقا من رؤوس أصحابه، وأسر سائرهم وانحسمت مادة ابن البعيث، وأرسل ابن البعيث إلى سامرا وحبس، ثم شفع له عند المتوكل، فلم يقتله، ولكنه مات بعد شهر في سامرا.


بعد أن تمكن المتوكل من الخلافة ولم يكن على مذهب أخيه ومن قبله في مسألة خلق القرآن، وخاصة أنه لم يقرب أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي، كما كان مقربا للواثق، فأمر وكتب بالكف عن امتحان الناس بمسألة خلق القرآن، حتى هدد بالقتل من امتحن فيها وأعاد القول فيها، ونشر السنة, واستقدم الإمام أحمد إليه واعتذر إليه، وشاوره بمن يرشح للقضاء، فرشح له ابن أكثم.


خرج عمرو بن سليم التجيبي- المعروف بالقويع- على محمد بن الأغلب أمير إفريقية، فسير إليه جيشا، فحصره بمدينة تونس، فلم يبلغوا منه غرضا فعادوا عنه.

فلما دخلت سنة خمس وثلاثين سير إليه ابن الأغلب جيشا، فالتقوا بالقرب من تونس، ففارق جيش ابن الأغلب جمع كثير، وقصدوا القويع فصاروا معه، فانهزم جيش ابن الأغلب وقوي القويع؛ فلما دخلت سنة ست وثلاثين سير محمد بن الأغلب إليه جيشا، فاقتتلوا فانهزم القويع، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وأدرك القويع إنسان، فضرب عنقه، ودخل جيش ابن الأغلب مدينة تونس بالسيف في جمادى الأولى.


هو علي بن عبدالله بن جعفر المعروف بابن المديني، إمام عصره في الجرح والتعديل والعلل، ولد سنة إحدى وستين ومائة، أحد الأعلام، وصاحب التصانيف، روى عنه الأئمة: البخاري، وأحمد، والنسائي، وغيرهم، قال ابن عيينة: "لولا ابن المديني ما جلست"، وقال النسائي: "كأن الله خلق علي بن المديني لهذا الشأن"، وقيل للبخاري ما تشتهي؟ قال: "أقدم العراق وعلي بن عبدالله حي فأجالسه".

وقال البخاري: "ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني" له كتاب العلل، وقوله في الجرح والتعديل مقدم، توفي في سامرا، فرحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا.


أمر المتوكل أهل الذمة بلبس الطيالسة العسلية، وشد الزنانير، وركوب السروج بالركب الخشب، وعمل كرتين في مؤخر السروج، وعمل رقعتين على لباس مماليكهم مخالفتين للون الثوب، كل واحدة منهما قدر أربعة أصابع، ولون كل واحدة منهما غير لون الأخرى، ومن خرج من نسائهم تلبس إزارا عسليا، ومنعهم من لباس المناطق، وأمر بهدم بيعهم المحدثة، وبأخذ العشر من منازلهم، وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب، ونهى أن يستعان بهم في أعمال السلطان، ولا يعلمهم مسلم، وأن يظهروا في شعانينهم صليبا، وأن يستعملوه في الطريق، وأمر بتسوية قبورهم مع الأرض، وكتب في ذلك إلى الآفاق.


خرج رجل يقال له محمود بن الفرج النيسابوري، وهو ممن كان يتردد إلى خشبة بابك وهو مصلوب فيقعد قريبا منه، وذلك بقرب دار الخلافة بسر من رأى، فادعى أنه نبي، وأنه ذو القرنين، وقد اتبعه على هذه الضلالة ووافقه على هذه الجهالة جماعة قليلون، وهم تسعة وعشرون رجلا، وقد نظم لهم كلاما في مصحف له- قبحه الله- زعم أن جبريل جاءه به من الله، فأتي به وبأصحابه المتوكل، فأمر به فضرب ضربا شديدا وحمل إلى باب العامة، فأكذب نفسه، وأمر أصحابه أن يضربه كل رجل منهم عشر صفعات، ففعلوا وأخذوا له مصحفا فيه كلام قد جمعه، وذكر أنه قرآن، وأن جبريل نزل له، ثم مات من الضرب في ذي الحجة، وحبس أصحابه، ثم اتفق موته في يوم الأربعاء لثلاث خلون من ذي الحجة من هذه السنة.


عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهم محمد، ولقبه المنتصر بالله، وأبو عبد الله محمد؛ وقيل طلحة، وقيل الزبير، ولقبه المعتز بالله، وإبراهيم، ولقبه المؤيد بالله، وعقد لكل واحد منهم لواءين أحدهما أسود وهو لواء العهد، والآخر أبيض وهو لواء العمل، وأعطى كل واحد منهم عدة ولايات.


هو الإمام العلم, سيد الحفاظ, أبو بكر عبدالله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسي مولاهم, الكوفي.

ولد بالكوفة عام 159هـ.

أحد أعلام الحديث، صاحب المصنف المعروف.

أخو الحافظ عثمان بن أبي شيبة، والقاسم بن أبي شيبة الضعيف.

فالحافظ إبراهيم بن أبي بكر هو ولده, والحافظ أبو جعفر محمد بن عثمان هو ابن أخيه, فهم من بيت علم, وأبو بكر: أجلهم.

قال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة: أحمد بن حنبل، وأبي بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني؛ فأحمد أفقههم فيه، وأبو بكر أسردهم، ويحيى أجمع له، وابن المديني أعلمهم به.

قدم ابن أبي شيبة بغداد وحدث بها، وله كتاب التفسير، والأحكام، والمسند المصنف.