فقه العبادات - الصلاة [20]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأربنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحبتي في الله!

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وبداية أحبي الإخوة والأخوت المشاهدين خلف هذه الشاشة، وكذلك أرحب بإخوتي الذين معنا في الأستديو.

حكم سجود السهو للمأموم غير المسبوق

الشيخ: كنا قد توقفنا في آخر مسائل في سجود السهو، وبينا أن سجود السهو إما أن يكون لزيادة، وإما أ، يكون لنقص، وإما أن يكون لشك، وذكرنا تقسيم كل مسألة من المسائل، إلا أنه بقيت مسألة وهي مسألة المأموم هل يسجد تبعاً لإمامه أم لا؟

أقول والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم: إن المأموم لا يخلو من أن يكون مسبوقاً أو غير مسبوق، وقولنا: (مسبوقاً) يعني: قد فاته من الصلاة ركعة أو أكثر، وأما غير المسبوق فهو الذي أدرك مع إمامه الركعة الأولى.

فعندنا الآن حالان:

الحال الأولى: إن كان المأموم لم يفته شيء من صلاته -وهو ما يسمى بغير المسبوق- فإنه يجب أن يسجد مع إمامه إذا سجد، ولا يسجد إذا لم يسجد الإمام، وإذا كان المأموم قد أنقص شيئاً من صلاته من الواجبات، فإن الإمام يتحمل عنه، أما لو أن الإمام ترك سجود السهو والمأموم يرى أن الإمام يجب عليه أن يسجد ولم يسجد -إما لجهل وإما لنسيان أو غير ذلك- فإن المأموم غير المسبوق يسجد لذلك.

وللتوضيح أكثر أقول: المأموم غير المسبوق هو من أدرك مع إمامه تكبيرة الإحرام، فإن سجد الإمام للسهو فوجب على المأموم أن يسجد، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كـابن المنذر و ابن حزم أنه يسجد تبعاً لإمامه؛ لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة و أبي هريرة ، وعند مسلم من حديث أبي موسى : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وأبو موسى لم يروه بهذا اللفظ، إنما رواه البخاري و مسلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا ) ... الحديث. فدل ذلك على أن الإمام إذا سجد للسهو فإن المأموم واجب عليه أن يسجد وهذه الصورة الأولى.

الصورة الثانية: وهي ما إذا ترك المأموم غير المسبوق شيئاً من واجبات الصلاة، مثل: أن يكون قد نسي أن يقول: (سبحان ربي العظيم) أو نسي أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) وقد قلنا: إن هذا واجب كما هو مذهب الحنابلة خلافاً للجمهور، فإن المأموم حينئذ لا يسجد؛ لأن الإمام يتحمل عنه سجوده؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )، كما روى ذلك أبو هريرة .

ومما يدل على أن الإمام يتحمل عن المأموم ما جاء مرفوعاً، والصواب وقفه على علي بن أبي طالب كما رواه البيهقي : ( إنما الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين )، فدل ذلك على أن الإمام يتحمل، فهو ضامن لنقص مأمومه.

الصورة الثالثة: لو ترك الإمام واجباً، مثل: أن يكون قد قام من الركعة الثانية إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول، فلما سلم لم يسجد، فإذا ظن المأموم أن الإمام لن يسجد وقال: أنا ما أخطأت، فإن المشروع في حق المأموم أن يسجد؛ لأن الإمام انفتل من صلاته.

صور سجود السهو للمأموم المسبوق

الشيخ: الحال الثانية: من أحوال المأموم وهي إذا كان المأموم مسبوقاً، فإن المأموم في هذه الحال يسجد إذا سها في صلاته؛ لأننا قلنا في المأموم غير المسبوق: لا يسجد للسهو؛ لأنه تبع لإمامه، أما المسبوق الذي فاته شيء من صلاته، فإنه يكون قد انقتل عن الإمام، وحينئذ فإنه يفعل مثل فعل المنفرد، فلما كان المنفرد يجب عليه أن يسجد للسهو في واجب، وجب على المسبوق أن يسجد للسهو في واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين )، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود وفي أهل السنن من حديث أبي هريرة هذه الصورة الأولى.

