تنُّورةٌ بيضاءُ |
وردٌ .. دمعةٌ |
ويدانِ تمتدانِ نحوَ النهرِ |
تَرتشفانِ مِن عسلِ المغيبْ |
وهناكَ يعترفُ القصيدُ |
بأنَّ عينيكِ ابتهالاتُ الحروفِ |
شفاءُ أوجاعِ الغَريبْ |
عامانِ مِنْ هذا الغيابِ |
فكيفَ لي ألا أعودَ |
وبيتُكِ البحرُ الرَّحيبْ |
** |
بيدي |
وظلُّ يديكِ يرقصُ في ارتعاشٍ |
لا المساءُ هو المساءُ |
ونلتقي في كل عامٍ مرَّةً |
ولَنا بمِلحِ الدَّمعِ شَهدٌ |
نكهةُ التُّفاحِ في خدَّيكِ تعرِفُني |
وأعرِفها |
وأمضي لي بقلبِ حَبيبتي خُبزٌ وَ زَيتْ |
نتصفَّحُ الصُّورَ القديمةَ |
كلُّ شيءٍ باهتٌ |
الوجهُ.. والكفَّانِ |
صمتُكِ .. صَمتُنا |
و دَمي المُجمَّدُ في الخلايا باهِتٌ |
و النَّاسُ طوفانٌ مِنَ التِّرحالِ |
لستُ بمفردي |
و الليلُ يَسكُنُ كلَّ بيتْ |
** |
بالكوبِ |
نصفٌ فارغٌ |
مَنفَى |
و أحلامُ القُرنفلِ لا تزالُ بريئةً |
بِكراً |
ويرتشفُ الصغارُ مِنَ السواقي |
نلعبُ الـ " حجلى " ولا نرتاحُ |
نقفزُ مِن هُنا لِهُناكَ |
نضحَكُ |
حينَ تَرمي البنتُ عَن قصدٍ ضَفيرَةْ |
نحنُ العفاريتُ الصغيرةُ |
لا ننامُ معَ الظَّهيرَةْ |
** |
مَطَرٌ |
و " طرقعةُ " الحذاءِ على الرَّصيفِ غريبةٌ |
والليلُ أضيقُ مِن عباءاتِ الطفولةِ |
لا تقولي: |
يا بُنَيَّ... |
أنا كَبرتُ |
ولا أريدُ أصابعَ الحَلوى |
كَبرتُ |
ولا أريدُ النَّومَ مِثلَ دجاجةٍ قَبلَ العِشاءْ |
الوقتُ |
أثقلُ مِن سَحابٍ عابِرٍ |
يا ساعةُ انطَلِقي ولا تَقِفي |
سَيمْضي الدَّرسُ |
ثُمَّ سَنشتَري " غزلَ البَناتِ " |
ونَشربُ الـ " بُوظا " ونُلقي بالكراريسِ العقيمةِ |
كي نعودَ لبيتِنا متأخرينَ مَعَ المَساءْ |
** |
الجسرُ مُمتَدٌّ |
سَنذهبُ حيثُ يغلِبُنا النُّعَاسُ |
سَأستعيرُ |
قميصيَ المنسيَّ مِنْ رَفِّ الغيابِ |
ونلتقي في ظلِّ سُنبلتينِ |
عُمري تسعةٌ |
و يَدي مُحنَّطَةٌ على البَابِ القَديمِ |
تشقُّ درباً للنَّهارْ |
فأنا أحبُّ البيتَ .. والجيرانَ |
شارِعَنا الصغيرَ |
أحبُّ رائِحةَ الجِدارْ |
وأحبُّ نهرَ النِّيلِ |
وجهَكِ |
والمراجيحَ القديمةَ |
وِجنتَيكِ |
أحبُّ صافِرةَ القِطارْ |
** |
للشاطئِ المنسيِّ أيضاً قِصَّةٌ |
آثارُ أقدامي |
على الرملِ المُبللِ لا تزالُ هناكَ |
و البنتُ الشَّقيةُ |
صوتُ بائعةِ الزِّهورِ |
و نحنُ مُتَّكئونَ |
يحجِبُنا سِتارُ الفجرِ عَن ضوءِ المَغارِبْ |
نَحكي |
ونُلقي حَزنَنا للموجِ |
نَمضُغُ عَلكةَ الماضي |
و يرسو قاربٌ في البحرِ |
يَنفضُ جُرحَهُ |
والبحرُ مُتَّسَعٌ لأوجاعِ القواربْ |
** |
وَحدي |
وليسَ مَعي سوى اسمِكِ |
نَفتحُ الشُّباكَ |
تَرشُقُنا العصافيرُ ابتساماً |
والحياةُ فقيرةٌ |
والقلبُ أعمقُ مِن مُحيطٍ صارخٍ |
والدَّمعُ يَنزلُ مِنْ حَديدْ! |
لَم أعشقِ المَوتى ولا السِّكينَ |
أعشقُ زهرةَ التُّوليبِ .. و الفَانوسَ |
و اسمَ مَدينتي |
و العيدَ و الثَّوبَ الجَديدْ |
لَم أقتَرِبْ |
فأنا بعيدٌ هكذا |
و النَّجمُ يلمعُ مِن بَعيدْ |
** |
لَسنا كَما جِئنا |
تَقولُ الأمنياتُ بأنَّ شيئاً ما |
سيحمِلُني إلى بابِ القَصيدةْ |
وتقولُ "ضارِبَةُ الرِّمالِ": |
بأنَّ عُمرَكَ طَلقةٌ |
سَتُصيبُ قافيةً بَعيدَةْ |
والآنَ تَحمِلُني كَطفلٍ نائِمٍ |
بيَدٍ معذَّبةٍ شَريدَةْ |
والعُمرُ |
أسرعُ مِن تَصَفُّحِنا جَريدَةْ |
** |
كُنَّا صغاراً |
لا نجيدُ قراءةَ الدُّنيا |
نُعبِّرُ عَن فُصولِ الخَوفِ بالألوانِ |
نصطادُ الفَرَاشَ |
و كُلَّما مرَّتْ جموعُ العابرينَ تثاقَلَتْ أقدامُنا |
ومَحَوتُ مِن كفَّيكِ آثارَ الجِراحْ |
لَمْ نَدرِ أنَّ الشَّارعَ ازدادَ ازدحاماً صاخِباً |
كُنّا نقولُ: |
بإنَّ ضوءَ الصُّبحِ |
سوفَ يَمُرُّ مِن عُنقِ الزُّجاجةِ للبَراحْ |
لَم نَنتَبِهْ |
حينَ التَقينا |
في مَمَرَّاتِ الشَّتاتِ |
كَما يمرُّ البَدرُ في جوفِ الصَّباحْ |
** |
العَنكبوتُ |
يُحاصِرُ البِروازَ |
كُنْ مُتأكِّداً |
أنَّ الجَمادَ يَحُسُّ بالزَّمَنِ المُعَتَّقِ في المَلامحِ |
لن تُعيدَ الكّرَّةَ الأولى |
وتَرحلَ كُلَّما جاءَ الخَريفْ |
تَتَنهدُ المرآةُ |
والقلبُ المُفَخَّخُ بالحنينِ إلى بلادي |
يَنقضي باسمِ الرَّغيفْ |
و أنا وَطيفُكَ |
ما جَنينا |
غيرَ وَشوَشَةِ الرَّصيفْ! |