الروض المربع - كتاب الطهارة [8]


الحلقة مفرغة

القزع

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم!

قال المؤلف رحمه الله: [ ويكره القزع؛ وهو حلق بعض الرأس وترك بعض، وكذا حلق القفا لغير حجامة ونحوها، ويسن إبقاء شعر الرأس، قال أحمد ].

الحمد لله، يقول المؤلف: (ويكره القزع).

وعرفه بقوله: (وهو حلق بعض الرأس)، وترك بعض، فالمعروف في القزع أن يحلق، أما لو خفف بعض الرأس وترك بعضاً فلا يسمى قزعاً، هذا هو المعروف عند أهل العلم؛ فالقزع لا بد أن يكون حلقاً، فأما تخفيف بعض الجوانب، وترك الأعلى -كما يسميه العامة تواليت- فهذا ليس من القزع، وإن كان ربما ينهى عنه لما فيه من تشبه ببعض القصاص التي يفعلها بعض الناس تشبهاً ببعض المخنثين، أو ببعض الفساق، لكن الأصل أنه ليس بقزع، فربما يكون مباحاً، وربما يكون مكروهاً على حسب التشبه، فإن لم يكن تشبهاً فلا حرج.

والقزع حكم عليه المؤلف بأنه مكروه، وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح النووي ، قال: أجمع أهل العلم على أن القزع مكروه، وكذا نقله أبو الطيب .

وقال بعضهم -وهم قلة-: إنه محرم؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود بسند جيد من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه رأى صبياً قد حلق بعض رأسه، وترك بعضاً، فقال: احلقه كله، أو دعه كله )، قالوا: فهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، والتحريم محل تأمل.

حلق القفا

قال المؤلف رحمه الله: (وكذا حلق القفا).

(حلق القفا) يحتمل معنيين:

المعنى الأول: هو حلق العنق، وليس من الرأس، نحن نسميها الرقبة، فإذا حلق وأبقى الرأس قالوا: منهي عنه، كما في بعض شرح المتون، قالوا: لأن أحمد قال: من فعل المجوس ما لم يكن لحاجة، كما قال المؤلف: (لحجامة ونحوها).

المعنى الثاني: أن القفا هو آخر الرأس، وأول العنق، فهو من ضمن الرأس، أما أسفل الرقبة فهذا من الرقبة وليس من الرأس، والقفا إنما هو آخر الرأس، فهو من ضمن الرأس، وليس من ضمن الرقبة.

هذان معنيان، وإن كان المعنى الثاني -وهو أن القفا آخر الرأس- أظهر.

أحوال حلق شعر الرأس وإبقائه

قال المؤلف رحمه الله: (ويسن إبقاء شعر الرأس).

مذهب الحنابلة على أن إبقاء الشعر سنة، قال أحمد : هو سنة، لو نقوى عليه اتخذناه. وهو قول الحنابلة -كما قلت- وبعض الشافعية، والذي يظهر -والله تبارك وتعالى أعلم- أن إزالة الشعر وإبقاءه على أحوال:

الحالة الأولى: إزالته في حج أو عمرة. وهذا سنة مؤكدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اغفر للمحلقين ثلاثاً )، كما في الصحيحين من حديث ابن عمر ، ومن حديث أبي هريرة ، (اللهم اغفر)، وفي رواية: (اللهم ارحم)، فالسنة إزالته وعدم إبقائه.

الحالة الثانية: أن يزال لحاجة: كحجامة أو تداوٍ ونحو ذلك، وهذا -أيضاً- لا حرج فيه، كما روى عبد الله بن مالك ابن بحينة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وسط رأسه ).

الحالة الثالثة: إزالته ديانة، وهذا مكروه أو محرم؛ لأن ذلك بدعة، وما كان يفعله إلا أهل البدع كالخوارج ونحوهم. وبعض عامتنا إذا تدين الإنسان أمروه أن يحلق رأسه، وهذا خطأ، ومعروف أن الخوارج من عادتهم حلق الرأس، كما جاء في الصحيحين: ( فجاء رجل كث اللحية محلوق الرأس )، وذكر أبو العباس بن تيمية إجماع المسلمين على أن حلق الرأس لا يحمد ابتداءً إلا إذا كان في حج أو عمرة.

الحالة الرابعة: حلقه من غير حاجة، ولا حج، ولا عمرة، ولا تدين، فذهب مالك إلى أنه مكروه، وذهب الجمهور إلى الجواز، وهو الأقرب والله أعلم. ودليل الجواز فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه جاء عند أبي داود أن عبد الله بن جعفر حينما مات أبوه قال: (فتركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، ثم دخل علينا، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، فقال: ادعوا لي بني أخي، قال: فجيء بنا، فدعا بالحلاق أو بالحجام فحلق رءوسنا)، وهذا يدل على الجواز.