الصورة الثانية: أن يدرك المأموم إمامه في سجود للسهو بعد السلام، بمعنى: لو أن الإمام إذا جلس في التشهد الأخير ثم سلم ثم سجد للسهو، فإن المأموم المسبوق هل يسجد للسهو أم لا يسجد؟

اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:

القول الأول: أن المأموم المسبوق إذا سها إمامه وسجد بعد السلام، إن المشروع إنه إذا سلم الإمام فإن المأموم لا يسلم، بل ينتظر، فإذا سجد الإمام للسهو سجد المأموم معه، ثم إذا جلس الإمام وأراد أن يسلم فسلم فإن المأموم يقوم فيكمل صلاته، هذا القول الأول.

وللتوضيح أكثر قالوا: إن المأموم المسبوق الذي أدرك إمامه في التشهد الأخير، فإن كان الإمام سجد للسهو بعد السلام، فإن المشروع في حق المأموم أن ينتظر إمامه ولا يسلم معه، فإذا سلم الإمام ثم سجد للسهو سجد المأموم المسبوق معه، ثم قام فأكمل صلاته.

والقول الثاني في المسألة: وهو أن الإمام إذا سلم من صلاته فقد انفتل المأموم عن إمامه، فإذا سجد الإمام بعد ذلك للسهو بعد السلام، فإن المسبوق لا يسجد، بل الواجب عليه أن يقوم؛ لأنه بمجرد سلام إمامه انفصلت صلاة الإمام عن صلاة المأموم، ثم يكمل المأموم الصلاة، فإذا جلس لتشهده الأخير فإنه يفعل مثل ما فعل إمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فيأتم به بالتشهد الأخير، فيسلم ثم يسجد للسهو ثم يسلم.

والراجح هو القول الثاني؛ وهو أن المسبوق إن أدرك إمامه في التشهد وكان حقه قبل السلام، وجب على المسبوق أن يسجد قبل السلام، وإن أدرك إمامه في سجود سهو بعد السلام، فالراجح أن المأموم بمجرد سلام إمامه ينفتل عن إمامه ويكمل صلاته، فإذا جلس في التشهد الأخير، فإنه يسلم ثم يسجد السهو ثم يسلم، هذا هو الراجح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما روى أحمد و الترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).

وجه الدلالة: فبمجرد سلام إمامه فقد انفتل المأموم عن إمامه، وهذا القول هو القول الراجح.

الصورة الثالثة: إن سها إمام المسبوق ولم يسجد للسهو، ثم قام المسبوق، فإن المشروع في حقه أن يسجد؛ للنقص الذي لم يسجد معه إمامه.

فتلخص أنها ثلاثة أحوال:

الحال الأولى: إذا سها إمامه وسجد معه، وإن كان بعد السلام، فإن الراجح أنه إذا سلم انفتل المأموم عن صلاته، فإذا جلس للتشهد الأخير سلم، ثم سجد للسهو ثم سلم.

الحال الثانية: إذا سها المسبوق في صلاته فترك واجباً، فإننا نقول: لو لم يكن مسبوقاً لما جاز له أن يسجد؛ لأجل ألا يخالف الإمام، أما المسبوق فإنه إذا جلس للتشهد الأخير، فإنه إن كان سجود قبل سلام سجد قبل السلام، وإن كان بعد سلام سجد بعد السلام.

الحال الثالثة: وهي حالة ما إذا ترك الإمام واجباً ولم يسجد له، فإذا قام المسبوق وأكمل صلاته، فإن المشروع في حقه أن يسجد للسهو؛ لأن إمامه لم يسجد، فكان ذلك من واجبات الصلاة، ولم يفعلها الإمام فيفعلها المأموم، وإنما قلنا: لا يفعل في الأولى؛ لأنه إنما كان تبعاً لإمامه.

