الماء في الشط الغريب مقامر |
والأفق أغبر هامد |
والفجر يقتله السكون |
بعض الضباب ونورس مثل الغراب |
والملح في الشفتين أغمد سيفه بعد الحراب |
والنيل ملقى في الرصيف تحوطه جزم الجنود .. |
عيون أسماك تموت |
نيل يموت .. |
ونصف نيل يحتمي بالخوف |
والرعب الشديد مع السكوت |
وجه كلون الطمي في الدلتا |
يئن وسعلة هزت ذراع الأخطبوط |
مصر التي باعت بنيها للمنافي |
لم تعد .. |
مصر التي في خاطري كالعنكبوت |
ما عاد بيتك في البلاد |
ولم تعد مصر التي في خاطري تحمى البيوت |
ما عاد فقرك يكتفي بالجوع أو بعض الصغار |
بل الرحيل مع القنوط |
خمسون نيلى هناك تشرذموا |
ما بين موتى .. وانتظار .. |
من يموت ؟ |
الملح في مدن اغترابك حارق |
والنيل ما اعتاد الحرائق والمرار |
مدن الملوحة سيدي |
أرض قفار والسماوات اقتناص |
والمدى عار ونار |
أنت المدان ؟ وجرحكم نزفُُُ ُ |
ولا طين يداوي أو يعيد الإخضرار |
والماء في الترع البعيدة راكد |
رغم افتراش الضوء واجهة النهار |
هي أمك الأرض البتول |
وفي الجذور حنينها الوضاء يشتاق انتصار |
الجوع ؟ يقتله القليل وجرعة |
من ماء نيلك وانتماء للديار |
لست الملوم ولا الملام وإنما |
قدر البلاد تبيعنا بخساً وعارْ |
فاصفع وجوه السارقين الضوء |
لا تترك ديارك للصوص وللكبار |
وإزرع إباءك في الوجوه وفي القلوب |
وفي الديار |
فلطينك المسفوك تاريخ انتصار |
لم يزل يسق الهوى رغم انكسار |
يا أيها السمسار رفقا بالوطن |
لا تشتري الوجه المسافر في الجوارح بالسراب |
المال في يده العفيفة دمعة .. |
جوع تشرب بالعذاب |
الطين غاب |
وسفائن الفرعون في نيل الزمالك همها |
فخذ تعرى للحراب |
والماء في النيل المروض ساكن |
والماء في البحر البعيد مكهرب يبدى اصطخاب |
سفن المراقص تمخر النيل المكبل |
تنتشي بالسائحين ورقصة |
سيل الكئوس وعزفها |
" العنب .. العنب .. العنب " |
الطين غاب |
والملح قاس في الظلام ورهبة |
خفر السواحل .. |
حلم مينا والعباب |
الموج عات يا صحاب |
وسفينة الأحلام تقهرها الصعاب |
يا أيها المذبوح في الوطن الخراب |
هل ذقت يوما فرحة .. |
بلح الشآم .. وكسوة .. وحلاوة .. عنب اليمن ..؟ |
هل كنت غير أسيرها وحبيبها وابن الشهيد |
هل تقت يوم الموج أحضان التراب؟ |
أشممت وحل زريبة |
وودت لثم الطين أو لعن الكلاب |
أرأيت دمع حبيبة كان المؤمل غرفة |
بعض الحنان وشربة من ماء نيلك |
قبل أيام الخراب |
هل جاء في خلد الرحيل صمودها |
تلك البتول ترملت |
جاعت لتشبع أم سيلهيك اغتراب؟ |
أنسيت وجه مآذن الفجر السليب |
وهل ترى كان الإمام يهزنا |
بدعائه المكتوب يدعو للخليفة بالصواب |
الملح قاس والسفينة أصبحت وهما |
ولا أثر هنالك أو صحاب |
جثث تحوطك والحقيبة والهموم |
وريح رعب طوحت كل أحلام الشباب |
أنت الذى يوما رسمت على المساء خريطة |
الشمس فيها والقمر |
هل كنت تحسب أنها يوم تخون |
وتنحنى قدام كلب مندحر |
أبدا تخونك بسمة أودعتها |
دربا ووجها والشواشي والشجر |
كل الذي يوما رسمت على الدروب |
وفي الدفاتر غاله الجدب المجذر |
والجنود ونصف صمت أو موات |
كافور يتلو كل صبح في المدائن جوعنا |
فيفر أولاد الشتات |
لا شيء عندك غير وجه يرتدي زي الجنود |
ووجه جدب بالبنات |
سفن ستأتي بالدقيق وخلفها |
سفن ستحمل نبض قلبك للموات |
الماء ماؤك والأراضي خصبها فاق الحدود |
وإنما الذل في عجز القرار |
فاركب سفائن هجرة نحو الشمال |
الكل مال |
والمال في جيب العزيز وجوعنا .. |
لا وقت عندك غير نصف مسافة |
بين الخنوع وهجرة من سوء حال |
ماذا تريد من العناكب غير أوهى منزل |
والريح عاصفة وخبرك أجنبي |
لم يكن في الجرن بعد حصاده يأوي العيال |
لا شئ في مصر الحبيبة غير نسر فاتك |
والجوع ينهش أرضك الحبلى.. |
وأحلام الكبار |
ماذا تبقى من بهائك غير صوت الآه |
أو بعض اجترار |
وحضارة والسائحون |
وطفلك المذهول من صمت المآذن والفنار |
والصقر ما عادت صقورك سيدي ملء الفضاء |
وريشها أمسى مخدات الكبار |
الصقر تشويه النسور ولم تكن |
يوما تدور إذا انتشى فوق المدار |
الكل غادر والمقيم مجاهد |
فارحل بصمتك وارتضي عارا بدار |
أمست منافينا الوطن |
وعلى المراكب وجه نيلك يختفى خلف الشجن |
مزق جوازك واحتمي بالصمت |
وادفع قوتك الملموم قرشا بعد قرش |
بعد دمع والوجع |
يا أيها النيلي تلفظك المراكب والبلاد |
لشط موت ينتظر |
فاحمل بقاع القلب بعض الماء |
عل الماء يمسي ذات يوم مستقر |
هو ماؤك النيلي ما عاد الفرات ولا القراح |
النيل باعك واستراح |
أنت الذي ترضى الكلاب فلا تلمها |
لو تنجس شطك المنهوك من نزف الجراح |
لو كل كلب قد عوى |
ألقمته حجرا وبارودا |
لما كانت بلادك تستباح |
أنت ارتضيت كبيرهم ونظيفهم |
وجمالهم وقبيحهم وصغيرهم |
فاشبع بذٌلك من مسائك للصباح |
قد كان حلمك في المشيب عبادة وتلاوة |
والقبر في الأرض البراح |
حتى القبور بعيدة |
بعد المزار ولم تعد تتلى فواتيح الكتاب |
النيل غاب ..النيل غاب.. |
*** |
من أي عهد في القرى |
كان الدقيق مهاجرا |
والهند تهديك الغلال؟ |
وبأي كف سوف تعجن خبزنا |
مستورداً ؟! |
ما كان من زرع التلال |
وبأى طعم سوف تشعر سيدي |
طعم انهزامك أم إجابات السؤال ؟ |