وحدة الأمة الإسلامية بين الواقع والمأمول


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فإن سر اتحاد المسلمين، والتئامهم، وعدم فرقتهم هو إيمانهم الذي يدعوهم إلى ذلك، وإن الله سبحانه وتعالى جعل المبدأ العقدي أساساً للعمل كله، وجعل الاتحاد والالتئام جارياً على هذا المبدأ، فقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى:13]، فالمبدأ الأول: (أن أقيموا الدين)، والمبدأ الثاني: (ولا تتفرقوا فيه).

التحذير من الفرقة بين المؤمنين والأمر بالاجتماع على طاعة الله عز وجل

وقد حذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين من الفرقة، وبين ضررها، وأمرهم بالاجتماع على طاعته، ولذلك قال سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:103-105].

وبين براءة النبي صلى الله عليه وسلم من المختلفين، فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159].

وجعل الفرقة والخلاف مظهراً من مظاهر الشرك في قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:30-32].

وجعل الفرقة نوعاً من أنواع العذاب، فقال تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65].

وحذر من الأضرار الوخيمة المترتبة عليه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:45-46].

وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخرجها البخاري في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ).

أثر المبدأ العقدي في القيام بحقوق المسلم لأخيه المسلم

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يترتب على هذا التآخي في الله من الحقوق، فقال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، ولا يكذبه، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاثاً، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه ).

وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعض الحقوق التي يغفل عنها كثير من الناس، فقال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، ولا يكذبه ).

هذه الحقوق كلها منطلقة من هذا المبدأ العقدي، وهو قوامها، وبه التئامها، ولا يمكن أن تتراجع هذه الحقوق إلا بنقص في المبدأ الذي هو الأصل، فإذا انتقص الإيمان حصلت القطيعة بين الناس؛ ولهذا قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

وأولى الأرحام بالصلة رحيم الدين؛ لأنه الذي يقطع ما سواه، وهو مستمر في الدنيا، مستمر يوم القيامة، فلا يقطعه في الدنيا الظلم والبغي؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9-10].

وهو مستمر كذلك يوم القيامة؛ لقول الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، فهذا الإخاء الدنيوي مستمر يوم القيامة في جنات النعيم، لا يقطعه أي سبب من أسباب الدنيا، ولا ينقطع يوم القيامة عندما تنقطع الأنساب؛ ولذلك قال الله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، ومع هذا قال: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:85-86].

فالمؤمنون يحشرون وفداً، ومن المعلوم أن الوفد كلمته على لسان رجل واحد، وأنه يتعاون في سيره، ويشترك في رواحله وزاده، ومهمته واحدة، أما الذين كفروا فإنهم يساقون إلى النار ورداً، نسأل الله السلامة والعافية، والورد ليس بينه أي تآلف ولا تآخ، ولا تراحم، ولا ترابط، بل هو يساق سوقاً كما تساق غرائب الإبل.

وقد حذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين من الفرقة، وبين ضررها، وأمرهم بالاجتماع على طاعته، ولذلك قال سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:103-105].

وبين براءة النبي صلى الله عليه وسلم من المختلفين، فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [الأنعام:159].

وجعل الفرقة والخلاف مظهراً من مظاهر الشرك في قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:30-32].

وجعل الفرقة نوعاً من أنواع العذاب، فقال تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65].

وحذر من الأضرار الوخيمة المترتبة عليه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:45-46].

وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أخرجها البخاري في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ).

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما يترتب على هذا التآخي في الله من الحقوق، فقال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، ولا يكذبه، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاثاً، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه ).

وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعض الحقوق التي يغفل عنها كثير من الناس، فقال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يحقره، ولا يخذله، ولا يكذبه ).

هذه الحقوق كلها منطلقة من هذا المبدأ العقدي، وهو قوامها، وبه التئامها، ولا يمكن أن تتراجع هذه الحقوق إلا بنقص في المبدأ الذي هو الأصل، فإذا انتقص الإيمان حصلت القطيعة بين الناس؛ ولهذا قال الله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

وأولى الأرحام بالصلة رحيم الدين؛ لأنه الذي يقطع ما سواه، وهو مستمر في الدنيا، مستمر يوم القيامة، فلا يقطعه في الدنيا الظلم والبغي؛ لقول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:9-10].

وهو مستمر كذلك يوم القيامة؛ لقول الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، فهذا الإخاء الدنيوي مستمر يوم القيامة في جنات النعيم، لا يقطعه أي سبب من أسباب الدنيا، ولا ينقطع يوم القيامة عندما تنقطع الأنساب؛ ولذلك قال الله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، ومع هذا قال: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم:85-86].

فالمؤمنون يحشرون وفداً، ومن المعلوم أن الوفد كلمته على لسان رجل واحد، وأنه يتعاون في سيره، ويشترك في رواحله وزاده، ومهمته واحدة، أما الذين كفروا فإنهم يساقون إلى النار ورداً، نسأل الله السلامة والعافية، والورد ليس بينه أي تآلف ولا تآخ، ولا تراحم، ولا ترابط، بل هو يساق سوقاً كما تساق غرائب الإبل.