وبهذا نكون قد أنهينا باب سجود السهو، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: كنا قد توقفنا في آخر مسائل في سجود السهو، وبينا أن سجود السهو إما أن يكون لزيادة، وإما أ، يكون لنقص، وإما أن يكون لشك، وذكرنا تقسيم كل مسألة من المسائل، إلا أنه بقيت مسألة وهي مسألة المأموم هل يسجد تبعاً لإمامه أم لا؟

أقول والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم: إن المأموم لا يخلو من أن يكون مسبوقاً أو غير مسبوق، وقولنا: (مسبوقاً) يعني: قد فاته من الصلاة ركعة أو أكثر، وأما غير المسبوق فهو الذي أدرك مع إمامه الركعة الأولى.

فعندنا الآن حالان:

الحال الأولى: إن كان المأموم لم يفته شيء من صلاته -وهو ما يسمى بغير المسبوق- فإنه يجب أن يسجد مع إمامه إذا سجد، ولا يسجد إذا لم يسجد الإمام، وإذا كان المأموم قد أنقص شيئاً من صلاته من الواجبات، فإن الإمام يتحمل عنه، أما لو أن الإمام ترك سجود السهو والمأموم يرى أن الإمام يجب عليه أن يسجد ولم يسجد -إما لجهل وإما لنسيان أو غير ذلك- فإن المأموم غير المسبوق يسجد لذلك.

وللتوضيح أكثر أقول: المأموم غير المسبوق هو من أدرك مع إمامه تكبيرة الإحرام، فإن سجد الإمام للسهو فوجب على المأموم أن يسجد، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، كـابن المنذر و ابن حزم أنه يسجد تبعاً لإمامه؛ لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة و أبي هريرة ، وعند مسلم من حديث أبي موسى : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، وأبو موسى لم يروه بهذا اللفظ، إنما رواه البخاري و مسلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا ) ... الحديث. فدل ذلك على أن الإمام إذا سجد للسهو فإن المأموم واجب عليه أن يسجد وهذه الصورة الأولى.

الصورة الثانية: وهي ما إذا ترك المأموم غير المسبوق شيئاً من واجبات الصلاة، مثل: أن يكون قد نسي أن يقول: (سبحان ربي العظيم) أو نسي أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) وقد قلنا: إن هذا واجب كما هو مذهب الحنابلة خلافاً للجمهور، فإن المأموم حينئذ لا يسجد؛ لأن الإمام يتحمل عنه سجوده؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم )، كما روى ذلك أبو هريرة .

ومما يدل على أن الإمام يتحمل عن المأموم ما جاء مرفوعاً، والصواب وقفه على علي بن أبي طالب كما رواه البيهقي : ( إنما الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين )، فدل ذلك على أن الإمام يتحمل، فهو ضامن لنقص مأمومه.

الصورة الثالثة: لو ترك الإمام واجباً، مثل: أن يكون قد قام من الركعة الثانية إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول، فلما سلم لم يسجد، فإذا ظن المأموم أن الإمام لن يسجد وقال: أنا ما أخطأت، فإن المشروع في حق المأموم أن يسجد؛ لأن الإمام انفتل من صلاته.

الشيخ: الحال الثانية: من أحوال المأموم وهي إذا كان المأموم مسبوقاً، فإن المأموم في هذه الحال يسجد إذا سها في صلاته؛ لأننا قلنا في المأموم غير المسبوق: لا يسجد للسهو؛ لأنه تبع لإمامه، أما المسبوق الذي فاته شيء من صلاته، فإنه يكون قد انقتل عن الإمام، وحينئذ فإنه يفعل مثل فعل المنفرد، فلما كان المنفرد يجب عليه أن يسجد للسهو في واجب، وجب على المسبوق أن يسجد للسهو في واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين )، كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود وفي أهل السنن من حديث أبي هريرة هذه الصورة الأولى.

