تفسير سورة النحل (8)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:41-44].‏

معنى الهجرة وحكمها بعد الزمن الأول

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [النحل:41] الهجرة: هي الانتقال من بلد إلى بلد، أو الانتقال من بلد الظلم والشرك والطغيان إلى بلد الأمن والإيمان، والهجرة باقية ببقاء هذه الملة، فأيما مؤمن يمنع من عبادة الله ويحال بينه وبينها إلا وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر يتمكن فيه من عبادة الله؛ إذ علة الوجود عبادة الله، علة وجودك يا عبد الله أن تعبد الله، فإذا حيل بينك وبين هذه المهمة التي من أجلها خلقت فاطلب مكاناً آخر تعبد الله فيه.

والآية نزلت في المهاجرين من مكة إلى المدينة، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، الهجرة يكفي في بيان فضلها قول ربنا عز وجل: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:100].

ومما ينبغي أن نعلم أن الهجرة -وهي الانتقال من مكان إلى آخر من أجل أن نعبد الله عز وجل- عامة في كل الأزمان وكل الأحوال، فأيما مؤمن يجد نفسه في قرية من قرى الإقليم الذي هو فيه غير متمكن من أن يعبد الله في هذه القرية وجب عليه أن ينتقل إلى قرية أخرى، من مدينة إلى مدينة، من إقليم إلى إقليم، من جبل إلى آخر، سر الهجرة هي أن نعبد الله تعالى؛ إذ هذه علة وجودنا، لم أوجدنا الله؟ أوجدنا من أجل أن نذكره ونشكره بالعبادات التي تعبدنا بها، فإذا تعطلت هذه العبادة تعطلت الحياة كلها، ومن هنا وجبت الهجرة.

في مكة كان يضطهد بلال ، وصهيب ، وعمار ، فما استطاعوا أن يعبدوا الله؛ لأنهم كانوا يمنعونهم من الصلاة، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى بلاد الحبشة، بلاد النصارى المسيحيين، ولكن فيهم ملك عبد صالح رحب بهم وأهَّل ووسع لهم المسكن، فعبدوا الله في تلك الديار حتى كانت الهجرة إلى المدينة.

عظيم أجر المهاجرين في سبيل الله تعالى

يخبر تعالى فيقول: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ [النحل:41] لا لأجل دنيا، لا لأجل مال، لا لأجل منصب، لا لأجل شرف، لا لأجل مركب، بل في سبيل الله، أي: من أجل أن يعبدوا الله وينشروا دعوته بين عباده.

فِي اللَّهِ [النحل:41] أي: في أن يعبد الله ويدعى إلى عبادته بين الناس.

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [النحل:41] ظلموهم، لو رأيتم والد عمار وهم يعذبونه، وسمية وهم يعذبونها، وعمارًا ، حتى قال الرسول: ( أعطهم يا عمار )؛ لأنهم كانوا يقولون: إما أن تسب الرسول وإما نواصل عذابنا لك. هؤلاء أذن الله لهم في الهجرة وأمرهم بها وهاجروا في سبيل الله، فأخبر تعالى بهذا الخبر العزيز الغالي فقال: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [النحل:41] لننزلنهم منزلاً حسناً يسعدون فيه ويكملون ويعبدون الله تعالى، من بوأه الدار: إذا أنزله فيها.

دلالة الآية الكريمة على تسمية المدينة النبوية بالحسنة

وهنا لطيفة ما سمعناها ولا قرأناها، وهي مما فتح الله: وهي أن المدينة تسمى الحسنة، يطلق عليها طيبة والمسكينة، لكن الحسنة ما أطلقت عليها، والآية صريحة في ذلك: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [النحل:41] ألا وهي المدينة النبوية، وهذا تقرير ابن جرير في تفسيره. إذاً: من أسماء المدينة الحسنة.

لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [النحل:41] لننزلنهم، ماذا؟ حسنة، إذاً: هي المدينة، ولا سيما لما نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتعلت أنوارها وازدادت كمالاتها، فإلى اليوم والمدينة حسنة، ولهذا أضفناها في الهدايات، المدينة هي الحسنة، قرر هذا ابن جرير وقرر أنها المدينة النبوية.

عظيم أجر الآخرة للمهاجرين في سبيل الله

قال تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [النحل:41] أيما مهاجر يهاجر في الله، في سبيل الله، من أجل أن يعبد الله فقط إلا ويبوئه الله مكاناً حسناً، وأما أجر الآخرة فلا تسأل، أجر عظيم يناله المهاجرون، والله تعالى نسأل أن يسجل أسماءنا مع أسمائهم، وكل من هجر معصية لله ولرسوله فهو مهاجر، وقد قلت لكم: تنتقل من غرفة إلى أخرى في سبيل الله، تنتقل من عمل إلى عمل في سبيل الله، أليست هذه هجرة؟ بلى.

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [النحل:41] ومعنى هذا: لا تتردد يا عبد الله، لا تخف سوى الله، هاجر إذا ما تمكنت من أن تعبد ربك، وعدك الله بأن يعوضك شيئاً حسناً جزاء هجرتك في الدنيا، أما أجر الآخرة فلا تسأل، هو أكبر بكثير لو كانوا يعلمون.

