تفسير سورة النور (13)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:47-52].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]. لما ذكر تعالى آياته الدالة على قدرته .. على علمه .. على حكمته .. على رحمته، وهي موجبة لألوهيته وربوبيته في الآيات التي تدارسناها بالأمس، ذكر تعالى هنا حال المنافقين الذين ما انتفعوا بتلك الآيات أبداً، بل ما زالوا على كفرهم ونفاقهم. واسمعوا الله يقول عنهم: وَيَقُولُونَ [النور:47]. وهؤلاء هم المنافقون الذين يعلنون الإيمان بألسنتهم، وبأداء بعض الواجبات كالصلاة وغير ذلك، وهم في بطونهم وفي نفوسهم ما آمنوا بالله ولا برسوله، ولا بلقاء الله، بل يخفون الكفر ويظهرون الإيمان. وهؤلاء هم المنافقون، من نافق ينافق نفاقاً إذا أظهر ما لا يخفيه في بطنه وقلبه.

بعض صفات المنافقين

هؤلاء المنافقون يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ [النور:47] رباً وإلهاً، وبرسوله محمد نبياً ورسولاً، وَأَطَعْنَا [النور:47] الله ورسوله بألسنتهم، ثُمَّ يَتَوَلَّى [النور:47]، أي: يرجع، فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [النور:47] الإعلان الذي أعلنوه. وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]. وهم يتبجحون أمام الصحابة أنهم كذا وكذا، ثم ينتكسون والعياذ بالله. وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47].

هؤلاء المنافقون يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ [النور:47] رباً وإلهاً، وبرسوله محمد نبياً ورسولاً، وَأَطَعْنَا [النور:47] الله ورسوله بألسنتهم، ثُمَّ يَتَوَلَّى [النور:47]، أي: يرجع، فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [النور:47] الإعلان الذي أعلنوه. وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47]. وهم يتبجحون أمام الصحابة أنهم كذا وكذا، ثم ينتكسون والعياذ بالله. وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور:47].

قال تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:48].

سبب نزول قوله تعالى: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون)

هنا قضية تذكر سبباً لنزول: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:48]. وهي: أن منافقاً يقال له: بشر كانت له أرض مع يهودي، واختلفا في قسمتها بينهما، أو كان كل منهما يدعي أنها أرضه، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يحكم بالعدل، وقال بشر المنافق: لا، بل نتحاكم عند كعب بن الأشرف اليهودي؛ وهذا لأنه ظالم ومعتدٍ، والحق ليس له، فإذا تحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيحكم بالحق، فيسلبه منه، وأما اليهودي كعب بن الأشرف عليه لعائن الله فسوف يحكم بالهوى والباطل، فنزل: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48] عن ذلك، ولا يريدون أن يتحاكموا إلى الله ورسوله.

حكم التحاكم إلى غير المسلمين

هنا يجب أن نعلم أنه لا يصح التحاكم إلى غير المسلمين، ولا يصح التحاكم إلى الكفار، كما لا يصح أيضاً استعمال شرائع وقوانين الكفار، ونحكم بها المسلمين، فهذا لا يحل أبداً.

وهنا مسألة، وهي: إذا كان معنا أهل ذمة يهوداً أو نصارى، وتخاصم مسلم مع يهودي أو نصراني، فهنا يجب أن يتقاضيا ويتحاكما إلى المسلمين، ولا يحل أن يتقاضيا إلى منافق أو إلى كافر. وإن اختلف يهوديان أو نصرانيان فيما بينهما فلهما إن شاءا أن يحكما من يريانه من أمثالهما، أو يتحاكما إلى الإسلام.

فاعرفوا هذه القضية، وهي: أنه لا يحل لمسلم أن يتحاكم إلى كافر؛ لأن الكافر لا يعرف الحق، ولا يحكم به، ونحن نهينا أن نتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا نلفت النظر ونقول: الواجب على المسلمين ألا يستعملوا القوانين الغربية، ويحكموا بها المسلمين. فهذا خطأ فاحش وباطل ومنكر، ولا يحل أبدا؛ لأن المسلمين يكفيهم شرع الله الذي بين أيديهم، وهو كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. وليسوا في حاجة إلى قوانين يحكمون بها المسلمين، وإن جهلوا القوانين الإسلامية فيجب أن يتعلموها، وأن يوجدوا من يعلمها ويحكِّمها ويحكُمُ بها بينهم.

وإذا كان أهل الذمة في بلادنا من اليهود والنصارى وتنازع مسلم مع يهودي أو نصراني فيجب أن يتحاكما إلى الإسلام، وإلى قاضي المسلمين.

وإن تنازع يهودي مع يهودي أو نصراني مع نصراني في بلاد المسلمين فها مخيران، فإن تحاكما إلى رجالهم وقضاتهم فشأنهما، وإن تحاكما إلينا حكمنا بينهما بالعدل. فلتبقى هذه في أذهاننا إن شاء الله.

