الدروس المهمة لعامة الأمة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فقد خلق الله عز وجل هذا الخلق -الإنسان- لهدف جليل ولحكمة نبيلة أوضحها الله في محكم التنزيل فقال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فالوظيفة الرئيسية للإنسان هي العبادة، وحتى يعبد الله عز وجل على بصيرة أنزل الله كتابه الكريم، وأرسل رسوله صلوات الله وسلامه، عليه وبيّن للناس طريق الحق ودعاهم إليه، وبين لهم طريق الباطل وحذرهم منه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة، فسار الموفقون -أصحاب البصيرة- ساروا في الطريق الصحيح الذي يقول الله فيه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] صراط مستقيم واضح لا اعوجاج فيه ولا غبش ولا التواءات ولا انحناءات، والأمر بالاتباع لا بالابتداع، والتحذير من السبل التي على رأس كل منها شيطان يزينها، ويملي للناس ويسول لهم في الدخول فيها، والنهاية أنها تفرق عن سبيل الله فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] هذه وصية الله، سار الموفقون في الطريق -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم- وانحرف العمي المخذولون الذين ما عرفوا حقيقة هذه الحياة، ولم يعرفوا دورهم، ولماذا خلقهم الله عليها، ساروا في الطرق الملتوية، اتبعوا الشياطين، وساروا في ركابهم: اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الأعراف:30] وسبب ذلك: أنهم عميٌ ما فتحوا بصائرهم على طريق الله، يقول عز وجل: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72] من عاش في الدنيا أعمى عن طريق الله حشره الله أعمى عن صراط الله؛ لأن أول الصراط هنا ونهايته الجنة، امسك الصراط هنا وامسك الخط الصحيح ولا تمل يميناً ولا شمالاً والنهاية الجنة، لكن من زاغ هنا زاغ هناك، ومن انحرف هنا انحرف هناك، ومن ضل هنا ضل هناك، وأكثر من ذلك، قال: وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72] ويستغرب الأعمى يوم أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيراً قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا [طـه:125-126] نسيتها وتعاميت عنها وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طـه:126] والجزاء من جنس العمل، من نسي آيات الله نسيه الله بالعذاب هناك، ومعنى: نسيان الله يعني: إهماله له، وخلوده في جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.

ولكن هذا الطريق -أيها الإخوة- الذي هو طريق السعادة يحتاج إلى علم ومعرفة، وبغير العلم والدراية والمعرفة لا يستطيع أن يواصل السير فيه، لا تكفي العاطفة، والحماس، ولا تكفي الرغبة، بل لا بد من إشارات وإرشادات، وعلامات ودلالات يتمسك بها الإنسان حتى يصل إلى الله، فإن الطريق بعيد، والعقبة كئود، والحمل ثقيل، والبحر عميق، والسفر طويل، والناقد بصير، ولا يخارجك -أيها الإنسان- إلا الذي لا إله إلا هو بعد أن تأخذ بالأسباب.

كان الشخص منا يفكر باستمرار كيف يمكن أن يدل إنساناً على كتاب أو شريط بمجرد ما يرى أنه اهتدى، إذا قال لك: دلني على شريط أو دلني على كتاب. فإنك تفكر كثيراً وأنت تريد أن تدله على شيء محدود ولكنه شامل كامل يفي بالغرض فلا تجد، وهناك أشرطة كثيرة قد لا يستطيع الإنسان سماعها، أو كتب كبيرة لا يستطيع الإنسان استيعابها، ولكن وقع الاختيار على رسالة هامة تكتب بماء الذهب ألفها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لـإداراة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مد الله في أجله، ومتع الله المسلمين بعمره، وهذه الرسالة سماها: الدروس المهمة لعامة الأمة، يستفيد منها العالم والعامي، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، وهي من قبل الرئاسة العامة توزع بالمجان، ووزعت على أئمة المساجد من أجل قراءتها على المصلين؛ لأنه لا يستغني عنها مسلم في حال من الأحوال، إذ أنها اشتملت على الأساسات والقواعد الرئيسية التي يحتاجها المسلم أياً كان هذا المسلم، وفي أي بقعة، وتحت أي سماء، وفوق أي أرض، أي مسلم يقرأ هذه الرسالة ويعتقد ما فيها ويعمل بما فيها فهي وسيلة نجاة بإذن الله عز وجل، هذه الرسالة سنقولها هذه الليلة إن شاء الله مع شيء من التفصيل والشرح المبسط لعلها تستوعب في شريط، ثم يدل على هذا الشريط حينما تعلم بهداية إنسان تقول: اسمع هذا الشريط فإنه يكفيك ويشفيك إن شاء الله.