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [النحل:41] الهجرة: هي الانتقال من بلد إلى بلد، أو الانتقال من بلد الظلم والشرك والطغيان إلى بلد الأمن والإيمان، والهجرة باقية ببقاء هذه الملة، فأيما مؤمن يمنع من عبادة الله ويحال بينه وبينها إلا وجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر يتمكن فيه من عبادة الله؛ إذ علة الوجود عبادة الله، علة وجودك يا عبد الله أن تعبد الله، فإذا حيل بينك وبين هذه المهمة التي من أجلها خلقت فاطلب مكاناً آخر تعبد الله فيه.

والآية نزلت في المهاجرين من مكة إلى المدينة، إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، الهجرة يكفي في بيان فضلها قول ربنا عز وجل: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:100].

ومما ينبغي أن نعلم أن الهجرة -وهي الانتقال من مكان إلى آخر من أجل أن نعبد الله عز وجل- عامة في كل الأزمان وكل الأحوال، فأيما مؤمن يجد نفسه في قرية من قرى الإقليم الذي هو فيه غير متمكن من أن يعبد الله في هذه القرية وجب عليه أن ينتقل إلى قرية أخرى، من مدينة إلى مدينة، من إقليم إلى إقليم، من جبل إلى آخر، سر الهجرة هي أن نعبد الله تعالى؛ إذ هذه علة وجودنا، لم أوجدنا الله؟ أوجدنا من أجل أن نذكره ونشكره بالعبادات التي تعبدنا بها، فإذا تعطلت هذه العبادة تعطلت الحياة كلها، ومن هنا وجبت الهجرة.

في مكة كان يضطهد بلال ، وصهيب ، وعمار ، فما استطاعوا أن يعبدوا الله؛ لأنهم كانوا يمنعونهم من الصلاة، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى بلاد الحبشة، بلاد النصارى المسيحيين، ولكن فيهم ملك عبد صالح رحب بهم وأهَّل ووسع لهم المسكن، فعبدوا الله في تلك الديار حتى كانت الهجرة إلى المدينة.

يخبر تعالى فيقول: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ [النحل:41] لا لأجل دنيا، لا لأجل مال، لا لأجل منصب، لا لأجل شرف، لا لأجل مركب، بل في سبيل الله، أي: من أجل أن يعبدوا الله وينشروا دعوته بين عباده.

فِي اللَّهِ [النحل:41] أي: في أن يعبد الله ويدعى إلى عبادته بين الناس.

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [النحل:41] ظلموهم، لو رأيتم والد عمار وهم يعذبونه، وسمية وهم يعذبونها، وعمارًا ، حتى قال الرسول: ( أعطهم يا عمار )؛ لأنهم كانوا يقولون: إما أن تسب الرسول وإما نواصل عذابنا لك. هؤلاء أذن الله لهم في الهجرة وأمرهم بها وهاجروا في سبيل الله، فأخبر تعالى بهذا الخبر العزيز الغالي فقال: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [النحل:41] لننزلنهم منزلاً حسناً يسعدون فيه ويكملون ويعبدون الله تعالى، من بوأه الدار: إذا أنزله فيها.

وهنا لطيفة ما سمعناها ولا قرأناها، وهي مما فتح الله: وهي أن المدينة تسمى الحسنة، يطلق عليها طيبة والمسكينة، لكن الحسنة ما أطلقت عليها، والآية صريحة في ذلك: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً [النحل:41] ألا وهي المدينة النبوية، وهذا تقرير ابن جرير في تفسيره. إذاً: من أسماء المدينة الحسنة.

لَنُبَوِّئَنَّهُمْ [النحل:41] لننزلنهم، ماذا؟ حسنة، إذاً: هي المدينة، ولا سيما لما نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتعلت أنوارها وازدادت كمالاتها، فإلى اليوم والمدينة حسنة، ولهذا أضفناها في الهدايات، المدينة هي الحسنة، قرر هذا ابن جرير وقرر أنها المدينة النبوية.

قال تعالى: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [النحل:41] أيما مهاجر يهاجر في الله، في سبيل الله، من أجل أن يعبد الله فقط إلا ويبوئه الله مكاناً حسناً، وأما أجر الآخرة فلا تسأل، أجر عظيم يناله المهاجرون، والله تعالى نسأل أن يسجل أسماءنا مع أسمائهم، وكل من هجر معصية لله ولرسوله فهو مهاجر، وقد قلت لكم: تنتقل من غرفة إلى أخرى في سبيل الله، تنتقل من عمل إلى عمل في سبيل الله، أليست هذه هجرة؟ بلى.

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [النحل:41] ومعنى هذا: لا تتردد يا عبد الله، لا تخف سوى الله، هاجر إذا ما تمكنت من أن تعبد ربك، وعدك الله بأن يعوضك شيئاً حسناً جزاء هجرتك في الدنيا، أما أجر الآخرة فلا تسأل، هو أكبر بكثير لو كانوا يعلمون.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4572 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4000 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3681 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3600 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3536 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3498 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3455 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3350 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3220 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3141 استماع