الصورة الثانية: أن يدرك المأموم إمامه في سجود للسهو بعد السلام، بمعنى: لو أن الإمام إذا جلس في التشهد الأخير ثم سلم ثم سجد للسهو، فإن المأموم المسبوق هل يسجد للسهو أم لا يسجد؟

اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:

القول الأول: أن المأموم المسبوق إذا سها إمامه وسجد بعد السلام، إن المشروع إنه إذا سلم الإمام فإن المأموم لا يسلم، بل ينتظر، فإذا سجد الإمام للسهو سجد المأموم معه، ثم إذا جلس الإمام وأراد أن يسلم فسلم فإن المأموم يقوم فيكمل صلاته، هذا القول الأول.

وللتوضيح أكثر قالوا: إن المأموم المسبوق الذي أدرك إمامه في التشهد الأخير، فإن كان الإمام سجد للسهو بعد السلام، فإن المشروع في حق المأموم أن ينتظر إمامه ولا يسلم معه، فإذا سلم الإمام ثم سجد للسهو سجد المأموم المسبوق معه، ثم قام فأكمل صلاته.

والقول الثاني في المسألة: وهو أن الإمام إذا سلم من صلاته فقد انفتل المأموم عن إمامه، فإذا سجد الإمام بعد ذلك للسهو بعد السلام، فإن المسبوق لا يسجد، بل الواجب عليه أن يقوم؛ لأنه بمجرد سلام إمامه انفصلت صلاة الإمام عن صلاة المأموم، ثم يكمل المأموم الصلاة، فإذا جلس لتشهده الأخير فإنه يفعل مثل ما فعل إمامه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، فيأتم به بالتشهد الأخير، فيسلم ثم يسجد للسهو ثم يسلم.

والراجح هو القول الثاني؛ وهو أن المسبوق إن أدرك إمامه في التشهد وكان حقه قبل السلام، وجب على المسبوق أن يسجد قبل السلام، وإن أدرك إمامه في سجود سهو بعد السلام، فالراجح أن المأموم بمجرد سلام إمامه ينفتل عن إمامه ويكمل صلاته، فإذا جلس في التشهد الأخير، فإنه يسلم ثم يسجد السهو ثم يسلم، هذا هو الراجح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما روى أحمد و الترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).

وجه الدلالة: فبمجرد سلام إمامه فقد انفتل المأموم عن إمامه، وهذا القول هو القول الراجح.

الصورة الثالثة: إن سها إمام المسبوق ولم يسجد للسهو، ثم قام المسبوق، فإن المشروع في حقه أن يسجد؛ للنقص الذي لم يسجد معه إمامه.

فتلخص أنها ثلاثة أحوال:

الحال الأولى: إذا سها إمامه وسجد معه، وإن كان بعد السلام، فإن الراجح أنه إذا سلم انفتل المأموم عن صلاته، فإذا جلس للتشهد الأخير سلم، ثم سجد للسهو ثم سلم.

الحال الثانية: إذا سها المسبوق في صلاته فترك واجباً، فإننا نقول: لو لم يكن مسبوقاً لما جاز له أن يسجد؛ لأجل ألا يخالف الإمام، أما المسبوق فإنه إذا جلس للتشهد الأخير، فإنه إن كان سجود قبل سلام سجد قبل السلام، وإن كان بعد سلام سجد بعد السلام.

الحال الثالثة: وهي حالة ما إذا ترك الإمام واجباً ولم يسجد له، فإذا قام المسبوق وأكمل صلاته، فإن المشروع في حقه أن يسجد للسهو؛ لأن إمامه لم يسجد، فكان ذلك من واجبات الصلاة، ولم يفعلها الإمام فيفعلها المأموم، وإنما قلنا: لا يفعل في الأولى؛ لأنه إنما كان تبعاً لإمامه.