أما إبقاؤه في غير الحج والعمرة: هل هو السنة كما هو مذهب أحمد ، أم ليس ثمة سنة؟ الذي يظهر -والله أعلم- أن الصحابة والمرسلين قبل ذلك إنما كانوا يضعون ذلك ليس من باب السنية، ولكن من باب العادة، ومن المعلوم أن عيسى بن مريم كانت تضرب لمته عند شحمة أذنه، وإبراهيم عليه السلام، قال فيه صلى الله عليه وسلم: ( ورأيت إبراهيم قائماً يصلي، وأنا أشبه ولده به )، ومحمد صلى الله عليه وسلم أحياناً يكون شعره كما قال البراء : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوع الرأس، له لمة جميلة )، فهذا يدل على أنهم كان عندهم شعر، لكن إطالته لم يكن مقصوداً لذاته، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده شعر أن يكرمه، كما عند أبي داود ، من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له شعر فليكرمه )، والأمر بالإكرام ليس دليلاً على أنه يستحب إبقاء الشعر، ومما يدل على أن إطالته ليست مقصودة ما جاء عند أبي داود بسند جيد، من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل ). والشعر الطويل دائماً يكون له ذؤابة، يقول: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذباب ذباب ) لأنهم كانوا يجعلون آخر الرأس ما يسمى بذباب أو ذؤابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذباب ذباب، قال: فرجعت فجززته، ثم أتيته من الغد، فلما رآني قال: إني لم أعنك، وهذا أحسن ).

يقول الطحاوي رحمه الله: وما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحسن كان لا شيء أحسن منه، فهذا يدل على أن إطالة الشعر ليست مقصودة بذاتها، وهذا الذي يظهر، والله تبارك وتعالى أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ قال أحمد : هو سنة، لو نقوى عليه اتخذناه، ولكن له كلفة ومئونة ]، يعني: لو كان له كلفة ومؤنة، ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، فالتعب لأجل هذا يؤجر عليه الإنسان، كما أن تغيير البياض مأمور به الإنسان، فالكلفة التي تحصل للإنسان يؤجر عليها أيضاً، فيظهر -والله أعلم- أن أحمد إنما قال: سنة، أي: أن ذلك طريقة المرسلين، وهذا لا شك، لكنها ليست مقصودة.

حدود إطالة الشعر وصفة ترجيله

قال المؤلف رحمه الله: [ ويسرحه ويفرقه، ويكون إلى أذنيه، وينتهي إلى منكبيه، كشعره عليه السلام ].

يقول: (ويسرحه)، وهو الترجل، ( كان يحب التيمن في تنعله وترجله )، فيبدأ عليه الصلاة والسلام في ترجيل باليمين.

قال: (ويفرقه) جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان بمكة كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون )، وسط الشعر؛ يكون هذا من جهة، والشعر الآخر من جهة، فلما كان في المدينة عليه الصلاة والسلام وفتح الله عليه مكة بدأ يفرق، وترك السدل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين، بين سدل وبين فرق، والفرق كان عمل أهل الوثن، والسدل كان عمل أهل الكتاب، فرأى أن موافقته لأهل الكتاب أولى من موافقته أهل الوثن، فلما فتح الله عليه مكة لم يبق أهل وثن، فبدأ يفرق عليه الصلاة والسلام مخالفة لأهل الكتاب.

قال: (وينتهي إلى منكبيه).

كشعره عليه الصلاة والسلام كما قلنا في ذلك.

قال المؤلف: [ ولا بأس بزيادة، وجعله ذؤابة ].

قوله: (لا بأس) ليس دليلاً على الاستحباب؛ لأننا قلنا في حديث وائل : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إني لم أعنك، وهذا أحسن ) وذلك حينما جز ذؤابته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم!

قال المؤلف رحمه الله: [ ويكره القزع؛ وهو حلق بعض الرأس وترك بعض، وكذا حلق القفا لغير حجامة ونحوها، ويسن إبقاء شعر الرأس، قال أحمد ].

الحمد لله، يقول المؤلف: (ويكره القزع).

وعرفه بقوله: (وهو حلق بعض الرأس)، وترك بعض، فالمعروف في القزع أن يحلق، أما لو خفف بعض الرأس وترك بعضاً فلا يسمى قزعاً، هذا هو المعروف عند أهل العلم؛ فالقزع لا بد أن يكون حلقاً، فأما تخفيف بعض الجوانب، وترك الأعلى -كما يسميه العامة تواليت- فهذا ليس من القزع، وإن كان ربما ينهى عنه لما فيه من تشبه ببعض القصاص التي يفعلها بعض الناس تشبهاً ببعض المخنثين، أو ببعض الفساق، لكن الأصل أنه ليس بقزع، فربما يكون مباحاً، وربما يكون مكروهاً على حسب التشبه، فإن لم يكن تشبهاً فلا حرج.

والقزع حكم عليه المؤلف بأنه مكروه، وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح النووي ، قال: أجمع أهل العلم على أن القزع مكروه، وكذا نقله أبو الطيب .

وقال بعضهم -وهم قلة-: إنه محرم؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما عند أبي داود بسند جيد من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه رأى صبياً قد حلق بعض رأسه، وترك بعضاً، فقال: احلقه كله، أو دعه كله )، قالوا: فهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، والتحريم محل تأمل.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2624 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2580 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2540 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2539 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2514 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2446 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2378 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2368 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2347 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [80] 2325 استماع