الدرس الأول في هذه الرسالة يتعلق بالقاعدة التي يبنى عليها الدين وهي: شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله.

وهي المفتاح التي تفتح به الجنة، وهي الباب الذي يدخل منه الإنسان إلى الإسلام، إذ لا يقبل من الإنسان عمل إلا بعد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه الكلمة العظيمة هي التي قالها الله لموسى عندما قال موسى: (يا رب! علمني قولاً أذكرك به، قال: يا موسى! قل لا إله إلا الله، قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى! لو أن السماوات والأرض وعامرهن غيري وضعت في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله).

ومعنى هذه الكلمة: أن (لا إله) نافية لجميع ما يعبد من دون الله، فكل إله باطل إلا الله، (إلا الله) تثبت الألوهية لله وحده لا شريك له، ولذا الجاهليون ما قالوها، لأنهم يعرفون مدلولها، ولذا قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] لأنهم يعبدون ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة، وعندهم آلهة بشرية وآلهة صنمية، ومن كل نوع: يعبدون الشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب، والجن، والشجر، والحجر، والتمر، والكلاب وحتى الفروج والشيطان، ولكن لا إله إلا الله هذه كلمة التوحيد الأولى، معناها: لا إله معبود بحق (إلا الله) تنفي جميع المعبودات إلا الله، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له.

ولها شروط سبعة لا بد من معرفتها:

الشرط الأول: العلم وهو منافٍ للجهل.

الشرط الثاني: اليقين وهو منافٍ للشك.

لا بد أن تقول: لا إله إلا الله موقناً من قلبك يقيناً جازماً ثابتاً لا يزول ولو زالت الجبال عن أماكنها، لا يخالطك فيها شك، فهذا هو اليقين المنافي للشك.

الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للشرك.

لا بد أن تقولها مخلصاً بها، إذ من قالها وهو يشرك مع الله لا تنفعه لا إله إلا الله ولو قالها مليون مرة.

الرابع: الصدق المنافي للكذب.

تقولها صادقاً، لا كما قالها المنافقون الكذبة، في عهد الرسول حين قالوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:8-10].

الخامس: المحبة المنافية للبغض.

تحب لا إله إلا الله، وتحب أهل لا إله إلا الله، وتحب في لا إله إلا الله، وتوالي من أجل لا إله إلا الله، وتعادي من أجل لا إله إلا الله، وتبغض من أجل لا إله إلا الله، وتحيا من أجل لا إله إلا الله، وتموت في سبيل لا إله إلا الله، هذا معنى المحبة.

السادس: الانقياد المنافي للترك.

تنقاد لأحكام لا إله إلا الله، تخضع وتذعن وتستسلم لأوامر لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

السابع: القبول المنافي للرد.

تقبل لا إله إلا الله بصدر منشرح، تفرح بأحكام لا إله إلا الله بقلب مفتوح، الموجة متجهة إلى الله عز وجل، لماذا؟ لأن الذي يعمل بغير رغبة ومحبة ولا قبول لا يقبل الله منه، يقول الله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] هذا معنى شروط لا إله إلا الله.