وبهذا نكون قد أنهينا باب سجود السهو، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: الآن سوف نشرح مسائل في صلاة التطوع.

أولاً: من المعلوم أن أفضل ما يتقرب العباد إلى الله سبحانه تعالى هو ما افترضه عليهم؛ كما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه )، فوجه الدلالة: هو قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)، فدل ذلك على أن تقرب العباد إلى الله بما فرضه عليهم أحب إليه وهذه المرتبة الأولى.

المرتبة الثانية: وهي ما اختلف أهل العلم في وجوبها مع أن دليل الوجوب ظاهر، وهو أفضل مما لم يختلفوا في وجوبها؛ لأن اختلافهم في الوجوب دليل على عظم هذا الشأن، وهذه مسألة مهمة في ترتيب الأولويات، وهو أن بعض الناس أحياناً يفعل بعض المستحبات ويترك الواجبات أو يترك الأركان؛ ولهذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما فقد سليمان بن أبي حثمة وكانت أمه تسمى الشفاء ، وكان عمر قد نصبها آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر في سوق النساء، ثم إن عمر رضي الله عنه افتقد سليمان في صلاة الفجر، فلما ذهب يعس في السوق وجد الشفاء أم سليمان فقال: يا أم سليمان ! لم أر سليمان في صلاة الفجر؟ فقالت: يا أمير المؤمنين! لقد كان سليمان يصلي من الليل حتى أخذته عينه فنام عن صلاة الفجر، فقال عمر رضي الله عنه: والله لأن أصلي الفجر في جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله! وهذا يدل على أن كثيراً من الناس إنما يتعبدون الله بما يصلح ذلك بقلوبهم، ولم ينظروا إلى سنة محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان العلماء أفضل من العباد؛ لأن العالم لا يعبد الله إلا على أمرين: بما شرع على لسان نبيه، وبما أمره الله من الإخلاص، والعابد ربما يوافقه الأمر الأول وهو الإخلاص، لكنه قد لا يتابع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل الطرق مسدودة إلى الجنة إلا طريق محمد صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : ( لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )، وقال سبحانه وتعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، ولهذا لسنا بحاجة إلى أن نبالغ هل هذا الأمر جائز أم ليس بجائز؟ إذا لم يثبت هل هو بدعة أو ليس بدعة؟ مجرد أنه ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي لنا أن نتكلفه.

ولهذا أنا أعجب عجباً لا ينقضي! حينما أجد بعض الناس يتحمس ويبذل الغالي والنفيس في سؤال أهل العلم، هل فعله جائز أم لا؟ وأكثر أهل العلم يرون أنه لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيبالغ في شرعنتها، وبدلاً من هذا كله كان الأولى أن تفعل ما هو أصلح لقلبك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واختر من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أنفع لقلبك، بدلاً من أن تخترع شيئاً لم ينزل الله به من سلطان، فلهذا ينبغي للناس أن يتفقهوا في دينهم، وأن يعلموا أن أكمل الفقه هو أن ينظر الإنسان ماذا كان صلى الله عليه وسلم يصنع.

ولهذا قال عمر : والله لأن أصلي الفجر في جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله؛ لأن قيام الليل سنة وصلاة الفجر فرض في وقتها وفي الجماعة أيضاً؛ لأن صلاة الجماعة واجبة على الراجح؛ لأجل هذا اختلف أهل العلم ما أفضل التطوعات بعد الفرائض؟

مذهب الحنابلة في أفضل التطوعات

الشيخ: فذهب الحنابلة إلى أن أفضل التطوعات هي الجهاد، ثم العلم لمن صحت نيته، ثم الصلاة، ونقصد بالجهاد هو الجهاد الذي ثبت على الأمة أنه فرض كفائي، وليس هو الجهاد الذي هو فرض عين، وهو ما إذا داهم العدو بلداً من بلاد المسلمين، فإنه يجب على المسلم المقيم في هذا البلد أن يجاهد ما استطاع إذا كان هناك راية إسلامية، والله أعلم.

