يموت في الغابِ أو في غيرِه الأسدُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
يموت في الغابِ أو في غيرِه الأسدُ | كلُّ البلادِ وسادٌ حين تتَّسدُ |
قد غيَّبَ الغربُ شمساً لا سقامً بها | كانت على جَنَباتِ الشرقِ تَتَّقِد |
حدا بها الأجلُ المحتومُ فاغتربتْ | إن النفوسَ إلى آجالها تفد |
كلُّ اغترابٍ متاعٌ في الحياة ِ سوى | يومٍ يفارقُ فيه المهجة َ الجسد |
نعى الغمامَ إلى الوادي وساكنهِ | برقٌ تمايلَ منه السهلُ والجَلد |
برقُ الفجيعة ِ لما ثار ثائِرُه | كادتْ كأَمسٍ له الأَحزابُ تَتَّحِد |
قام الرجالُ حيارى منصتين له | حتى إذا هدَّ من آمالهم قعدوا |
علا الصعيدَ نهارٌ كلُّه شجنٌ | وجلَّل الريفَ ليلٌ كلُّه سُهُدُ |
لم يُبْقِ للضاحكين الموتُ ما وجدوا | ولم يَرُدَّ على الباكين ما فقدوا |
وراءَ ريبِ الليالي أو فجاءتها | دمعٌ لكلِّ شماتٍ ضاحكٍ رصد |
باتت على الفكِ في التابوتِ جوهرة ٌ | تكادُ بالليل في ظلِّ البِلَى تقِدُ |
يفاخرُ النيلُ أصداف الخليج بها | وما يدبُّ إلى البحرين أَو يَرِدُ |
إنّ الجواهر أسناها وأكرمها | مايقذفُ المهدُ ، لا ما يقذفُ الزَّبدُ |
حتى إذا بلغ الفلكُ المدى انحدرتْ | كأنها في الأكفِّ الصارمُ الفرد |
تلك القيَّة ُ من سيف الحمى كسرٌ | على السرير ، ومن رمح الحمى قصد |
قد ضمّها فزكا نعشٌ يطاف به | مُقدَّمٌ كلِواءِ الحقِّ مُنفرِد |
مشتْ على جانبيه مصرُ تَنْشُدُه | كما تدَلَّهَت الثَّكْلَى ، وتَفتقِد |
وقد يموت كثيرٌ لا تحسُّهمُ | كأَنهم من هَوانِ الخطب ما وُجِدوا |
ثكلُ البلاد له عقلٌ ، ونكبتها | هي النجابة ُ في الأولاد ، لا العدد |
مكلِّل الهامِ بالتصريح ، ليس له | عودٌ من الهام يَحويه ولا نَضد |
وصاحبُ الفضل في الأَعناقِ ليس له | من الصنائعِ أَو أَعناقهم سَنَد |
خلا من المِدْفَع الجبَّارِ مَركَبُهُ | وحلّ فيه الهدى والرفقُ والرَّشَد |
إن المدافِعَ لم يُخْلَقْ لصُحبتها | جندُ السلام، ولا قُوّادُه المُجُد |
يا بانِيَ الصرح لم يَشغَله مُمتدِحٌ | عن البناءِ، ولم يصرفه مُنتقِد |
أَصمَّ عن غضبٍ مِنْ حَوْلِه ورِضًى | في ثورة ٍ تَلِدُ الأَبطالَ أَو تَئِد |
تصريحك الخطوة ُ الكبرى ومرحلة ٌ | يدنو على مثلها ، أو يبعد الأمد |
الحقُّ والقوة ُ ارتدّا إلى حكمٍ | من القياصل ، ما في دينه أود |
لولا سِفارتُك المهديّة ُ اختصما | وملَّ النِّضالِ الذئبُ والنَّقد |
ما زِلْت تَطرقُ بابَ الصلح بينهما | تفتحت الأبوابُ والسُّدد |
وجَدْتها فرصة ً تُلْقى الحِبالُ لها | إنَّ السياسة َ فيها الصَّيْدُ والطَّرَد |
طلبْتَها عندَ هُوجِ الحادثاتِ كما | يمشي إلى الصيد تحتَ العاصفِ الأَسَد |
لما وجدت مُعدّاتِ البناءِ بنَتْ | يداك للقوم ما ذمُّوا وما حمدوا |
بنيت صرحك من جهد البلاد ، كما | تبنى من الصخرِ الآساسُ والعمد |
فيه ضحايا من الأَبناءِ قَيِّمة ٌ | وفيه سَعْيٌ من الآباءِ مُطَّرِد |
وفيه ألوية ٌ عزَّ الجهادُ بهم | لولا المنيَّة ُ ما مالوا، ولا رقدوا |
رميْت في وَتَدِ الذلِّ القديمِ به | حتى تَزعزعَ من أسبابه الوتِد |
طوى حِمايَتَهُ المحتَلُّ، وانبسطتْ | حماية ُ اللهِ ، فاستذرى بها البلد |
نمْ غيرَ باكٍ على ما شدت من كرمٍ | ما شِيدَ للحقِّ فَهْوَ السَّرْمَدُ الأَبد |
يا ثروة َ الوطنِ الغالي، كفَى عظة ً | للناس أنك كنزٌ في الثرى بدد |
لم يطغك الحكمُ في شتَّى مظاهره | ولا استخفَّك لينُ العيشِ والرَّغد |
تغْدُو على الله والتاريخِ في ثِقة ٍ | ترجو فتُقْدِمُ، أَو تخْشَى فتَتَّئِد |
نشأتَ في جبهة ِ النيا ، وفي فمها | يدورُ حيثُ تَدور المجدُ والحسَد |
لكلِّ يومٍ غَدٌ يمضي برَوْعَتِهِ | وما ليومكَ يا خيرَ اللداتِ غدُ |
رَمَتْكَ في قنواتِ القلبِ فانصدعَتْ | منِيَّة ً ما لها قلبٌ، ولا كَبِد |
لمّا أناختْ على تامورك انفجرتْ | أَزكَى من الورْدِ، أَو من مائه الوُرُد |
ما كلُّ قلبٍ غدا أو راح في دمه | فيه الصديقُ وفيه الأَهلُ والولد |
ولم تطاولكَ خوفاً أن يناضلها | منك الدهاءُ ورأيٌ منقذٌ نجد |
فهل رثى الموت للبرِّ الذَّبِيحِ وهل | شجاه ذاك الحنانُ الساكنُ الهَمِد؟ |
هَيْهَات! لو وُجِدَتْ للموت عاطفة ٌ | لم يبك من آدمٍ أحبابه أحد |
مَشَتْ تَذُودُ المنايا عن وَديعتها | مدينة ُ النُّور ، فارتدَّتْ بها رمد |
لو يُدفع الموتُ رَدَّتْ عنك عادِيَهُ؟ | للعلم حولكَ عينٌ لم تنمْ ويد |
أبا عزيز سلامُ اللهِ ، رسلٌ | إليك تحمل تسليمي ، ولا بردُ |
ونفحة ٌ من قوافي الشعر كنت لها | في مجلس الراحِ والريحانِ تحتشدِ |
أرسلتها وبعثتُ الدمعَ يكفنها | كما تحدَّر حولَ السَّوسن البرد |
عطفتُ فيك إلى الماضي ، وراجعني | ولا تغّير في أبياتها الشُّهد |
حتى لمحتُكَ مَرموقَ الهلالِ على | حداثة ٍ تععدُ الأوطانَ ما تعد |
والشعرُ دمعٌ، ووجدانٌ، وعاطفة ٌ | ياليت شعريَ هل قلتُ الذي أجد |