أما معنى وشروط أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعناه: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، هذه معنى أن محمداً رسول الله، تقتضي هذه الكلمة منك ما دمت تشهد وتعتقد أن هذا رسول أرسله الله إلى الجن والإنس فإن مقتضى هذه الشهادة وهذا الإيمان يلزمك إلزاماً أن تطيعه فيما أمر، وأن تصدقه فيما أخبر، وأن تجتنب عما عنه نهى وزجر، وألا تعبد الله إلا بما شرع هو لا تعبده بما تفتكره من رأسك، وبما تمليه عليك أهواؤك أو استحساناتك، لا. لا دين إلا ما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مراتب الدين ثلاثة مراتب:

مرتبة الإسلام، ومرتبة الإيمان، ومرتبة الإحسان، وهذه المراتب الثلاث جاءت في حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (جاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وجلس وسأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، قال عمر: فعجبنا منه يسأله ويصدقه) معناه أنه يعلم، وأنه يعرف أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ولى الرجل قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من الرجل؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم).

علم الرسول صلى الله عليه وسلم مراتب الدين الثلاثة، وعلمه من ضمنها أركان الإيمان، أي: الأسس التي يقوم عليها الإيمان وهي ستة:

الركن الأول: الإيمان بالله

تؤمن بأن الله هو خالق هذا الكون، وهو المبدع له، وهو المستحق للعبادة، كما هو الذي خلق فهو الذي يأمر: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] ما دام أنه لا أحد يشاركه في الخلق فلا ينبغي أن يشاركه أحد في العبادة والأمر، هذا الركن الأول.

الركن الثاني: الإيمان بملائكة الله

أن تؤمن أن لله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، موكلون بأعمال، ومكلفون بتكاليف، منهم من هو موكل بالوحي وهو جبرائيل، ومنهم من هو موكل بالمطر وهو ميكائيل، ومنهم من هو موكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت، ومنهم من هو موكل بالنفخ وهو إسرافيل، ومنهم خازن الجنان وهو رضوان، ومنهم خازن النيران وهو مالك، ومنهم موكل بالأعمال منكر ونكير: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] نؤمن بهذا وأنهم غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] ومقتضى إيماننا بهم يلزمنا بمراقبة الله، إذ أنه وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] الذي يعرف ويؤمن ويعتقد أن كل كلمة مسجلة عليه هل يخطئ؟ هل يلعب؟ لا. يعرف أن شيء مسجل عليه، لكن الذي ليس عنده إيمان تجده (يهري بما لا يدري، ويبلبل بالكلام في المعصية بغير مراقبة)؛ لأنه ليس عنده يقين ولا إيمان.

الركان الثالث: الإيمان بالكتب المنزلة على رسل الله

أنزل الله على كل رسول يرسله إلى الأمم كتاباً، ختم الكتب كلها بالمهيمن عليها والخاتم لها وهو كتاب الله الذي يقول فيه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] ما فرط الله به من شيء، نور وهداية، وروح لهذه الأمة، وكذا تؤمن بالكتب السالفة: الزبور، والتوراة، والإنجيل، لكن تعمل فقط بما في القرآن؛ لأنه نسخ كل الكتب وهيمن على كل الرسالات ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الركن الرابع: الإيمان بالرسل

تؤمن بأن الله عز وجل أرسل رسلاً إلى الأمم السالفة أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] ولكن لا تعمل بشريعة أحد إلا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأنبياء الأولين لو كانوا موجودين ما وسعهم إلا إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبعث عيسى عليه السلام في آخر الزمان ويعمل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمَّ صلى الله عليه وسلم الأنبياء في بيت المقدس وصلى بهم إماماً، فإنه إمام المرسلين وخاتم النبيين، صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر

أن تؤمن بالبعث وباليوم الآخر، وأن الله قد ضرب موعداً يعلمه هو ولا يعلمه أحد غيره، علم الساعة عند الله، وهذا الموعد يبعث الله فيه الأولين والآخرين، ويحضرهم إلى ميقات يوم معلوم، ثم ينزل فيهم لفصل القضاء، ثم تنشأ الدواوين، ثم يضرب الجسر على متن جهنم، ثم تقرب الجنان وتزلف، وتقرب النيران وتعد، ثم يفصل بين الناس وينقسمون يوم القيامة إلى فريقين فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] بحسب الأعمال التي عملوها في الدنيا، من استقام على دين الله هنا نجاه الله هناك وأدخله الجنة، ومن ضل هنا أضله الله هناك: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72].

الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره

بأن تعتقد: أنه لا يتحرك في الكون متحرك، ولا يسكن ساكن، ولا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلا بقدر من الله عز وجل، يقول الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] كل شيء بقدر من الله عز وجل، وأن هذا القدر فيه خير وفيه شر، وهو خير وشر بالنسبة عندنا ولكن عند الله كله خير، وهذا القدر يلزمك أن تؤمن به، ما معنى تؤمن؟ ترضى وتسلم وتخضع، إذا علمت أن هذا القدر من الله رضيت؛ لأن الخير فيما يقدره الله، والخير فيما يختاره الله فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] هذا هو الإيمان.

تؤمن بأن الله هو خالق هذا الكون، وهو المبدع له، وهو المستحق للعبادة، كما هو الذي خلق فهو الذي يأمر: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54] ما دام أنه لا أحد يشاركه في الخلق فلا ينبغي أن يشاركه أحد في العبادة والأمر، هذا الركن الأول.

أن تؤمن أن لله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، موكلون بأعمال، ومكلفون بتكاليف، منهم من هو موكل بالوحي وهو جبرائيل، ومنهم من هو موكل بالمطر وهو ميكائيل، ومنهم من هو موكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت، ومنهم من هو موكل بالنفخ وهو إسرافيل، ومنهم خازن الجنان وهو رضوان، ومنهم خازن النيران وهو مالك، ومنهم موكل بالأعمال منكر ونكير: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31] نؤمن بهذا وأنهم غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] ومقتضى إيماننا بهم يلزمنا بمراقبة الله، إذ أنه وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12] الذي يعرف ويؤمن ويعتقد أن كل كلمة مسجلة عليه هل يخطئ؟ هل يلعب؟ لا. يعرف أن شيء مسجل عليه، لكن الذي ليس عنده إيمان تجده (يهري بما لا يدري، ويبلبل بالكلام في المعصية بغير مراقبة)؛ لأنه ليس عنده يقين ولا إيمان.

أنزل الله على كل رسول يرسله إلى الأمم كتاباً، ختم الكتب كلها بالمهيمن عليها والخاتم لها وهو كتاب الله الذي يقول فيه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] ما فرط الله به من شيء، نور وهداية، وروح لهذه الأمة، وكذا تؤمن بالكتب السالفة: الزبور، والتوراة، والإنجيل، لكن تعمل فقط بما في القرآن؛ لأنه نسخ كل الكتب وهيمن على كل الرسالات ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تؤمن بأن الله عز وجل أرسل رسلاً إلى الأمم السالفة أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] ولكن لا تعمل بشريعة أحد إلا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأنبياء الأولين لو كانوا موجودين ما وسعهم إلا إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبعث عيسى عليه السلام في آخر الزمان ويعمل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمَّ صلى الله عليه وسلم الأنبياء في بيت المقدس وصلى بهم إماماً، فإنه إمام المرسلين وخاتم النبيين، صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أن تؤمن بالبعث وباليوم الآخر، وأن الله قد ضرب موعداً يعلمه هو ولا يعلمه أحد غيره، علم الساعة عند الله، وهذا الموعد يبعث الله فيه الأولين والآخرين، ويحضرهم إلى ميقات يوم معلوم، ثم ينزل فيهم لفصل القضاء، ثم تنشأ الدواوين، ثم يضرب الجسر على متن جهنم، ثم تقرب الجنان وتزلف، وتقرب النيران وتعد، ثم يفصل بين الناس وينقسمون يوم القيامة إلى فريقين فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] بحسب الأعمال التي عملوها في الدنيا، من استقام على دين الله هنا نجاه الله هناك وأدخله الجنة، ومن ضل هنا أضله الله هناك: وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء:72].