الثاني: العلم، فإن العلم من أعظم ما يتقرب العبد به إلى الله، ولهذا قال الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد:19]، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : فبدأ بالعلم قبل العمل؛ لأن العلم أهم.

هذا مذهب الحنابلة على أن أفضل التطوعات الجهاد، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الجهاد وبين فضل الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وقال: ( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها )، وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( رباط يوم في سبيل الله خير من قيام شهر وصيامه )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده إني أحب أن أجاهد في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا فأقتل، ثم أحيا فأقتل )؛ لعظم أجر الشهيد، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

مذهب أبي حنيفة ومالك في أفضل التطوعات

الشيخ: القول الثاني: أن أفضل التطوعات بعد الفرائض هو العلم، وهذا هو مذهب أبي حنيفة و مالك بن أنس ، وهذا يدل على أن تفرغ طالب العلم للعلم من العبادات إذا أخلص لله النية، وأحسن له الطوية، ولا تغتر بكثرة الهالكين الذين يقولون: أنت تدرس أو تدرس بعض المسائل والأمة في خطر، ليس هذا وقتك! أنت إذا أدركت منكراً تستطيع إنكاره فيجب عليك أن تنكره، لكن أن تتصدر في مسائل الأمة فهذا ليس وقتك، فوقتك أن تبذل العلم، وأن تتعلم على أيدي أهل العلم الربانيين الذين يعلمون صغار العلم قبل كباره، حتى إذا علا كعبك واشتد ساعد علمك واحتاجت الأمة إليك، انبريت إلى هذه المقامات التي لا يدركها إلا أولو العزم.

لكن لا يمكن أن يتسلق الإنسان وهو لم يتزبب بعد، كما يقول أبو علي الفارسي : لا تتزبب قبل أن تتحصرم. يعني لا تكن زبيباً قبل أن تكون حصرماً، والحصرم هو العنب الصغير الذي فيه حموضة شديدة، فلا يمكن أن يكون زبيباً إلا أن يكون سبقه حصرم، وهذا يدل على أن طالب العلم كذلك، لا ينبغي أن يتصدر المسائل وهو لما ينضج بعد في العلم، ولم يعرف الناس أنه عالم تفنن في العلم، نسأل الله سبحانه تعالى أن يرزقني وإياكم الفقه في الدين.

فذهب مالك و أبو حنيفة إلى أن أفضل التطوعات العلم لمن صحة نيته، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله )، فقالوا: إن هذا العدل هو العلم، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يورث ديناراً ولا درهماً، وإنما ورث العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر.

مذهب الشافعي في أفضل التطوعات

الشيخ: وذهب الشافعي إلى أن أفضل التطوعات هي الصلاة، واستدل على ذلك بما رواه علي بن يزيد الألهاني عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصلاة خير موضوع، فإن شئت فاستقبل أو استكثر )، وهذا الحديث في سنده ضعف، فإنه يرويه علي بن يزيد الألهاني ، وروايته عن القاسم أبي عبد الرحمن منكرة كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم كـالبخاري وغيره، فدل ذلك على أن الحديث ضعيف والله أعلم.

الراجح في أفضل التطوعات

الشيخ: ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ( أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها )، كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود ، وسئل ( أي الأعمال أفضل؟ فقال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله )، كما في الصحيحين من حديث أبي ذر .

وسئل: ( أوصني! فقال: لا تغضب ).

وسئل صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (الصدقة)، قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله: والأفضل في ذلك هو أنه على حسب أحوال الأشخاص، وعلى حسب الأزمنة والأمكنة.