قال تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48]. ولا يريدون أن يتحاكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

هنا قضية تذكر سبباً لنزول: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ [النور:48]. وهي: أن منافقاً يقال له: بشر كانت له أرض مع يهودي، واختلفا في قسمتها بينهما، أو كان كل منهما يدعي أنها أرضه، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يحكم بالعدل، وقال بشر المنافق: لا، بل نتحاكم عند كعب بن الأشرف اليهودي؛ وهذا لأنه ظالم ومعتدٍ، والحق ليس له، فإذا تحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيحكم بالحق، فيسلبه منه، وأما اليهودي كعب بن الأشرف عليه لعائن الله فسوف يحكم بالهوى والباطل، فنزل: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48] عن ذلك، ولا يريدون أن يتحاكموا إلى الله ورسوله.

هنا يجب أن نعلم أنه لا يصح التحاكم إلى غير المسلمين، ولا يصح التحاكم إلى الكفار، كما لا يصح أيضاً استعمال شرائع وقوانين الكفار، ونحكم بها المسلمين، فهذا لا يحل أبداً.

وهنا مسألة، وهي: إذا كان معنا أهل ذمة يهوداً أو نصارى، وتخاصم مسلم مع يهودي أو نصراني، فهنا يجب أن يتقاضيا ويتحاكما إلى المسلمين، ولا يحل أن يتقاضيا إلى منافق أو إلى كافر. وإن اختلف يهوديان أو نصرانيان فيما بينهما فلهما إن شاءا أن يحكما من يريانه من أمثالهما، أو يتحاكما إلى الإسلام.

فاعرفوا هذه القضية، وهي: أنه لا يحل لمسلم أن يتحاكم إلى كافر؛ لأن الكافر لا يعرف الحق، ولا يحكم به، ونحن نهينا أن نتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا نلفت النظر ونقول: الواجب على المسلمين ألا يستعملوا القوانين الغربية، ويحكموا بها المسلمين. فهذا خطأ فاحش وباطل ومنكر، ولا يحل أبدا؛ لأن المسلمين يكفيهم شرع الله الذي بين أيديهم، وهو كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. وليسوا في حاجة إلى قوانين يحكمون بها المسلمين، وإن جهلوا القوانين الإسلامية فيجب أن يتعلموها، وأن يوجدوا من يعلمها ويحكِّمها ويحكُمُ بها بينهم.

وإذا كان أهل الذمة في بلادنا من اليهود والنصارى وتنازع مسلم مع يهودي أو نصراني فيجب أن يتحاكما إلى الإسلام، وإلى قاضي المسلمين.

وإن تنازع يهودي مع يهودي أو نصراني مع نصراني في بلاد المسلمين فها مخيران، فإن تحاكما إلى رجالهم وقضاتهم فشأنهما، وإن تحاكما إلينا حكمنا بينهما بالعدل. فلتبقى هذه في أذهاننا إن شاء الله.

قال تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48]. ولا يريدون أن يتحاكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ [النور:49]. فإذا عرف المنافق أن الحق له يأتي إلى الرسول مذعناً مطيعاً مسرعاً؛ لأنه يعرف أنه يعطيه حقه، ولكن إذا كان ليس له حق ويريد أن يأخذ الحق بالباطل لم يتحاكم إلى الرسول؛ لأنه ما يقضي حاجته، ولا يحكم عليه بما يحب هو، ولذلك قال: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف اليهودي. وهذا دليل قاطع على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحكم بالعدل والحق، ولا يجور ولا يحيف.

وهذا المنافق بشر عرف هذه القضية، وهي: أن الرسول لا يحكم إلا بالحق؛ فلهذا قال: لا نتحاكم عند محمد، بل نتحاكم عند كعب بن الأشرف ، فنزلت هذه الآية، وهي قوله تعالى: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48] عن ذلك، غير ملتفتين إليه، ولا يريدون التحاكم إلى الله ورسوله. وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ [النور:49]، أي: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليحكم بينهم بالحق.

قال تعالى موبخاً مؤدباً مقرعاً: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [النور:50]؟ وإي والله إنها لكذلك. أَمِ ارْتَابُوا [النور:50]؟ أي: بل ارتابوا وشكوا، فهم ما هم بمؤمنين، بل هم منافقون. أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور:50]. ولا يحيف الله ورسوله ولا يجوران في الحكم، فهذا والله ما كان. وهم لا يخافون هذا أبداً، ولكن يخافون أن يحكم بالحق، وهم لا يريدون الحق، وإنما يريدون أن يتحاكموا إلى من يحكم بالباطل. ولذلك قال: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا [النور:50]؟ أي: شكوا في الإيمان والتوحيد والنبوة المحمدية؟ أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ [النور:50]. وأخيراً: قال تعالى: بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور:50]. الخارجون عن الحدود، المتقلبون في الباطل والشر والفساد. وقد ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة المؤمنون (7) 3886 استماع
تفسير سورة المؤمنون (10) 3735 استماع
تفسير سورة الحج (11) 3651 استماع
تفسير سورة النور (12) 3642 استماع
تفسير سورة الأنبياء (9) 3498 استماع
تفسير سورة الأنبياء (5) 3488 استماع
تفسير سورة الأنبياء (14) 3484 استماع
تفسير سورة الأنبياء (15) 3408 استماع
تفسير سورة المؤمنون (6) 3337 استماع
تفسير سورة الحج (17) 3186 استماع