بأن تعتقد: أنه لا يتحرك في الكون متحرك، ولا يسكن ساكن، ولا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلا بقدر من الله عز وجل، يقول الله عز وجل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49] كل شيء بقدر من الله عز وجل، وأن هذا القدر فيه خير وفيه شر، وهو خير وشر بالنسبة عندنا ولكن عند الله كله خير، وهذا القدر يلزمك أن تؤمن به، ما معنى تؤمن؟ ترضى وتسلم وتخضع، إذا علمت أن هذا القدر من الله رضيت؛ لأن الخير فيما يقدره الله، والخير فيما يختاره الله فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] هذا هو الإيمان.

أما التوحيد الذي هو أساس الدين فمعناه: إفراد الله بالعبادة، أي: توحيد الله، والتوحيد مأخوذ من الوحدة، توحد الله: لا تشرك معه، إفراده: تفرده بالعبادة، التوحيد: هو إفراد الله بالعبادة، وهو ثلاثة أقسام:

توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

توحيد الربوبية

وتوحيد الربوبية هو: أن توحد الله بفعله، وفعل الله: الخلق، الرزق، الإحياء، الإماتة، إنزال الغيث، فتوحده بفعله، فلا تعتقد أن هناك خالقاً غير الله، ولا رازقاً غير الله، ولا محيياً غير الله، ولا مميتاً غير الله، هذه كلها من توحيد الربوبية، وهذا لا يكفي لوحده؛ لأن المشركين أقروا بهذا وما دخلوا في الدين، قال الله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] وكذلك اليهود يؤمنون بالله، والنصارى يؤمنون بالله، وبعض الناس الماديين الآن عندهم إيمان بوجود الله، لكن لا يكفي هذا إلا بالتوحيد الثاني والثالث.

التوحيد الثاني: توحيد الألوهية وهو: توحيد الله بفعلك أنت، وحدت الله بفعلك فاعتقدت أنه هو الخالق لوحده، وهو الرازق لوحده، وهو المحيي لوحده.

توحيد الألوهية

القسم الثاني من أقسام التوحيد: أن توحده بفعلك، بصرف جميع أنواع العبادة له وحده، فلا تدعو إلا الله، ولا تستغيث إلا بالله، ولا تخاف إلا من الله، ولا ترجو إلا الله، ولا تستعين إلا بالله، ولا تخشى إلا الله، ولا تخضع إلا لله، ولا تذبح إلا لله، ولا تنذر إلا لله، ولا تتوكل إلا على الله، هذه أفعال العباد ويسمى توحيد الألوهية هو أن توحد الله بأفعالك أنت فلا تصرف منها شيئاً لغير الله تبارك وتعالى، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فقد أشرك بالله ونسف التوحيد من أساسه.

توحيد الأسماء والصفات

والتوحيد الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو: بأن تصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، تثبت لله جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وتنفي عن الله كل صفات النقص التي نفاها الله عن نفسه ونفاها عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع الإثبات تثبت من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، بل تؤمن بأنه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وهذا مخرج عظيم من المتاهات التي ضل فيها أهل الكلام وأهل البدعة والخرافة الذين دخلوا ثم ما استطاعوا أن يخرجوا، بل خرجوا إلى النار والعياذ بالله.

فأما أنت قف على دليل وارض بما وسع رسول الله ووسع صحابة رسول الله ووسع سلف هذه الأمة، وأهل السنة والجماعة الذين وصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأثبتوا له صفات الكمال من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، هذا هو التوحيد.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2918 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2799 استماع
أمن وإيمان 2669 استماع
حال الناس في القبور 2668 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2593 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2567 استماع
النهر الجاري 2470 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2463 استماع
مرحباً شهر الصيام 2392 استماع