ولعل هذا القول من الفقه الذي حباه الله أبا العباس بن تيمية رحمه الله، قال: وهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء وقت الجهاد فإن الجهاد في حقه أفضل، وإذا جاء وقت العلم فالعلم أفضل، كما قال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [التوبة:122]، فـأمر الله سبحانه وتعالى ألا ينفر إلى الجهاد إلا جماعة، ويبقى جماعة آخرون يعلمون الناس، قال: وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ [التوبة:122].

إذاً العلم صار أفضل من الجهاد؛ لأن المجاهد يذهب ويتعلم عن طريق العالم، وهذا في وقت، كذلك إذا احتاج المسلمون إلى الصدقة كما حصل للمسلمين في معركة جيش العسرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من جهز جيش العسرة فهو في الجنة، فجهزه عثمان رضي الله عنه )، وقال: ( من يشتري بئر رومة وهو رفيقي في الجنة، فكان عثمان رضي الله عنه )، فدل ذلك على أن هذا على حسب الأحوال والأشخاص والأزمنة والأمكنة.

والذهاب إلى مكة وكثرة الطواف فيها أفضل من قراءة القرآن، مع أن الذكر أفضل من غيره، وهذا على حسب الأحوال والأشخاص، فـابن مسعود رضي الله عنه كان يقوم الليل يقرأ القرآن ويقول: لا أستطيع أن أصوم؛ لأنني إذا صمت تركت قراءة القرآن، فيقلل من الصيام ويكثر من تلاوة القرآن، فيقول: إن تلاوتي للقرآن أنفع لي، فصار هذا في حق ابن مسعود أفضل، وهذا من الفقه الذي ربما لا يدركه كثير من الناس!

فحينما نجد بعض الخطباء يتحدث عن فضل الصدقة، فيتحسر بعض الناس إذا لم يكن عنده مال، فيقول: يا ليتني! نقول: جزاك الله خيراً، تحسرك لك فيه أجر، لكن هناك أعمال أنت قادر على العمل بها، وأن تتفانى في سبيلها، وأن تخدم أمة محمد وتخدم دينك في تحصيلها، وهذا من قدراتك، ولهذا ينبغي أن نوزع المهام، وهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

فجعل سيف الله المسلول خالداً ، وجعل أمين هذا الأمة أبا عبيدة ، وجعل الشيطان يفرق من عمر ، وما كان أصدق لهجة من أبي ذر ، وكان صديق هذه الأمة هو أبا بكر ، فمن ظن أنه يستطيع أن يدرك كل هذه الأشياء في شخص، فإنه لم يفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كانت أبواب الجنة ثمانية، منها باب الريان لمن أكثر من الصيام، ومنها باب الصلاة، ومنها باب الصدقة، ومنها باب الوالد، ودل ذلك على أن هذه ربما يدعى إليها الإنسان كلها وهذا لا يتأتاها إلا أولو العزم كما كان أبو بكر ، ومنهم من يغلب عليه الصلاة فيدخل من باب الصلاة، ومنهم من يغلب عليه الصوم فيدخل من باب الصوم، ومنهم من يغلب عليه بره لأمه أو لأبيه، فيدخل الجنة من هذا الباب، فالناس يتفاوتون.

وإن كان الإنسان إذا أدرك هذه الأشياء كلها، فإنه أفضل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فضيلة الصلاة والتزود من التطوع بها

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقلل من صلاته، فإن التقرب إلى الله بالصلوات من أعظم القربات، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم: ( إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة )، وقال الله سبحانه وتعالى: وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، فدل ذلك على أن الإنسان إذا صلى لله سبحانه وتعالى فإن ذلك من أعظم القربات.

ولهذا بين النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه: ( أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين مقبلاً على الله تعالى بوجهه، غفر الله له ذنبه )، وهذا أمر ميسور، لكنه لا ينشغل، بل يتضرع إلى الله وينطرح بين يديه، ولهذا كانت الصلاة من أعظم القربات.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2563 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2558 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2435 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2385 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2344 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2235 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2190 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2179 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2108 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2084 استماع