إن هذا الإخاء له حقوق كثيرة يلزم الوفاء بها، والحفاظ عليها، ومن أعظمها: أن يتذكر المسلمون أنهم أمة واحدة، وذلك يقتضي منهم التناصر، وألا يخذل بعضهم بعضاً، والتآخي مهما كانت الظروف، وقد أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قلنا: يا رسول الله! أنصره مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه أو تحجزه عن ظلمه فإن ذلك نصره )، إن هذه الأمة تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم مجتمعة القلوب، متآلفةً فيما بينها؛ ولذلك حققت المعجزات، وفتحت أصقاع البلاد، واستمرت على النهج النبوي زماناً طويلاً، ثم بعد ذلك بدأ الخلل، لكن بقي قوامها، وأصل ما يجمعها، فاستمرت على ذلك النهج المجتمع زماناً طويلاً مع ما حصل من الخلل في بعض الجوانب الأخرى إلى أن وصلت إلى الزمان الذي نحن فيه، وهو زمان القطيعة المطلقة، حيث أصبح كل صقع من المسلمين يظن أهله أنهم أمة مستقلة، وأن لهم ذمة خاصة، وأنهم يمكن أن يراعوا مصالحهم مع أعدائهم، ويعلنوا الحرب والسلم دون الرجوع إلى بقية الأمة، وهذا مناف لثوابت الشرع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والمسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم ). وقال: ( وذمة المسلمين واحدة ).

وقال: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ).

وقال: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ).

إن الجسد ما دام متماسكاً لا بد أن يحافظ على هذه الخاصية التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أصيب أي إصبع من أصابعه بنكبة أو شوكة تألم لها القلب وأحس بها الرأس والجوارح كلها، لكن عندما تتقطع الآراب والأوصال فذلك مؤذن بالزوال؛ لأنه مقتض لموت الجسد، إذا قطع الرأس، وقطعت الأعضاء كلها فذلك مؤذن بموت الجسد كله، فلا يقع الإحساس بما يأتي بعد ذلك.

ضرورة وحدة الأمة للقيام بواجب الجهاد في سبيل الله

من هنا كانت أدواء الأمة في غايتها ومبدأها منطلقةً من التقاطع والتناحر، فكلما اجتمعت هذه الأمة، واتفقت على مبدأ من المبادئ، وأزالت ما بينها من عمل الشيطان، وعمل أوليائه وجنوده، كلما استقام دينها؛ ولذلك فإن من أعظم وظائف هذه الأمة وأهمها الجهاد في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، ولا يمكن أن يتم الجهاد إلا باتفاق الكلمة؛ لأن الفرادى لا يمكن أن يقفوا في وجه الموج السائر الطاغي؛ ولهذا قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة:36]، فكما يقاتلوننا المشركون كافة لا بد أن نقاتلهم كافة، ولا بد أن يهتم بذلك جميع أفراد الأمة، وهذا الجهاد وحده هو الذي ضمن الله لمن التزم به الهداية إلى نهجه القويم، فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:4-6].

أثر الجهاد في سبيل الله في هداية الأمة

إن الأمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تعرف طريق الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معصوم، فما دام بين ظهرانيهم لن يضلوا، كما قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ [الحجرات:7]، لكن بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتاج الأمة إلى علم للهداية، وإلى إرشاد على طريق الحق، وإلى مناصب تعرف بها المحجة التي تركها عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لا يتحقق إلا بالجهاد في سبيل الله، فإن حققت الأمة الجهاد في سبيل الله ضمن الله لها الهداية إلى طريقه المرضي عنده، وإن تركت الجهاد في سبيل الله، وتخاذلت فيما بينها وتقاتلت سلط الله عليها أعداءها، وكان ذلك نقصاً في دينها وإيمانها بالله؛ ولذلك أخرج أبو داود في السنن و أحمد في المسند وغيرهما من حديث عطاء ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ).

وقد علم من منطوق الحديث أن الدين الذي يطلب الرجوع إليه حينئذ، وبه ترفع الغمة عن الأمة هو الجهاد المتروك؛ لأنه قال: ( وتركتم الجهاد ).

والدين اسم يطلق على كل ما يدان الله به، ويطلق على بعضه أيضاً؛ فلذلك قال: ( وتركتم الجهاد )، ثم قال بعدها: ( حتى ترجعوا إلى دينكم )، أي: إلى ما تركتم من دينكم وهو الجهاد في سبيل الله، فهو دين يتعبد الله به.

من هنا كانت أدواء الأمة في غايتها ومبدأها منطلقةً من التقاطع والتناحر، فكلما اجتمعت هذه الأمة، واتفقت على مبدأ من المبادئ، وأزالت ما بينها من عمل الشيطان، وعمل أوليائه وجنوده، كلما استقام دينها؛ ولذلك فإن من أعظم وظائف هذه الأمة وأهمها الجهاد في سبيل الله؛ لإعلاء كلمة الله، ولا يمكن أن يتم الجهاد إلا باتفاق الكلمة؛ لأن الفرادى لا يمكن أن يقفوا في وجه الموج السائر الطاغي؛ ولهذا قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة:36]، فكما يقاتلوننا المشركون كافة لا بد أن نقاتلهم كافة، ولا بد أن يهتم بذلك جميع أفراد الأمة، وهذا الجهاد وحده هو الذي ضمن الله لمن التزم به الهداية إلى نهجه القويم، فقد قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:4-6].




استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4775 استماع
بشائر النصر 4274 استماع
أسئلة عامة [2] 4116 استماع
المسؤولية في الإسلام 4042 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 3980 استماع
نواقض الإيمان [2] 3935 استماع
اللغة العربية 3918 استماع
عداوة الشيطان 3918 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3890 استماع
القضاء في الإسلام 3882 استماع